من المرجح استهداف الدبلوماسيين والجواسيس الأمريكيين بواسطة طاقة التردد اللاسلكي

حجم الخط

فورين بوليسي – بقلم إيمي ماكينون و روبي جرامر

تطابق الأعراض مع تأثير الترددات اللاسلكية الموجهة

إن التقرير الصادر عن اللجنة المكونة من أعضاء الأكاديميات الوطنية الأمريكية للعلوم والهندسة والطب أنه «بعد دراسة المعلومات التي توفرت للجنة وباستخدام مجموعة من الآليات الممكنة، رأت اللجنة أن عديدًا من العلامات والأعراض والملاحظات المميزة والخطيرة، التي أبلغ عنها المنتسبون إلى وزارة الخارجية الأمريكية، متوافقة مع تأثيرات طاقة الترددات اللاسلكية الموجَّهة»، وأضاف التقرير أن الأمر يحتاج إلى إجراء مزيد من الدراسات.

إن الدراسة الحكومية السرية، التي زُود الكونجرس بما فيها من معلومات بعد أربعة أشهر من الإبقاء عليها طي الكتمان، وحصلت مجلة «فورين بوليسي» على نسخة منها، تُقدم التفسير الأكثر شمولًا حتى الآن، بشأن أسباب الأزمات الصحية الغامضة التي أصيب بها الدبلوماسيون الأمريكيون ومسؤولو الاستخبارات الأمريكية. لكن الحكومة الأمريكية لم تكشف للرأي العام الأمريكي سبب هذه الاعتداءات المحتملة بحق ممثليها، أو حتى ما إذا كانت قد توصلت إلى المكان الذي صدرت منه هذه الترددات اللاسلكية.

إصابات الدبلوماسيين الأمريكيين: شبهات حول تورط الكرملين

لطالما كان المسؤولون الأمريكيون يشكون في أن الحكومة الروسية هي التي تقف وراء هذه الاعتداءات على ممثلي الولايات المتحدة في الخارج، وهو ما تسبب في توتر العلاقات الأمريكية مع كل من هافانا (عاصمة كوبا) وبكين، لكنهم لا يمتلكون أي معلومات استخباراتية جازمة تُثبت تورط الكرملين. وبدورها، نفت حكومتا روسيا وكوبا معرفتهما بهذا الأمر، أو تورطهما في الاعتداءات المزعومة.

إن التقرير المكون من 66 صفحة لا يحاول التوصل إلى إجابة بشأن من المتسبب في هذه الإصابات بالأعراض، إذا كان هذا هو السبب الحقيقي وراء الأزمات الصحية التي أصابت الدبلوماسيين، أو الطرق التي وُجِّهَت بها تلك الترددات اللاسلكية لاستهداف الدبلوماسيين الأمريكيين. لكن مؤلفي الدراسة أشاروا إلى أن النتائج التي توصلوا إليها تمثل مشكلة شائكة بالنسبة للحكومة الأمريكية، إذ إنها تُشكك في قدرتها على حماية موظفيها من الاعتداءات المماثلة المحتملة في المستقبل.

جهات شيطانية

وفي هذا الصدد، كتب ديفيد ريلمان، أستاذ الطب في جامعة ستانفورد وعالم الأحياء الدقيقة ورئيس اللجنة التي أجرت الدراسة، في مطلع التقرير، الذي كانت لشبكة «إن بي سي نيوز» الأمريكية السبق في نشره لأول مرة، قائلًا: «إن مجرد التفكير في مثل هذا السيناريو أثار قلقنا البالغ إزاء هذا العالم الذي تعيش فيه جهات خبيثة لا تتورع عن استخدام وسائل حديثة لإلحاق الأذى بالآخرين».

إن بداية الأمر كانت في عام 2016، عندما بدأ المسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية، ووكالة المخابرات المركزية، الذين يعملون في كوبا والصين، يبلغون عن إصابتهم بأمراض غامضة، من بينها صداع حاد ودوخة ودوار وفقدان للذاكرة. وفي حين تعهد كبار المسؤولين في إدارة ترامب باستجلاء السبب وراء ذلك، والكشف عن الجناة المتورطين، أصابت هذه المسألة كبار المحققين والعلماء في كل قطاعات الحكومة الأمريكية بالحيرة؛ إذ أصيب بهذه المجموعة من الأعراض، التي أُطلق عليها اسم «متلازمة هافانا»، عشرات من المسؤولين الأمريكيين على أقل تقدير.

