تنازلات نتنياهو: وثيقة ذات أهمية تاريخية

20150703083421
حجم الخط

الوثيقة التي أوشكوا على الحديث عنها كتبت في آب 2013. وهي تجمل سنوات من المفاوضات السرية التي جرت في لندن بين المندوب المخول لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ومن يعتبر المندوب المخول لابو مازن، رئيس السلطة الفلسطينية. وهذه وثيقة ذات أهمية تاريخية: وينشر محتواها هنا لأول مرة. ضمن أمور اخرى تكشف الوثيقة عن سلسلة من التنازلات المفاجئة التي كان نتنياهو مستعدا لتقديمها للفلسطينيين. 
هناك فجوة هوة، غير قابلة للجسر، بين خطابات نتنياهو وبين التعليمات التي اصدرها لمبعوثه الى المفاوضات. فهل سعى نتنياهو الى خداع الفلسطينيين؟ أم العكس، سعى لخداع ناخبيه؟ هل سعى لأن يرقص في نفس الوقت في العرسين؟ يخيل أن كل الاجوبة صحيحة. كل شيء كان ساحرا ومذهلا. ولكن في نهاية الدراما تبين أن نتنياهو لم يخدع الا نفسه. 
كان مندوب نتنياهو الى المفاوضات هو اسحق مولخو، قريبه العائلي، محاميه ورجل سره. اما الشريك في الطرف الفلسطيني فكان حسين آغا، بروفيسور في جامعة اكسفورد، لبناني انضم في شبابه الى «م.ت.ف» ويعتبر من الاشخاص الاكثر قربا من ابو مازن. وبمفهوم معين، كان الاختيار ألمعيا. فكل من مولخو وآغا هما طليقا اللسان، واسعا العقل، براغماتيان. شخصان قادران على الوصول الى اتفاق؛ بمفهوم آخر، اكثر اهمية بكثير، كان الخيار بائسا. فكلمة مولخو هي كلمة نتنياهو: لا سبيل الى الفصل بينهما. كل اللاعبين في هذه المعركة يعرفون ان نتنياهو هو رجل مركزي، يشرف على رجاله عن كثب؛ بالمقابل، كلمة آغا هي مجرد كلمة آغا. اما نتنياهو فاعتقد بأن آغا هو مولخو ابو مازن. وقد اخطأ: في يوم الامر ادعى ابو مازن بأنه لا توجد له اي صلة بالاتفاقات التي توصل إليها حسين آغا. لا شيء نقل الى علمه. لا شيء لاقى موافقته.
عمليا، استخدم ابو مازن آغا كطعم. اجتذب نتنياهو الى تنازلات دون أن يتعهد هو بالتنازل عن اي شيء. وفي لعبة البوكر هذه فإن ابو مازن فنان عظيم.
في تموز 2013، بدأت المفاوضات الرسمية بين حكومة اسرائيل والسلطة الفلسطينية، حسب مبادرة وزير الخارجية كيري. وهذه الوثيقة، التي كتبت تحت عنوان «مشروع وثيقة مبادئ حول الوضع الدائم»، بهدف أن تكون اساسا للمحادثات. وقد كتبت في آب. وكانت صيغة واحدة اخرى للوثيقة، كتبت في ايلول، كانت وتبخرت. وهكذا انتهى هذا الفصل في تاريخ المسيرة السلمية.

حدود ومستوطنات
نتنياهو، من خلال مولخو، يفتح في هذه الوثيقة الباب لعودة اسرائيل الى خطوط 67، مع تبادل للاراضي على اساس متر مقابل متر؛ وهو يعترف بالتطلعات الشرعية للفلسطينيين في شرقي القدس ويعطيهم قبضة في غور الاردن. ويفتح امكانية لعودة اللاجئين الى اسرائيل على أساس فردي، اخلاء مستوطنين من الضفة وبقاء قسم من المستوطنات وسكانها تحت حكم فلسطين. من زاوية نظر الوسط – اليسار الاسرائيلي، احزاب مثل المعسكر الصهيوني ويوجد مستقبل، وربما ميرتس ايضا، هذا اتفاق معقول للغاية. ليس مؤكدا ان مصوتي الليكود والبيت اليهودي يفكرون بالطريقة ذاتها.
