كيف ينظر الإسرائيليون إلى الرئيس بايدن؟

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

بقلم: أشرف العجرمي

بمجرد أن فاز المرشح الديمقراطي للرئاسة في الولايات المتحدة جوزيف بايدن على نظيره الرئيس الحالي الجمهوري دونالد ترامب بدأت الدوائر الإسرائيلية في تحليل توقعات سلوك بايدن نحو إسرائيل، على فرض أن الرئيس المنتخب سيتسلم السلطة في شهر كانون الثاني القادم، بالرغم من محاولات ترامب تعطيل نقل السلطة بسلاسة للفائز الجديد. وما يمكن أن يحدث في الولايات المتحدة إذا ما تعثرت عملية دخول بايدن للبيت الأبيض. ويرتبط توقع سياسة بايدن تجاه ملفات الشرق الأوسط التي تعني إسرائيل بالدرجة الأولى بحقيقة أنه اشتغل في البيت الأبيض كنائب للرئيس باراك أوباما الذي يعتبره اليمين الإسرائيلي الحاكم معادياً لسياسة إسرائيل، بل اتهم بمعاداة السامية في مرات عديدة. وأيضاً بما فرضه الرئيس ترامب من تغييرات ووقائع سياسية ستترك أثرها على تقرير سياسة واشنطن نحو هذه الملفات.
بعض الإسرائيليين يتوقعون أن يكون بايدن معتدلاً في توجهاته نحو إسرائيل وخاصة فيما يتعلق بسياستها تجاه الفلسطينيين، وهؤلاء يبنون على التمييز بين بايدن كنائب لرئيس اشتهر بانتقاداته اللاذعة للسياسة الإسرائيلية وبينه كرئيس وسيد البيت الأبيض. حتى أن قسما من هؤلاء يحاول التذكير بأن بايدن لم يكن يتفق دوماً مع السياسة الخارجية لأوباما، حسبما يقول السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة زلمان شوفال، الذي يرى أن فحص اتجاهات بايدن في السياسة الخارجية يتطلب انتظار رؤية من هم الأشخاص الذين يعيّنهم بايدن مثل وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي. ويقلق إسرائيل أن اليسار الليبرالي تعزز في مجلس النواب وقد يكون له أثر في الضغط على بايدن، فبعض ممثلي هذا التيار يريدون الضغط نحو سياسة خارجية تدير الظهر للدول العربية الحليفة لترامب وتفرض حلاً للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وتربط المساعدات الأمنية لإسرائيل بتغيير سياستها تجاه الفلسطينيين، وترفع العقوبات عن إيران، وتدفع بايدن باتجاه ما يقولون إنها سياسة تقدمية أكثر.
ولكن هناك في المقابل من يحاول التقليل من الأضرار التي يمكن أن تنجم عن سياسة بايدن تجاه إسرائيل بالادعاء أنه ليس ترامب ولكنه بالمقابل ليس بيرني ساندرز الذي يعتبرونه يسارياً متطرفاً، ومع أنه يهودي فهو يعارض سياسة إسرائيل بشكل مبدئي، خصوصاً إجراءات الاحتلال وبناء المستوطنات، وبالتالي لن يتخذ خطوات داعمة لإسرائيل بدون تحفظ على غرار سلفه ترامب، وفي نفس الوقت لن يمس بالعلاقة مع إسرائيل وسيحافظ على التزامه نحوها كالتزام للولايات المتحدة بضمان أمن إسرائيل وتفوقها العسكري. وقد تكون فترة ولايته فترة انتقالية تعقبه فيها نائبته كامالا هاريس المتزوجة من يهودي والمؤيدة لإسرائيل.
وقسمٌ من المحللين يرون أن بايدن لن يسير على خطى أوباما باحتضان إيران وخلق توازن بينها وبين السعودية، أو التعامل مع الإسلام السياسي باعتبار أنه يمثل النقيض لـ «الإرهاب» الجهادي. وستكون له مشكلات مع الدول العربية في ملفات حقوق الإنسان، كما سيتناقض مع السياسة التركية في ملف الاكراد في سورية واستفزازاتها لحلفاء أميركا. وسيعمد لاتخاذ سياسة متوازنة في التعامل مع الملف النووي الإيراني، بالعودة للاتفاق النووي والإبقاء على قسم من العقوبات على طهران في إطار الحوار معها على ترتيبات جديدة. والإسرائيليون ليسوا واثقين من مدى رغبة بايدن في توسيع الاتفاق ليشمل ما يرونه خطراً على أمنهم، سواء استمرار تخصيب اليورانيوم أو تطوير الصواريخ البالستية.
لكن غالبية الذين تناولوا بالتحليل سياسات بايدن المتوقعة يتفقون على أنه لن يكون هناك تغيير جوهري في الوضع الفلسطيني- الإسرائيلي، باستثناء إمكانية فتح القنصلية الأميركية في القدس وفتح مكتب تمثيل منظمة التحرير في واشنطن وعودة الدعم المالي للسلطة ولمنظمة « الأونروا»، بدون أي تدخل جدي لإنهاء الصراع وتحقيق حل الدولتين. بل إن العديدين يقولون إن بايدن لن يكون بذات الحدة التي كان عليها في عهد الرئيس باراك أوباما تجاه معارضة الاستيطان، وقد يلجأ إلى وضع سياسة تمييزية تجاه البناء في الكتل الاستيطانية عن البناء في المستوطنات الخارجة عنها والمتناثرة في كل مكان.
المتفائلون جداً، وهم أقلية ضئيلة، هم من يعتقدون أنه ستكون لنتنياهو مشكلة جدية مع بايدن، وهؤلاء يستندون إلى تأثير أوباما المفترض على بايدن خصوصاً وأن أوباما قد كتب في مذكراته التي ستنشر قريباً في كتاب بعوان «أرض موعودة» عن «سطوة إسرائيل» على القرار الأميركي، وذكر على وجه الخصوص بنيامين نتنياهو الذي يصور نفسه المدافع عن إسرائيل ويبرر كل شيء يفعله للبقاء في السلطة تحت هذا العنوان، ويستغل مجموعات الضغط اليهودية لتدافع عن سياسة إسرائيل حتى عندما تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة، وأن المخالف لموقف إسرائيل يدفع الثمن محلياً.
من الواضح وبغض النظر عن التحليلات الإسرائيلية لسياسة بايدن أنه لا يمكننا التعويل كثيراً لا على بايدن ولا على أي شخص آخر حتى لو كانت هناك فروقات واختلافات واضحة بين ترامب وبادين. فالواقع على الأرض صعب جداً لدرجة أن بايدن لو أراد أن يسير على خطى أوباما لن ينجح في إحداث اختراق جدي، وسيكون مصير إنجازاته كمصير إنجازات سابقه الديمقراطي. ولكن هناك شيئاً واحداً يمكنه أن يحدث الفرق وهو تطوير الواقع الفلسطيني بإنجاز الوحدة الوطنية أولاً واعتماد استراتيجية نضالية محكمة للتأثير على الأرض في مواجهة الاحتلال، وأيضاً في توفير عوامل الإسناد والضغط الدولي بما فيها التدخل الأميركي الفاعل.