فجأة، لم يعد العرب "عبوات ناسفة": هُويتنا في خطر!

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 


شيئاً فشيئاً، يسود شعور بعدم الارتياح والقلق، ليس بسبب فيروس كورونا، لأن اللقاح وصل إلى هنا، وبعد وقت قليل سنكون كلنا أصحاء وسعداء. المدارس مملوءة بالطلاب، والأغاني الوطنية تصدح من مكبرات الصوت، وفي عيد البورييم سنعود مرة أُخرى إلى الكمامات القديمة، ونستعد كالعادة للانتخابات. المشكلة هي كل هذه الدول العربية التي تطرق بابنا طالبة صداقتنا، كأننا قادرون على أن نزودهم بالبلسم والعلاج لمشكلاتهم السياسية والعسكرية. الأردن، ومصر، والسودان، والمغرب، والإمارات والبحرين؛ ومَن يعلم من سيدق بابنا غداً، عُمان؟ السعودية؟ ربما أندونيسيا أو باكستان؟
ست دول من مجموع 22 دولة عربية ليست حقاً الغالبية، لكن لم يعد في الإمكان الادعاء بعد الآن أن إسرائيل دولة صغيرة محاطة بالأعداء. بقينا مع تهديدات لبنان، وسورية، وإيران، بينهم إيران فقط تُعتبر عدواً وجودياً. دولة تخسر بهذه الطريقة أعداءها هي دولة هويتها في خطر. العلامات الأولى للانهيار تظهر في التوجيهات والتوصيات التي تعطى إلى الإسرائيليين الذين يذهبون لقضاء الأعياد في دبي والمغرب أو البحرين. كونوا مهذبين، احترموا الثقافة المحلية، تعلموا القواعد. فجأة لم يعد العرب عبوة ناسفة تنتظر لتنفجر أمام وجوهنا، بل أصحاب ثقافة وبشر. مَن كان يصدق؟
صحيح أن لدينا مع المغاربة تاريخا وثقافة مشتركة. لكن المفاجأة الكبرى كانت الجماعة في دبي الذين كانوا فعلاً رائعين، يا له من استقبال ويا له من حسن ضيافة، تماماً كعائلة، وهم يتحدثون الإنكليزية. فجأة يجب التمييز بين العرب والفلسطينيين. هؤلاء أصدقاء حميمون وأولئك «مخربون». فريق كرة القدم بيتار القدس والرمز الوطني للعنصرية اليهودية، بعناه باسم السلام، لم يبق مكان شاغر في «زووم» في مؤتمرات رجال الأعمال المشتركة؛ ومن أجل شراء مرفأ حيفا تتنافس شركات من الإمارات، ومن تركيا، وبعد وقت قليل نبدأ برحلة إلى مصر للتنزه، ومن هناك نتجه نحو السودان، ونقطع من هناك إلى أثيوبيا، ومن هناك إلى تنزانيا.
أين اختفت البارانويا الإسرائيلية، تحديداً بينما الدولة ترزح تحت خطر داخلي خطير للغاية؟ الهوية الإسرائيلية التي بُنيت على أسس الحصار والحرب الدائمة ستكون مضطرة إلى أن تجد لها أصناماً جديدة. السياسة الإسرائيلية التي تمجد رؤساء الأركان وتجعلهم قادة لنا، يمكن أن تجد نفسها دون ذخيرة. عندما يكون السلام مع الدول العربية ليس حلماً يسارياً واهماً بل هو تحفة سياسية من صنع زعيم الجناح اليميني، تتطلب التهديدات الاستراتيجية مراجعة جديدة وثورة في الوعي. لكن من الصعب تحطيم جدار الفصل الذي أعطى الإسرائيليين الإحساس بأنهم يعيشون داخل القفص المحكم الذي نمت فيه القومية اليهودية والوطنية والتضامن الأمني. في الواقع، الخوف على سلامة الدولة اليهودية بدأنا نسمعه من زوايا متعددة. يتحدثون عن أنه بعد شراء فريق بيتار القدس ستبدأ حملة شراء عربية للعقارات في الأحياء الفخمة في تل أبيب وفي القدس، وعن استثمارات في الصناعات الاستراتيجية، سيجلس في مجالس إدارتها لابسو العباءات البيضاء والكوفيات، وعن إقامة مصانع سيعمل فيها العرب فقط، وعن مغنيات ومغنين إسرائيليين سيلائمون أعمالهم وفق ذوق المنطقة، ويمكن أن تشتري أعمالهم أيضاً شركات إنتاج عربية. مواطنون مغاربة سيُغرقون سوق العمل، وسيكف السودانيون عن أن ينقلوا إلينا مرض السرطان، وسيتحولون إلى سياح شرعيين، وفي الأساس وزارة التربية ستطلب إعداد برامج تعليم جديدة تفرض على الطلاب اليهود تعلم مبادئ الإسلام، واللغة العربية ستصبح إلزامية لإيجاد أماكن عمل للجيل الشاب.
لحسن الحظ بقي لنا الفلسطينيون في «المناطق» والفلسطينيون الإسرائيليون. لكن لا تعتمدوا عليهم طويلاً. فهم في النهاية عرب، والموضة العربية هي صنع السلام مع إسرائيل. يا له من خوف.

عن «هآرتس»