وأجلب هنا النقاط الاساسية في الاتفاق، بترجمة حرة الى العبرية. فهي تبدأ بتحديد هدف المفاوضات:» الطرفان متفقان على أن هدف مساعيهما هو الوصول الى انهاء المواجهة وكل الادعاءات... وهما متفقان على أن المسائل المتعلقة بالوضع الدائم يجب أن تتعاطى مع الاحتياجات الشرعية للطرفين بطريقة عملية ونزيهة تسمح بتأييد جماهيري. وهما شريكان في الرؤيا التي تتحدث عن دولتين للشعبين، مع حقوق دينية متساوية وبلا تمييز تجاه اي طائفة اثنية او دينية».
ويتحدث البند الثاني عن «الاراضي الاقليمية، الحدود والمستوطنات». «يتفق الطرفان على أن يكون لاسرائيل وفلسطين حدود دائمة الواحدة مع الاخرى، ويكون لفلسطين حدود دائمة مع الاردن ومصر (الحدود مع الاردن تتطلب سيادة فلسطين في غور الاردن، كله أو جزء منه – ن.ب). الحدود بين اسرائيل وفلسطين ستكون على اساس خطوط 67 مع تبادل للاراضي متفق عليه، يأخذ بالحسبان التطورات المتأخرة (والمقصود الكتل الاستيطانية – ن.ب). وستقرر الاعتبارات العملية والواقع على الارض حجم ومكان الاراضي المتبادلة.
يتفق الطرفان على أن تكون فلسطين دولة مستقلة وذات سيادة في ارض قابلة للعيش تساوي في حجمها المساحة التي كانت تحت سيطرة مصر والاردن قبل الرابع من حزيران 1967؛ يكون أمن اسرائيل مضمونا وكل حركة (اخلاء – ن. ب) للسكان الموجودين تكون بالحد الادنى. ولا تفصل مناطق.
الاتفاق لاقامة فلسطين سيحل كل مشاكل الوضع الدائم، بما في ذلك مسألة المستوطنات. الاسرائيليون الذين يختارون البقاء في اماكنهم في دولة فلسطين يكونون تحت الحكم الفلسطيني مع حقوق متساوية وكاملة، دون تمييز ضد الفرد أو الطائفة.
يتفق الطرفان ايضا على ارتباط آمن بين الضفة وغزة.
احتياجات اسرائيل الامنية تكون مضمونة ضمن امور اخرى من خلال:
ـ دولة فلسطينية مجردة في الضفة وفي غزة مع قدرة أمنية قوية.
ـ التعاون بين قوات الامن في المعلومات وفي الاعمال الميدانية.
ـ فلسطين لا توافق على مرابطة قوات أجنبية في اراضيها ولا توقع على معاهدات دفاع مع دول اخرى.
ـ يكون انسحاب كامل على مراحل لقوات اسرائيل من ارض فلسطين. القوات الاسرائيلية الاخيرة تخلي عندما تنفذ المرحلة الاخيرة من الاتفاق.
ويعترف الاتفاق ايضا «بالمشاكل الامنية المشروعة لفلسطين».

ثلاثة وجوه للقدس
يتحدث الاتفاق عن امكانية تأجير غور الاردن لفترة زمنية محدودة. «نظام خاص لمدى طويل يقام على جانبي نهر الاردن. ويبقى النظام الخاص الى أن تقرر كل الاطراف أن الظروف تبرر التغيير (اقتراح لمرابطة قوة مهمة للجيش الاسرائيلي الى جانب قوة دولة الاردن على طول النهر رفض – ن. ب). واضافة الى ذلك ترابط قوة مساعدة دولية».
