هل تقضي اللقاحات الواعدة على فيروس كورونا؟

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

يتنفس العالم الصعداء هذه الأيام مع إعلان شركتي "فايزر" و"موديرنا" الأميركيتين، وشركة "بيونتك" الألمانية، عن نتائج أولية من المرحلة الثالثة من تجارب اللقاحات على الآلاف من المتطوعين في مناطق مختلفة من العالم، وأظهرت النتائج الأولية التي لم تتم مراجعتها بعد من قبل هيئات رقابية وازنة مثل "إدارة الأغذية والأدوية" الأميركية وهي الأهم في العالم، أو من قبل الهيئة الأوروبية لتسجيل ومراقبة الأدوية أو من قبل غيرهما من الهيئات والوكالات، أظهرت النتائج فعالية اللقاحات بأكثر من 90% حين تتم مقارنتها مع الأشخاص الذين لم يتم إعطاؤهم اللقاحات، وهذه نتائج واعدة وتدعو الى التفاؤل والأمل.
وبالتالي، فإننا نتفاءل ولكن بحذر، حيث إن اكتشاف وتجربة لقاح مع نتائج أولية واعدة هو أمر مهم، ولكن إنتاج مئات الملايين من اللقاحات وتوزيعها وتخزينها وقياس فعاليتها معضلة كبيرة، وبالتالي، وفي أحسن الأحوال وان تمت الأمور على ما يرام مع هذه الشركات وبالأخص شركة "فايزر" العملاقة التي تملك أكبر واعرق خط لإنتاج اللقاحات، من المتوقع أن يتم توزيع اللقاح خلال الشهر الثالث أو الرابع من العام 2021.
وعلى ذكر شركة "فايزر" وقدراتها على إنتاج اللقاحات، فقد عملت لسنوات عديدة في الولايات المتحدة، في شركة "وايث" العملاقة لصناعة الأدوية والتي كانت تملك أفضل ذراع أو قسم لاكتشاف وتصنيع اللقاحات في العالم، والتي أصبحت لاحقا جزءا من شركة "فايزر"، الشركة الأضخم والأغنى والأكثر تنوعا لصناعة الأدوية واللقاحات في العالم، حيث قامت وما زالت استراتيجية شركة "فايزر"، التي تحقق أرباحا هائلة كل عام وبالتالي تملك السيولة النقدية الكبيرة، على شراء أي شركة أخرى صغيرة او كبيرة، تملك أدوية واعدة في المستقبل، أو أدوية حالية ما زالت تتمتع ببراءة الاختراع لأمراض تحقق عائدا كبيرا، وبالتالي حين تقوم بشراء الشركة، وبالتالي تشتري الأدوية والأبحاث وبراءات الاختراعات وتستولي على الباحثين والمختبرات والمعامل والسمعة التي تتمتع بها الشركة.
وهذا ما قامت به شركة "فايزر" حين استولت على الشركة التي انتجت دواء "فياغرا"، المعروف والذي يستخدم لعلاج الضعف الجنسي، وبعد ذلك شراء الشركة التي اكتشفت أو انتجت دواء "ليبتور" الذي يباع لخفض الكولسترول في الجسم والذي أصبح من أكثر الأدوية مبيعا في العالم بعائد وصل الى اكثر من 18 مليار دولار في العام، قبل أن تنتهي سنوات براءة الاختراع وتصبح شركات عديدة قادرة على تصنيعه وتسويقه، وقامت كذلك شركة "فايزر" بشراء شركة "وايث" الأميركية، بحوالي 60 مليار دولار قبل حوالي 10 سنوات، وبالطبع كانت تطمح للاستفادة من قسم اكتشاف والاهم تصنيع وتوزيع اللقاحات التي اشتهرت بها "وايث"، بالإضافة الى أدوية أخرى كانت تحقق مبيعات كبيرة أو واعدة في ذلك الوقت، في مجالات الاكتئاب والروماتيزم ومقاومة الحموضة وأمراض الجهاز العصبي والمضادات الحيوية الجديدة والزهايمر وغيرها.
وبالتالي تملك شركة "فايزر" حاليا الإمكانيات الضخمة وربما الأكبر في العالم في مجالات التصنيع والتوزيع والتسويق للقاحات، ولكن ليس بالضرورة للاكتشاف أو الاختراع، حيث إن من قام باكتشاف اللقاح أو تطوير التكنولوجيا الجديدة من أجل الوصول للقاح "كورونا" هي الشركة الألمانية الصغيرة "بيونتك"، التي أسسها زوجان من المهاجرين الأتراك الى ألمانيا، والتي بالكاد كانت معروفة قبل أزمة فيروس كورونا وما نتج عنه من السباق المحموم الذي حدث في العالم من أجل إيجاد لقاح فعال وآمن، ويصل الى الناس بشكل مستقر أو ثابت، وهذا هو المهم، أي أن يصل اللقاح الى المريض أو الشخص، ومن ثم يتم التطعيم، بحيث يكون فعالا وسليما ودون أضرار جانبية سلبية ملموسة.
