سأل ضيف أميركي ذات مرة محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، لماذا استثمر 450 مليون دولار في شراء لوحة ديفنشي وبضع مئات ملايين اخرى من الدولارات في شراء يخت كبير، في ظل أزمة اقتصادية، فأجابه الأمير بتواضع يتميز به: «لأنه توجد لديّ»، وأغلق الجدال.
السعودية، كما يبدو، هي صديقتنا الجديدة. ليس واضحاً في هذه المرحلة اذا كان نشر اللقاء بين نتنياهو والأمير كان بناء على رأي السعوديين أو لم يكن. فاللقاءات مع حكام السعودية كانت في الماضي. وطلب السعوديون من محادثيهم الإسرائيليين السرية وحصلوا عليها. أما نتنياهو فتصرف هذه المرة بشكل مختلف، لأسباب ترتبط أكثر بالقضايا الشخصية التي تلاحقه مما هي اعتبارات سياسية. ويتعين على الأمير السعودي أن يعتاد: رئيس وزراء إسرائيل هو صديق ساحر، ولكن السرية ليست الميزة التي يتحلى بها، فلا يوجد أصدقاء كاملو الأوصاف.
لعله من الخير أن تسرب أمر اللقاء، فلستُ واثقاً من أن اقوال غانتس عن «ضرر أمني استراتيجي» لحق زعماً بسبب النشر تصمد أمام الواقع، فاذا كانت المصالح المشتركة لإسرائيل والسعودية لا يمكنها أن تصمد امام تسريب اللقاء فلعله لم يكن مناسباً تطويرها منذ البداية.
كما أنه من الصعب التأثر بالبكاء حول إخفاء اللقاء. فرؤساء وزراء سابقون عقدوا لقاءات سرية من خلف ظهر الحكومة ومن خلف ظهر جهاز الأمن. عندما يعطي رئيس الوزراء الإذن لألمانيا ببناء غواصات متطورة لمصر دون ان يطلع وزير الدفاع ورئيس الأركان فهذا خطير؛ وعندما يخوض مفاوضات على صفقة شراء كبرى من خلف ظهر الجهات المختصة بذلك فهذا خطير؛ وعندما يكذب حول صفقة الطائرات للإمارات هذا خطير. ولكن.. لقاء ليلي في بلدة استجمام مع أمير سعودي؟ هل حقا؟!
اللقاء ينبغي أن نراه قبل كل شيء في السياق الأميركي، فالرئيس اوباما كان يمقت الاسرة المالكة السعودية. الثراء الاستعراضي، الفساد، التزمت الديني، تمويل الارهاب، المس الفظ بحقوق الانسان في السعودية، قتل المدنيين في اليمن وغيره وغيره. ويشرح اوباما في كتاب مذكراته الجديد «أرض موعودة» بأنه اضطر ليلجم انتقاده للسعودية ودول الخليج، لاعتبارات استراتيجية، أما المقت فكان بالمناسبة متبادلاً.
ويروي في الكتاب عن حديث أجراه مع عبدالله، الملك السابق، تحدثا عن مشاكل عائلية. روى الملك بأن له 12 زوجة (ويشير أوباما الى أن مصادر أخرى تقول إن له 30 زوجة). «كيف تتدبر معهن؟» سأل اوباما. «سيئ جداً»، أجاب السعودي. «كل الوقت تحسد إحداهن الأخرى. هذا أكثر تعقيداً من سياسة الشرق الأوسط».
كان انتخاب ترامب بشرى رائعة للمملكة. وإذا كان أوباما مقتاً، فترامب عشق. رحلته الكبرى الى الشرق الاوسط بدأها بالسعودية، رقص، انفعل، امتدح ومجد. وبشر من هناك بصفقة سلاح بمبلغ 110 مليارات دولار فوراً، ونقداً، و350 مليار دولار اخرى في السنوات العشر القادمة. لم تتحقق الصفقة، حتى الآن. ولكن مايك بومبيو، وزير خارجيته، استخدم قوانين الطوارئ كي يقر صفقة سلاح من 8 مليارات. وكان المراقب العام على وزارة الخارجية يوشك على نشر تقرير يدين الصفقة، اما ترامب فسارع الى إقالته.
في نهاية الاسبوع وصل بومبيو الى الشرق الاوسط، في زيارة استثنائية. وقرر بومبيو السير في اعقاب ترامب ورفض الاعتراف بنتائج الانتخابات. قال: «أعد للانتقال الى الادارة التالية، إدارة ترامب». وفي نظر وسائل الاعلام الأميركية أصبح نكتة بائسة، وكذا في نظر زعماء في العالم.
ووصل الى هنا في مهمة معاكسة: ليس مواصلة ادارة اوباما، بل تثبيت حقائق على الارض تكون صعبة على ادارة بايدن. كانت زيارته الى إسرائيل في أجواء نهاية الدورة: هبوط رمزي في هضبة الجولان؛ احتساء نبيذ «بومبيو» من انتاج مخمر في مستوطنة، ومن إسرائيل الى السعودية.
مع كل المتعة في صحبة بومبيو، فان نتنياهو وابن سلمان على حد سواء يعرفان بان ليس له ما يعرضه عليهما باستثناء حفلات الوداع. وسيتعين عليهما أن يتدبرا أمرهما مع بايدن ومع تعييناته الجديدة، كلهم مهنيون من عهد اوباما. نتنياهو والأمير، يتيما ترامب، سيتعين عليهما أن يجدا الطريق ليتدبر أحدهما مع الآخر.
عن «يديعوت»