الموقف من مسألة القدس في الاتفاق عام وحذر. «هذه على ما يبدو هي المسألة الاكثر تعقيدا وحساسية موضع البحث»، يعترف آغا ومولخو. مصالح اسرائيل والفلسطينيين تحظى بمستوى متساو من الاهمية.
كل حل يجب أن يتعاطى مع الارتباطات التاريخية، الدينية، الثقافية والعاطفية للشعبين بالمدينة وحماية الاماكن المقدسة.
«لمسألة القدس يوجد ثلاثة وجوه: ارض اقليمية، حكم واماكن مقدسة. كجزء من التقدم الى حل النزاع يمكن للطرفين ان يتعاطيا مع امانيهما للارتباط بالمدينة، شريطة الا يعاد تقسيمها».
لحل مشكلة اللاجئين توجد بدائل اخرى: «الحل سيكون عادلا، نزيها وواقعيا. وهو ملزم بأن يستجيب للهدف المشترك – دولتين للشعبين – وفي نفس الوقت يتطلب حساسية تجاه مصادر القلق الاعمق للطرفين».
ويعد الاتفاق اللاجئين برد كرامتهم لهم ويعدهم بحياة جديدة وطبيعية؛ ويعد الاسرائيليين الا تستغل مشكلة اللاجئين لمواصلة النزاع او لتغيير الطابع اليهودي للدولة.
كيف يتم ذلك؟ هناك عدة خيارات. احدها يتحدث عن الاعتراف بمعاناة اللاجئين واعادة توطينهم في فلسطين وفي دول ثالثة، بمساعدة دولية. يقام صندوق دولي لمعالجة ادعاءات الاملاك والنفقات المنطوية على اعادة التوطين. وتساهم اسرائيل بنصيبها في الصندوق. كما ستبعد الدول العربية هي الاخرى الى المساهمة.
خيار آخر مشابه، باستثناء بند واحد، مشحون جدا. «على مدى فترة محددة توافق اسرائيل على اعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين على اساس فردي». حسين آغا يضيف ملاحظة: فهو يطالب بصيغة اكثر الزاما.
هناك في مشروع الاتفاق تناول أيضا للاجئين اليهود الذين وصلوا الى اسرائيل من البلدان العربية. «مطالب اليهود الذين هربوا أو طردوا من البلدان العربية ونفقات اسرائيل في استيعابهم تتطلب معالجة. وتعتزم الولايات المتحدة قيادة الجهود الدولية في هذا الموضوع بما في ذلك دعوة الدول العربية للتبرع من أموالها».
ان الاتفاق الذي توصل اليه مولخو وآغا يشمل مواضيع اخرى. ولم تعرض هنا سوى أهمها، المواضيع الجوهرية. ويجدر بالذكر ان المفاوضات جرت في الولاية السابقة لنتنياهو، قبل مبادرة كيري، في ائتلاف كان فيه نتنياهو هو مصدر الصلاحيات الوحيد في الموضوع الفلسطيني. والتنازلات التي قدمها في مسائل جوهرية كالحدود، اللاجئين، المستوطنات، تدل ظاهرا على رغبة شديدة، بعيدة الاثر، للتوصل الى اتفاق ينهي النزاع. وفي نفس الوقت اتخذ نتنياهو خطوات على الارض شهدت على العكس. يخيل أنه كان مهما له أن يحظى بالاعتراف كمن يسعى الى السلام، بشرط واحد – الا يحقق السلام ابدا.
وبالاساس تذبذب. وتحرك بندوله من الطرف الى الطرف، من تنازلات مبالغ فيها، بمقاييس ناخبيه، الى تنازلات صفر، من اليمين الى اليسار، ومرة اخرى الى اليمين. لا غاية، ولكن الاساس هو أنه توجد حركة.
عن «هآرتس»