بقلم: أحمد زقوت

الجرائِمُ الافِتراضيةُ تبدأُ بـ "ضغطةِ زرٍ"

أحمد زقوت
حجم الخط

رام الله - وكالة خبر

حتى السنُوات الأُولى من القرن الـ "21"، وقبل ظُهور مواقع التواصُلِ الاجتماعي بين الأفراد وظُهور الهواتفِ الذكيةِ، كانت الجرائمُ تُرتكبُ بعيدًا عن أعيُن المُجتمعِ والأغلبية، مع بث معلُوماتٍ مُحددةٍ عنها عبر وسائل الإعلام التقليدية "المقروءة، والمسمُوعة، والمرئية" ووفقًا لمعايير معينةٍ، لذلك كان من الصعبِ على فرقِ رجال الأمن أن تثبت ارتكاب الجاني لجريمتهِ، مما يطيلُ مُدة التحقيقِ حتى تكادُ تُصبحُ أن تَنَسى دُون أن يُعرف من مُرتكبِ الجريمةِ.

لكن انتشار الهواتفِ الذكيةِ، وظُهور منصات التواصُلِ الاجتماعي فتح طريقًا جديدة أمام المُجرمينَ، لإضافةِ بعض المهارات الأدائية لأفعالهم ومنحهم أداةً مهمةً لاستعراضِ ذاتهم، وأيضًا أثباتِ دليل جريمته، مما يساعد الجهاتِ المُختصة الوقت والجُهد الكبير في إثبات التُهم وفرضِ عُقوبةٍ على الجاني.

وبذلك قد تستبدلُ القاعدةُ القانونيةُ "المتهم بريءً حتى تثبُت إدانتُهُ" أي إثباتِ المُتهم البراءة قبل التصاق التُهم به، لـ " الجاني يُدينُ نفسه بتوثيقِ جريمتهِ عبر مواقع التواصُلِ"، لكن لماذا هذا التوثيق، لنقل أن هذه السُلُوكيات تهدفُ إلى جذبِ الانتباه، فلطالما كانت السوشيالُ ميديًا والأخبارُ المتداولةُ عليها جزء من حياة وصيت المشاهير، ولذلك يُفضلُ البعضُ أن "يكون مشهُورًا" سيئًا بدلًا من أن يكون مجهُولًا، ولقد أصبح الإجرامُ جُزءًا من عالمِ المعلومات والترفيه، وقد يكون الهدفُ من التصوير أحيانًا لإهانة الضحية بشكلٍ مضاعفٍ، أول مرةٍ من خلال الاعتداء الفعلي ثُم بالإذلالِ ومُشاركة الحادثة على العلن لإظهار قوته المطلقة، كما يعتقدُ.

ووفقًا لدراسةٍ جديدةٍ، يعتقدُ خُبراءُ أن التكنُولوجيا أصبحت جُزءًا من حياة المُجتمع العصري وأنشطته الاجتماعية وفعالياته اليومية، وبالتالي فإن جميع المُحتويات البصرية أصبحت مُتاحةً بجميع أنواعها وهذا لا يشملُ فقط المواد الإباحية، بل يشملُ أيضًا صورَ الاعتداءِ وفيديوهاتِ التعذيب والجرائم الأُخرى، ولا يمكن تحليلُ السلُوكِ الإجرامي واندفاع مُرتكبيه في مُنتصف الحادثة للوصول إلى هاتفهم لتصوير فعلتهم دون أن نعي أن الكاميرا لاعبًا رئيسيًا في حلقةِ العنفِ والإذلالِ الإنساني.

