بقلم: الون بن دافيد
مرت ثلاثة أسابيع من انتفاضة السكاكين، وتبدو إسرائيل مشلولة اكثر من أي وقت مضى. يسير رئيس الوزراء شوطا بعيدا حتى النازية، ويجند هتلر للكفاح الصهيوني، الجيش الاسرائيلي بقيادة غادي آيزنكوت لا ينجح، والمخابرات تشرح ان ليس لديها حلول، والكل يبقي الساحة للمواطن ولرجل الامن الذي يوجد بالصدفة على أمل أن ينقذ الوضع، والا يطلق النار على من لا ينبغي له أن يطلق النار عليه.
من الصعب أن نسمي هذه انتفاضة، لأن الاغلبية الساحقة من الفلسطينيين – في «يهودا»، «السامرة»، غزة، القدس وفي اسرائيل ايضا – لا يشاركون في الاحداث، ولكن يكفي بضع عشرات من الطاعنين كي يضعضعوا أمننا جميعنا. فالذراع العسكرية لـ»فتح»، كتائب شهداء الاقصى، لا تزال تتردد في الانضمام الى الاحداث، ولكنها تبقى حاليا في الخارج. اذا انضموا، فستصبح هذه مواجهة مسلحة واسعة تستدعي من اسرائيل نزع سلاحهم.
تجربة اسرائيل في الانتفاضتين السابقتين ليست مشجعة: في 1987 وفي 2000 ايضا استغرقت اسرائيل خمس سنوات كي تعيد الشيطان العنيف الى القمقم. والآن، يتراكض عشرات الشياطين الشبان، المتحمسين تماما لاخذ سكين او سيارة والمس بالاسرائيليين، ولا يبدو أنهم يعتزمون العودة الى أي قمقم.
في الجيش يتباكون في أن شعبة الاستخبارات أعطت الإخطار لموجة «الارهاب» الحالية منذ نيسان. ولكن الإخطار صيغ هكذا: «يتعاظم الاحتمال لانفجار في الساحة الفلسطينية في ايلول». منذ خمس سنوات على التوالي وشعبة الاستخبارات تصدر إخطارا كهذا قبيل ايلول، موعد انعقاد الجمعية العمومية للامم المتحدة، خشية أن يعلن ابو مازن اقامة دولة ويشعل المنطقة. ولم يتوقعوا طبيعة معركة «الارهاب» الحالية، وبعد قدر كبير من هتافات «ذئب!» فقد اعتبروا كمن يغطي كل الامكانيات أكثر مما يحذرون بجدية من تغيير جذري في الوضع.
كما أنهم لم يتوقعوا الذروة المضادة في اعلان ابو مازن وآثارها. فبالذات انعدام اعلان ابو مازن والخطاب – والذي وان كان حازما الا انه عبر عن اليأس من احتمال العمل على أي خطوة – هما اللذان بثا بانه حان الوقت لتبني طريق آخر. لقد اعترف ابو مازن في خطابه بان طريقه، الطريق السياسي، شل. وفهم مئات الشبان هذا كدعوة لاخذ سكين وشق الطريق بأنفسهم.
ولنفترض انه خلافا لباقي اصحاب القرار أخذ رئيس الاركان بجدية إخطار شعبة الاستخبارات، فهل تحفز امام القيادة السياسية وقرع كل أجراس التحذير؟ هل أعد الجيش الاسرائيلي الوضع الجديد وعزز قواته كي يستقبل وجه الشر؟ لا، كان منشغلا في الصيف في المشادات على تقرير لوكر والحفاظ على تقاعداته وتقاعدات رجاله.
من اللحظة التي بدأ فيها انفجار العنف عزز الجيش الاسرائيلي «يهودا» و»السامرة» بـ 11 كتيبة نظامية، بعضها على حساب التدريبات، بعضها اخرجت من التأهيلات والدورات. فلا يمكن للجيش أن يحتفظ بهذه القوات النظامية هناك على مدى الزمن وسيضطر الى تجنيد الاحتياط بدلا منهم. وفي الايام القريبة القادمة سيبدأ رجال الاحتياط بتلقي الاوامر للعمل الميداني في «المناطق»، ابتداء من كانون الثاني. وكلفة كل خط تشغيل كهذا لكتيبة احتياط هي 70 مليون شيكل في السنة. وللدخول الى المنطقة لالفين من رجال الاحتياط سيكون ايضا رسوم تعليم أليمة لرجال الاحتياط، الذين يستغرقون وقتا كي يفهموا اين يتواجدون ويتكيفوا مع الواقع المحيط بهم.
