بايدن والملف الإيراني

حجم الخط

بقلم حافظ البرغوثي 

 

تتدفق التحليلات السياسية يومياً في المنطقة حول سياسة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، بعد الفوضى التي اتسمت بها سياسة الرئيس ترامب في اتخاذ القرارات. ويعرب بعض الإسرائيليين خاصة من اليمين عن مخاوفهم من سياسة بايدن المرتقبة، ليس لأنه سبق وكتب عنها بالتفصيل في مقال نشره قبل فترة، بل لأن ما نشره يضر بمستقبل بنيامين نتنياهو واستراتيجيته تجاه إيران والقضية الفلسطينية. ولعل تجارب الرؤساء الأمريكيين السابقة من الديمقراطيين، توضح أنهم أكثر حرصاً من الجمهوريين في الدفاع عن مصالح أمريكا وحلفائها، ولا يتوانون عن استخدام القوة العسكرية. بينما اتسم عهد ترامب بعدم استخدام القوة العسكرية، وإن كان البعض توقع توجيه ضربة لإيران بعد الانتخابات، لكنها ضربة واحدة هدفها إحداث فوضى في المنطقة يورثها لخلفه الديمقراطي، ولن تعرقل البرنامج النووي الإيراني. فالمعسكر الوسطي واليساري الإسرائيلي يرى في بايدن حليفاً أكثر وضوحاً من سلفه، فهو يؤكد التزامه بأمن إسرائيل منذ عقود والحفاظ على تفوقها العسكري النوعي. وخلال عضويته في مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي في الفترة 1973 – 2009، كان بايدن يُعدّ من المؤيدين لإسرائيل داخل الحزب. ومنذ وصوله إلى المجلس، حرص بشكل متكرر على زيارة تل أبيب من أجل الالتقاء بمسؤولين إسرائيليين للتعبير عن دفاعه الشرس عن إسرائيل، وكانت نقطة البدء بالنسبة له زيارته الأولى للقاء رئيسة الوزراء الإسرائيلية، جولدا مائير عقب انتخابه عضواً في مجلس الشيوخ عام 1973.

وكما حرص بايدن خلال مسيرته السياسية في مجلس الشيوخ التي توّجها برئاسته لجنة العلاقات الخارجية في المجلس في الفترة 2007 – 2009، على التشديد بشكل متكرّر على أهمية وجود إسرائيل في المنطقة العربية، من أجل حماية المصالح الأمريكية وحماية أمن اليهود في العالم، بوصفها وطناً قومياً آمناً ليهود العالم.

وعقب انتهاء مسيرته السياسية في مجلس الشيوخ، عمل بايدن نائباً للرئيس السابق، باراك أوباما وبدا أنه يسعى، خلال هذه الفترة، إلى إمساك العصا من منتصفها في تعامله مع إسرائيل. فمن جهةٍ، عُرف بايدن بانتقاداته الشديدة لإسرائيل، بسبب استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وإفشالها مساعي الإدارة الأمريكية في تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأهمها الانتقادات التي وجهها لنتنياهو، في إبريل/ نيسان 2016 أمام مجموعة «جي ستريت» الموالية لإسرائيل، بالإشارة إلى دور نتنياهو في تعطيل عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وقيادة إسرائيل في الطريق الخاطئ. ويرى محللون أن إدارة بايدن ستتبع السياسة الأمريكية التقليدية للجمهوريين والديمقراطيين، وهي مساعدات سخية لإسرائيل، مظلة سياسية لإسرائيل، حلف أمني عسكري واقتصادي معها. لكن بايدن سيطلب التزاماً من إسرائيل بحل الدولتين، وعدم الاعتراف بالمستوطنات. وكان ترامب أرسل عدة وسطاء في السابق للرئاسة الفلسطينية يطلب فيها لقاء وفدين أمريكي وفلسطيني، لبحث ما وصفوه بحزمة سياسية جديدة ترضيهم وتلبي بعض مطالبهم في القدس، لكن بنود صفقة القرن ردعت أي فلسطيني عن التفكير فيها. كما أن بايدن لن يعرقل عمليات التطبيع الجارية، بل سيعمل على دفعها.

الملف الساخن لبايدن هو الملف الإيراني، فهو يملك سياسة متدرجة تجاه إيران، لأن ملفها لا يتضمن الملف النووي فقط، بل يتضمن تدخلاتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ويعلم بايدن أن الرئيس الإيراني الحالي لا يملك قراراً، بل سينتظر إلى ما بعد الانتخابات الإيرانية في الصيف المقبل ثم يفتح الملف كاملاً، أي دعوة طهران للالتزام باتفاق نووي جديد دون مواربة، والكف عن التدخل في دول الجوار بالمطلق، وهذا سيوفر لها مخرجاً من أزماتها الداخلية والخارجية. وبالطبع يتناقض هذا مع سياسة نتنياهو التي ترمي إلى استخدام كل الوسائل والعقوبات، لتدمير المشروع النووي الإيراني، بينما اتفاق خمسة زائد واحد يؤجل المشروع ولا ينهيه. فالإدارة الأمريكية الجديدة مصممة على التوصل إلى اتفاقين مع طهران، الأول بالشأن النووي بمواصفات وشروط جديدة، والثاني بالشأن الإقليمي. وكشف موقع «واللا» الإسرائيلي أنه على الرغم من أن نتنياهو لا يرغب في اتخاذ موقف علني من المواجهة بين ترامب وبايدن حتى لا يخلق انطباعاً بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، إلا أنه أعرب في محادثات مغلقة عن أمله في فوز ترامب وقالت مصادر مقربة من نتنياهو، إنه كان قلقاً في الأيام الأخيرة من «موجة زرقاء» تمنح بايدن انتصاراً كبيراً على ترامب.