وإلى جانب ذلك، إن ثقافة "التقاط الصور بشكلٍ فوريٍ"، ومُشاركة صورة الطعام والحفلات وغيرها من الأحداث اليومية، يدفعُنا دوماً إلى توثيق الأحداث غير العادية والتي نشعُرُ بأنها جُزءًا من حياتنا ولا شك أن هذه الثقافة تنطبقُ أيضًا على الأنشطة الإجرامية كجُزءٍ من "التفاعُلِ الاجتماعي العادي"، وعلى الرغم من أن تأثير التحوُل الرقمي على علم الإجرام كان مُتوقعًا، إلا أن الأبحاث لا تُخبرُنا إلا قليلًا عن الأسباب والظُروف التي تُؤدي إلى تصوير هذه المُحتويات وتسويقها إلكترونيًا كجزءٍ من الثقافة السمعية والبصرية للمجتمع الافتراضي.

إذن المُجرمُونَ، يثبتُون إدانتهم بتوثيق هذه الجرائم بالفيديوهات أو الصور على السوشيال ميديا، من قبيلِ التفاخُر، لتكون أدلةً لا يستطيعُون نفيها أمام القانون، ما يُساعدُون مُهمةُ رجالِ الأمن في القبض عليهمُ، ويُسهلُ على رجال القانون في الشرطة أن تُثبت لوائحُ الاتهام ضدهُم، من خلال وُجود فيديوهاتٍ بالصوت والصورة، لا يستطيعُون إنكارها، بالفعل أصبحت السوشيال أدلةً ووسيلةً لتوثيقِ الجرائم وتحديد هوية المُتهمين في العديد من القضايا المُختلفة.

وللأسف تُعدُ هذه التصرُفاتُ من أصعب أنواع الجرائم، كونها عابرةً للحُدُود، فقد يرتكبُها أشخاصٌ خارج البلاد، لأن الصور والمواد المرئية تفهمُ بأكثر من لُغةٍ، الأمرُ الذي يُمثلُ عبئا وتحديًا جديدًا لأجهزةِ الأمن، فضلاً عن صُعوبة السيطرة عليها بشكلٍ كبيرٍ، فقد تسلل الإنترنت لمنازلنا البسيطة الهادئة في الأرياف، ودخل غُرف النوم للطالبات والفتيات، عبر "الموبايل"، ليبدأ الجُناة في اصطيادِ الضحايا بدءًا من "ضَغطِ زرٍ" إلى ارتكابِ الجرائم.

يُمكنُ أن يكون هذا درسًا مؤلمًا، خاصةً أن الإنترنت مُتوفرٌ بشكلٍ دائمٍ ومُحركاتِ البحثِ جاهزةٌ دائمًا لتوفير هذا المُحتوى، وبما أن جُمهور وسائل الإعلام أكبرُ فهو أكثرُ إغراءً لأولئك الذين يرتكبُون أعمالًا مُعاديةً للأعرافِ الاجتماعيةِ ويُفضلُون التباهي بها ليكونُوا مِحورَ انتباهِ العالم، كما يُمكنُ مُلاحظةُ هذا السلوك بوضُوحٍ من خلال ضحكاتِ المُجرمين في الفيديوهاتِ وإصرارهم على عرض تفاصيل جريمتهم بحُضُور أكبرِ عددٍ مُمكنٍ من متابعي ومستخدمي منصات التواصُلِ الاجتماعي.

تطوُرٌ سريع أصاب "الجريمة الافتراضية"، شأنُها شأنُ كل شيء يتطوَرُ، لدرجة أن مُرتكبي الجرائم استخدمُوا التِكنُولُوجيا الحديثة لصالحهم، فباتت تُرتكبُ بـ "ضغطة زر"، والمتابعُ لصفحات الحوادث، يكتشفُ أن "الجريمة الإلكترونية"، هي القائدةُ لمُعظم الحوادث، فقد اختفت الأدواتُ التقليديةُ من الجرائم، وباتت التكنولُوجيا هي المُسيطر على عقلِ وفكرِ الجُناةِ.

أخيرًا لا بُد لوسائلِ الإعلامِ ومُؤسساتِ المُجتمع المدني، نشر التوعية والتعريف بهذه الجرائم عن طريق شرحِها وتحليلهِا للناسِ وبيانِ وسائلِ وطُرُقِ الوقايةِ منها.