ومثلما في الانتفاضة الاولى هذه المرة ايضا الجيل الفلسطيني الشاب هو الذي يقود الاحداث. يعترف اهاليهم بانهم لا ينجحون في السيطرة عليهم أو في ابقائهم في البيت واقل من هذا الاشراف على المضامين التي يطلعون عليها في الشبكة. الاهالي يتعاطفون مع الكفاح، ولكنهم يرون ايضا ثمن الخسارة. اما الشباب بالمقابل المفعمون بالكراهية العميقة لاسرائيل وللاسرائيليين، فيتوقون للمشاركة في تجربة العنف المجنون الذي يجتاح الشرق الاوسط.
المكعبات الاسمنتية التي نصبت في مداخل القرى في شرقي القدس اعطتنا الاحساس باننا فعلنا شيئا ما، ولكنها لن توقف الطاعنين حقا. في اقصى الاحوال ستدفع باقي اهالي القرية لشتمنا. كما أن حقيقة أننا دمرنا، هذا الاسبوع، بضعة حيطان داخلية في منزل «المخرب» لن تخلق الردع اللازم.
ان حكومة المعقبين عندنا ذهلت من نفسها بعد أن نصبت خمسين مترا من السور الاسمنتي في جبل المكبر. فكم طعنة سيتعين علينا أن نتلقى الى أن يمتد هذا السور من صور باهر في الجنوب حتى شعفاط في الشمال؟ المدينة التي لم تتحد ابدا تتوق لهذا الفصل، الذي يوجد بحكم الامر الواقع على الارض.
وكم يهوديا سيقتل الى أن تتجرأ اسرائيل على ان تبعد عائلات «المخربين»؟ فمهما فعلت اسرائيل أو لم تفعل – فإنها ستتهم باستخدام القوة المبالغ بها وغير المتوازنة. إذاً، تعالوا نقتاد امام الكاميرات بضع عائلات «مخربين» الى غزة، مع صورة ممزقة للقلب لطفل يبكي على الايدي، وعلى الاقل سنعرف ان هذه الصورة ستكون امام ناظر «المخرب» المحتمل التالي.
في الضفة بالذات يتصدر وزير الدفاع سياسة فصل واعية بين معظم السكان وبين «الارهابيين». 120 الف فلسطيني يواصلون العمل في اسرائيل وفي المستوطنات، ويخلقون دائرة من نحو 700 الف نسمة لهم مصلحة في مواصلة الحفاظ على مكان رزقهم. في العقد الاخير لم تكن أي عملية نفذها فلسطيني كان له تصريح عمل في اسرائيل. هذا العدد يجب أن يزاد، وجهاز الأمن يقول هذا بصوت واضح. ولكن هنا ايضا، وزراء البوست والتويتر يجدون صعوبة في اتخاذ القرار.
هل سنعتاد هذا الوضع الجديد؟ الجواب المؤسف هو نعم. هذه هي طبيعة الانسان، وما كان مثيرا للانفعال والخوف في المرة الاولى والثانية يصبح عادة روتينيا في المرة الخمسين والمئة. فهل قبل اسبوعين حصلت عملية الطعن مع جريح بجراح طفيفة صدى اعلاميا مشابها لذات الذي حصلت عليه عملية انتحارية مع عشرين قتيلا قبل عقد – اليوم نحن نبدأ بالنظر الى الظاهرة بتوازن.
هذا لا يعني ان علينا أن نوافق على أن نعيش تحت «الارهاب»، ولكن يجب أن نفهم ان التمجيد الذي يحصل عليه كل «مخرب» صغير مع سكين يشجع فقط «المخربين» التالين في الطابور. كما أن علينا ألا نقبل العنف الذي داخلنا، ولا يزال نحو مئة اسرائيلي يطعنون كل شهر على ايدي اسرائيليين آخرين بسبب جدال على موقف سيارة او نظرة الى فتاة. هذه الاحداث لم تجتز بعد حافة اهتمامنا. هذا فظيع، ولكن هذه هي الطبيعة الانسانية. ما يمر علينا ليس موجة «ارهاب»، هذا طوفان، وسيمر غير قليل من الوقت الى أن يبدأ مستوى هذا العنف بالهبوط.
عن «معاريف»
إسرائيل في مواجهة الغرب
18 أكتوبر 2024