استجابة أمريكية دون المستوى

ومنذ بداية ظهور أعراض الأزمات الصحية لأول مرة في عام 2016، أعرب المصابون بهذه الأعراض – من مسؤولي وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية – عن غضبهم وشعورهم بالإحباط من طريقة استجابة الولايات المتحدة للمسألة، وقالوا: إنهم لم يتلقوا الرعاية الطبية الكافية، ولم يحصلوا على أي تفاصيل عن سير التحقيقات التي تجريها الحكومة الأمريكية. وكان ريلمان قد أخبر مجلة «فورين بوليسي»، في وقت سابق، «إنه يشعر بالإحباط من رفض الحكومة نشر تقرير اللجنة».

وفيما يتعلق باستجابة الحكومة الأمريكية، اقتبس الكاتبان بعضًا مما قالته السيناتور الديمقراطي جين شاهين في بيانها الذي أصدرته يوم السبت: «بينما يُشجعني التقدم الذي أحرزناه ونشاهده، ينبغي لنا اتخاذ المزيد من التدابير للكشف عن المتسبب في هذه الحوادث، وضمان عدم تعرض أي موظف حكومي آخر لهذا النوع من المعاناة». وكانت جين قد أدرجت بندًا في مشروع قانون التفويض الدفاعي الجديد لتوفير مزايا طويلة المدى للرعاية الطارئة لموظفي الحكومة المتأثرين بـ «متلازمة هافانا».

وجاهة الأسباب المحتملة

وان وزارة الخارجية الأمريكية هي التي كلَّفت بإجراء هذه الدراسة، التي عمل عليها أخصائيون بارزون في الأمراض العصبية، وخبراء في مجال الهندسة الكهربائية، وخبراء في علوم السموم والأوبئة، للنظر في أربعة تفسيرات محتملة للأعراض التي يُعاني منها المسؤولون الأمريكيون.

وشملت الأسباب المحتملة لهذه الأعراض تعرض المصابين إما لطاقة التردد اللاسلكي الموجهة، أو للمبيدات الحشرية، أو إصابتهم بأمراض معدية، بالإضافة إلى تأثير العوامل النفسية الأخرى.

في نهاية المطاف، خلُصت الدراسة إلى أن الأعراض التي عانى منها المسؤولون الأمريكيون في عدد من البلدان والمواقع كانت «متوافقة مع تأثيرات طاقة الترددات اللاسلكية الموجَّهة». ولم يستبعد التقرير احتمالية أن تكون بعض الاختلافات في الأعراض التي عانى منها المسؤولون قد تكون لها أسباب أخرى «بما في ذلك تأثير العوامل النفسية والاجتماعية».

التصريحات الرسمية

وعلى صعيد الدبلوماسية الأمريكية، صرَّح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية قائلًا: «إن الوزارة يسعدها نشر التقرير، وإنها ما زالت تعمل لتحديد ما حدث لموظفينا وعائلاتهم». وأشار إلى أن «التحقيق في هذه الحوادث مستمر، وأن كل الأسباب المحتملة ما زالت تكهنات. وتشير الدراسة، من بين عدد من الاستنتاجات التي توصلت إليها، إلى أن مجموعة العلامات والأعراض تتوافق مع تأثير طاقة الترددات اللاسلكية النبضية. وبمقدورنا ملاحظة أن كلمة (تتوافق مع) مصطلح فني يستخدم في مجال الطب والعلوم يشير إلى معقولية السبب لكنه لا يُحدده».

وقال المتحدث الرسمي لم يرد ردًّا مباشرًا على التساؤلات المطروحة بشأن إبقاء نتائج الدراسة طي الكتمان حتى هذه المرحلة، كما أنه لم يُجب على الاستفسارات بشأن ما إذا كانت تحقيقات الحكومة في هذه الأزمات الصحية قد أحرزت أي تقدم خلال الأشهر الأخيرة.

تلميح بالاتهام ونفي

ذكرت كلٌّ  من صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية ومجلة «جي كيو» في أكتوبر (تشرين الأول) أن المسؤولين الأمريكيين يشكون في أن هذه الأعراض الصحية كانت جزءًا من هجوم منسق شنه أحد خصوم الولايات المتحدة.

وقالت «جي كيو»: صحيحٌ أن وكالة المخابرات المركزية لم تُصرِّح بأن الكرملين هو منفذ الهجمات، لكن التحقيقات التي أجرتها الوكالة باستخدام بيانات موقع الهاتف المحمول، وجدت أن بعض الأفراد المرتبطين بأجهزة الأمن الروسية كانوا بالقرب من المسؤولين الأمريكيين قبل أن يبدأوا في ملاحظة ظهور الأعراض عليهم.

وفي وقت سابق، نفت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، تورط روسيا في أيٍّ من هذه الحوادث، واصفة أي إشارة تُلمح إلى ذلك بأنها «سخيفة وغريبة تمامًا».