جدعون ساعر هو سياسي مهني. فهو يعرف الساحة السياسية من الداخل، من الأفراح العائلية لرفاق بعيدين في مركز الحزب وحتى نقاط ضعف في شخصية الأعضاء المظلومين في الكنيست. يعرف كيف يرتبط بالخصوم السياسيين وان يسحر الصحافيين، يتحكم بالأحرف الصغيرة لكل نظام ويعرف كل ثغرة في كل قانون سياسي. في ضوء مظاهر الهواية التي اغدقها علينا «ازرق ابيض» في سنتي وجوده توجد نعمة في عودة مهني الى الساحة. فالسياسة، وما العمل، ليست نزهة تلي الخدمة العسكرية – بل مهنة.
يمكن ان نقول فنضيف في صالح ساعر انه يفهم ما لم يفهمه غانتس في الماضي ويصعب على بينيت فهمه اليوم: عندما يستعبد جدول الأعمال السياسي لمسألة واحدة – نعم بيبي، لا بيبي – لا مفر من إعطاء الناخبين جواباً واضحاً، قاطعاً، ملزماً. من يقترح نصف شاي نصف قهوة لا يمكنه أن يتخذ صورة البديل.
يدعي ساعر انه يعرض على الناخبين يميناً نقياً، صافياً، قيمياً، بخلاف اليمين السمين، الكريه، المتهكم لليكود اليوم. معظم الاحزاب تكون نقية في يوم ولادتها – وافترض ان هذا ما سيكون عليه ايضا وضع حزب ساعر. ولكن المسألة مفتوحة، ماذا يقول اليوم لقب اليمين للاسرائيليين، وكم يهم النقاء الناخبين الذين يعرفون أنفسهم هكذا. اليمين هو علامة تجارية: في عالم العلامات التجارية الذي يعيش فيه الاسرائيليون اليوم اصبحت العلامة التجارية اليوم معيارا. وهي عظيمة القوة مثل الكوكا كولا.
وبالفعل، فان البحوث التي فحصت مشروبات كولا في الولايات المتحدة تشرح شيئا ما عن قوة اليمين في اسرائيل. فقد وضع الباحثون امام المشاركين في البحث كأسي شراب، واحدة كوكا كولا والاخرى بيبسي. طعم أي من المشروب تفضل، سألوه. عندما أخفوا أسماء العلامات التجارية، اختار المشاركون في البحث البيبسي؛ وعندما كشفوا لهم اسمي العلامتين التجاريتين اختار معظمهم كوكا كولا. العلامة التجارية كانت اقوى من الطعم.
فهل ما يعرف اليمين هو الموقف من وحدة البلاد؟ نعم، ولكن حتى اليوم أخلى اليمين أراضيَ أكثر مما أخلى اليسار؛ هل الموقف من رؤيا الدولتين؟ نعم، ولكن حسب هذا فان نتنياهو في اليسار وفي اليمين في نفس الوقت؛ هل الموقف من حقوق الإنسان في المناطق، التأييد لاليئور ازاريا مثلا؟ نعم. ولكن حسب هذا فان نتنياهو وليبرمان في اليمين، يعلون وآيزنكوت في اليسار؛ هل الموقف من العالم العربي والإسلامي؟ نعم، ولكن حسب هذا، فان الغالبية الساحقة من بيتار يروشلايم في اليسار، ناهيك عن نتنياهو. هل الكراهية لجهاز القضاء؟ نعم، ولكن حسب هذا يجب ان يزال عن الجدران في المتسودا (مقر الليكود) صور بيغن وجابوتنسكي.
وهلمجرا وهلمجرا.. اذا لم ندخل الى التحليلات النفسية، فان الجواب هو نتنياهو: من يؤيده هو اليمين، وكل من تبقى هو اليسار. نتنياهو نجح في ان يوحد العلامتين التجاريتين – اليمين هو هو. وقد وصل الى نجاح مبهر آخر – تحويل العلامة التجارية اليسار الى غير شرعية، الى نقمة. الكتلة التي بناها مع الأصوليين تحمل بفخار لقب اليمين ولكن ما يوحدها هو خطاب واحد- أسلوب سياسي واحد وليس مذهباً فكرياً.
حزب ساعر سيقوم مع الوجه الى اليمين: اختباره، وفقاً لرجاله أيضا، هو عدد المقاعد التي سينقلها من كتلة بيبي الى كتلة لا بيبي. خمسة – ستة مقاعد يمكنها أن تصنع الفرق، وتسمح بإقامة حكومة 61 بدون نتنياهو.
لست واثقاً ان لهذا الأمل يوجد أساس في الواقع. ولكن كانت تكفي جملة استطلاعات تثني على حزب لم يتأسس بعد كي تجعل نتنياهو يفكر من جديد اذا كان سيسير الى انتخابات الآن أم يؤجلها الى موعد غير معروف، على أمل ان يتبدد حزب ساعر مع الوقت.
لو كان نتنياهو مبنيا على المغامرات لكنت طرحت عليه ان يعرض على غانتس الصيغة التالية: في الأول من كانون الثاني 2021 يعين غانتس رئيسا للوزراء لخمسة اشهر. نتنياهو يتولى منصب رئيس الوزراء البديل ووزير الخارجية، فيستقبل رؤساء الدول الأجنبية، يطير الى اللقاءات في العالم، يقول كلمته في جلسات الكابينت وجلسات لجنة الكورونا، يساعد في إجازة ميزانية 2021. بعد خمسة اشهر يعيد غانتس التفويض، بلا أحابيل وبلا ألاعيب. الكل تقريباً يكسب: غانتس، الذي ينال رفع المستوى المنشود، الليكود الذي يثبت مسؤولية وطنية، الجمهور الذي لا يريد جولة انتخابات أخرى، النواب. خمسة اشهر ستمر كرمشة عين. في بلفور يبقى كل شيء على ما هو. في نهاية الزمن يكون بوسع نتنياهو أن يختار: الرئاسة مع الحصانة او رئاسة الوزراء في اجماع وطني. وفقط ساعر سيختفي.
عن «معاريف»
خيارات نتنياهو لمواصلة الحروب العدوانية
23 ديسمبر 2024