ولكن ورغم التفاؤل والضجة وارتفاع أسهم شركات "فايزر" و"بيونتك" و"موديرنا" في الأسواق العالمية، وترقب دول كثيرة وتوقيع أخرى اتفاقيات للحصول على اللقاح، ورغم أن النتائج ظهرت من خلال المرحلة الثالثة التي تركز أكثر على فعالية اللقاح والتي من المفترض أنها تجري على عشرات الآلاف من المتطوعين في دول مختلفة، حيث من المفترض أنه قد تم اختبار سلامة وأمان اللقاح خلال المرحلة الأولى والثانية على المتطوعين كذلك، إلا أنه يجب التفاؤل بحذر، وعدم المبالغة في إمكانية ان يحقق اللقاح سواء من "فايزر" أو من قبل "موديرنا"، الضربة القاضية لفيروس كورونا كما يتنبأ أو يعتقد البعض، وبالأخص بعض السياسيين منهم.  
وسبب التفاؤل الحذر أو عدم المبالغة في التفاؤل، أنه ورغم أن دراسة المرحلة الثالثة تتم على الآلاف من الأشخاص، ألا أن نتائج عينة صغيرة مقارنة مع عينة صغيرة أخرى هي التي أظهرت حتى الآن، فعالية فوق الـ 90%، وبالرغم من ذلك فإن النتائج الإيجابية التي تم نشرها أو الحديث عنها، لم تشمل تفاصيل حول مستوى تعريف الفعالية، أي هل تمكن اللقاح من منع الإصابة بالفيروس أو عدم ظهور الأعراض أو ظهور أعراض خفيفة، ومن هي الفئات العمرية التي شملتها نتائج الدراسة، وماذا عن الفئات الأكثر خطورة للتعرض للفيروس، مثل كبار السن أو من يحملون الأمراض المزمنة أو ذوي المناعة المنخفضة وما الى ذلك من أسئلة كثيرة، والاهم أين هو دور الأجهزة الرقابية في متابعة الدراسة والاطلاع على نتائج الدراسة قبل النشر وغير ذلك من الأسئلة، التي ستظهر بوضوح مع مرور الوقت، وكذلك ماذا عن إنتاج اللقاح على نطاق واسع ونقله وتخزينه، والاهم ثباته خلال كل هذه العمليات، وبالتالي إظهار فعاليته في مناطق بعيدة يتم نقلها إليه.   
والخطورة في حالة هذه اللقاحات الواعدة، أنه نتيجة لهذا التفاؤل والأمل الواسع الذي ظهر بعد نشر النتائج، أصبحت محط وسائل الإعلام والأجهزة الطبية والصحية، وشركات التأمين والقطاعات المختلفة، وبالطبع الأجهزة الحكومية، والاهم كذلك محط اهتمام المستثمرين، أي رجال البورصة وأسواق المال، ونتيجة لذلك ارتفعت سهم الشركات الضالعة في الدراسات وبالتالي القيمة السوقية لها، لتصل الى مستويات لم تصلها من قبل، وللحفاظ على هذه الصورة، ولتواصل المنافسة مع شركات أخرى تقوم بتطوير لقاحات مختلفة، قد تعمل هذه الشركات على تسريع عملية الاكتشاف والتسجيل والتسويق بشكل غير علمي، وما يمكن أن يكون لذلك من أثار سلبية قصيرة وبعيدة المدى.
ولكن ومع التفاؤل الحذر والأمل بنجاح لقاح شركتي "فايزر" و"موديرنا" في الحد من خطورة وتفشي فيروس كورونا، الذي ارهق وما زال يرهق العالم بأجمعه، إلا أن الخطورة تكمن أو تنبع من الأجواء التي ترافق مراحل تطوير هذا اللقاح، حيث التوتر الشديد في العالم، والترقب، والتنافس غير المسبوق بين الشركات ومراكز الأبحاث في دول العالم المختلفة، من روسيا الى أوروبا الى الصين وأميركا وغيرها، وبالتالي تحول هذه المنافسة الى تنافس سياسي اقتصادي ثقافي أيديولوجي محموم، ودون إبداء الاهتمام بسلامة وحياة الناس والمرضى، حتى أن هذا السباق يمكن ان يتحول الى سباق حول من يعتبر نفسه الأقوى أو الأكثر قدرة على من يقوم بإيصال اللقاح أولا الى السوق، وهنا تكمن الخطورة، وبالأخص إذا تم إعطاء هذا اللقاح الى الناس وعلى نطاق واسع،  مع آثار سلبية غير متوقعة تظهر فيما بعد، أو في حال التحور السريع في الفيروس، حيث هناك فيروسات منذ عشرات السنين لم تنجح معها اللقاحات المختلفة، ومن أهمها فيروس نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" أو فيروس الإنفلونزا أو غيرهما، ويمكن في تلك الحالة توقع الآثار المدمرة على العالم في المجالات الصحية والاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك.