لا شك أنّ تفجير المخيمات في الضفة الغربية هدفٌ إسرائيلي مرصود مُنذ نشأتها بعد النكبة الفلسطينية عام 1948؛ باعتبارها "الشاهد الحي على اللجوء" ومخزن نضالي لا ينضب، وما يجري من "تهميش وفرض حلول أمنية" من جانب السلطة الفلسطينية في التعامل مع الأزمات المركبة والمعقدة، يستدعي الاحتكام إلى القانون وإيجاد صيغ سياسية وطنية؛ للحفاظ على النسيج المجتمعي داخل المخيمات التي تُمثل وتعكس الهوية الفلسطينية؛ للإبقاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين حية؛ وإفشال مخططات الاحتلال، كما يرى مراقبون.
مخيمات الضفة.. أوضاع معقدة
مدير عام المخيمات في دائرة شؤون اللاجئين الفلسطينيين، ياسر أبو كشك، رأى أنّ الوضع المأساوي داخل المخيمات يُحدث مشاكل وخلافات؛ نتيجة الفقر والبطالة؛ وبالتالي التعامل مع أسباب المشاكل يكمن في إيجاد حل للأسباب الحياتية الصعبة.
وأكّد أبو كشك في حديثٍ خاص بوكالة "خبر" على أنّ المخيمات مستهدفة من الاحتلال؛ لأنّها تُشكل حالة نضالية على مدار العمل الوطني؛ ولذلك يعمل على تحييدها وبالتالي هناك مؤامرة تستهدف الإنسان الفلسطيني بشكلٍ خاص وابن المخيم بشكلٍ عام؛ ما يتطلب التعامل معها بحكمة وروية.
ودعا إلى التعامل بحكمة وروية مع أحداث المخيمات؛ كونها تُمثل حالة نضالية وأكبر عدد من الشهداء والأسرى من المخيمات الفلسطينية؛ مُستدركًا: "كذلك معظم منتسبي المؤسسة الأمنية من أبناء المخيمات".
وشدّد على ضرورة التدخل لحقن الدماء؛ لافتاً إلى أنّه يتم تعقيد الأمور بتدخل أطراف متعددة في الواقع؛ وأنّ يد الاحتلال ليست بعيده عن الأحداث الراهنة.
وبيّن أنّ المطلوب هو التعامل بعقلانية وتفهم وإيجاد حلول لمشاكل الشباب والأوضاع الكارثية، مُشيراً إلى أنّ المشكلة الاقتصادية ليست داخل المخيمات ولكنّ أثرها الأكبر داخل المخيمات.
وبالحديث عن جهود دائرة شؤون اللاجئين لعلاج أزمة المخيمات، قال أبو كشك: "نُشارك في اللجنة المُشكلة من لجان المخيمات والتي تم تشكيلها بقرار من مجلس الوزراء وتُجري الآن حوارات كبيرة؛ لكنّ الوضع معقد وبحاجة لوقت أكبر وحلول جذرية تتعاطى مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي من أجل تخفيف حدة الاحتقان".
ولفت إلى أهمية إحداث تغيير في الواقع الاجتماعي داخل المخيمات، بتمويل احتياجات الفئات الفقيرة والشباب العاطل عن العمل، وتُبذل جهود كبيرة في هذا الشأن.
وتُشير سجلات دائرة الإحصاء الفلسطيني إلى أنّ عدد اللاجئين في الضفة الغربية بلغ 800,000 لاجئ فلسطيني يعيش جزء منهم في مخيمات الضفة الغربية البالغ عددها 19 مخيماً وفق الأونروا.
الاحتكام للقانون لوقف التصعيد المستمر
الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، رأى أنّ التصعيد المستمر يستدعي إيجاد حلول باتخاذ خطوات "جدية" وبالاحتكام إلى القانون والسماح بالرأي والرأي الآخر والتظاهر وحرية الرأي والتعبير، وعدم إقدام السلطة على تسويف القانون.
وأضاف حبيب في حديثٍ خاص بوكالة "خبر" أنّ "ضحايا الاشتباكات هم في العادة مواطنون أبرياء لا علاقة لهم في هذه الصراعات والتقاطعات والاحتقانات؛ خصوصاً في المناطق المزدحمة بالسكان".
كما أكّد على ضرورة إيجاد حل نهائي للأمر من خلال الاحتكام للقانون ومنع قوى الأمن من المبالغة في استخدام القوة في ملاحقة المتظاهرين والنشطاء؛ خصوصًا في ظل الأوضاع السياسية الراهنة التي يفترض أنّ يتوحد فيها كل صفوف الشعب والسلطات القائمة في مواجهة تحديات بالغة الخطورة على الوضع الفلسطيني، سواء لتأثيراتها الداخلية أو تأثيراتها على القضية الوطنية بشكل عام.
ومُنذ وقتٍ طويل تنشأ بعض الاشتباكات في الضفة الغربية المحتلة بين فرقاء مختلفين سواءً في إطار حركة فتح؛ أو بين الجمهور وقوى الأمن.
ومؤخرًا شهدت المخيمات اشتباكات؛ نتيجة لتطورات جائحة "كورونا" والإجراءات التي اتخذتها السلطة؛ وخاصة فيما يتعلق بالإغلاقات؛ وتردي الواقع الاقتصادي.
لا تستطيع دخول بعض المخيمات
من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بنابلس، عبد الستار قاسم، أنّ طريقة السلطة في التعامل مع أحداث المخيمات غير ناجحة؛ لأنّها لا تجرؤ على دخول بعض هذه المخيمات، لوجود الأسلحة بداخلها.
وقال قاسم في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنّه يجب أنّ لا يُسمح لأيّ شخص أنّ يُسئ لقضية اللاجئين"، مُردفاً: "السلطة ليست الأفضل؛ لأنّها تعتدي على الناس وتنتهك القوانين ولا تلتزم بالأمور الوطنية".
صيغة مجتمعية سياسية وطنية
الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، رأى أيضاً أنّ الملف في غاية الخطورة، لأنّه يُرسل رسالة "سيئة" للأطراف جميعًا؛ تُفيد بوجود من يسعى لتفجير الوضع الداخلي الفلسطيني؛ وبالتالي يُشكك في التمثيل وفي الشرعيات ويطرح بدائل ويُضعف السلطة أمام كل الأطراف؛ حتى أمام " طاولة المفاوضات.
وحذّر عوض خلال حديثه لـ"وكالة خبر" من التدخل الأمني مع المخيمات؛ لأنّه يُعمق الجرح والمسافات والفجوات؛ داعيًا في ذات الوقت إلى إيجاد "صيغة مجتمعية سياسية وطنية" بتدخل فصائلي يُنهي الحالة الراهنة.
وشدّد على أهمية إيجاد روافع حقيقية لحل مشكلات المخيمات التي قد تكون اجتماعية واقتصادية وبالإمكان حلها، مُضيفاً: "حتى المشكلات الأمنية يُمكن حلها بالتعامل مع كل مكونات المجتمع".
ونوّه إلى أنّ الأحداث الحالية في مخيمات الضفة مُعقدة جداً، خاصةً أنّ "إسرائيل" لها مصلحة في "تفجير المخيمات"، وكذلك أصحاب الجريمة العشوائية والمنفلتين، وأيضاً الخصوم السياسيين لهم مصلحة في ذلك.
وختم عوض حديثه، بالقول: "إنّ الازدحام والفقر والبطالة وغياب الحل السياسي وأزمة الحركة الوطنية أسباب الأحداث الراهنة، وبالتالي المخميات تدفع ثمن جميع الأزمات".