حول إدارة بايدن والقضية الفلسطينية

حجم الخط

بقلم الدكتور فايز الطراونة * 

 

أدخلت إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب المنتهية ولايته منطقة الشرق الاوسط (أو الاصح الشرق الادنى) في متاهات متعددة ومتشعبة ليس من السهل الخروج منها في الاجلين القصير والمتوسط.

وأكبر متاهة على الاطلاق هي قضيتنا المركزية في فلسطين، التي قزمها ترامب من صفقة القرن الى (صفعة الوجه) ثم أراد اقناع العالم بأن عبقرية «العيل» كوشنر ستحقق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.. وهو بعيد المنال بما ذهبت به الادارة الاميركية.

وماذا نتوقع من ادارة الرئيس المنتخب جو بادين بالنسبة للقضية الفلسطينية والحل السياسي.

1 – اعادة مكتب منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الوطنية، في واشنطن، واعادة المساعدات المالية الاميركية للسلطة.

2 – اعادة مساهمة الولايات المتحدة الاميركية في الاونروا لاستئناف نشاطاتها التربوية والصحية والانسانية للاجئين الفلسطينيين في فلسطين والاردن وسوريا ولبنان.

3 – ستبقى السفارة الاميركية في القدس الغربية وسيعاد فتح القنصلية الاميركية في القدس الشرقية (وهذا لا يتناقض مع المبادرة العربية التي تعترف بالقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين فلا ضير من أن تكون القدس الغربية خلف خطوط الرابع من حزيران 1967 عاصمة لاسرائيل دون الاعتراف بالقدس الكبرى الموحدة).

4 – لن تشرعن المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية ولا ضم الجولان السوري المحتل.

5 – ستبقي على التفوق النوعي العسكري وعلى المساعدات المالية لاسرائيل بالرغم من ارتفاع دخل الفرد في اسرائيل الى مستويات الدول المتقدمة الغنية.. فهذا الامر من المسلمات في الولايات المتحدة الاميركية.

6 – ستحاول الولايات المتحدة الاميركية اعادة الفلسطينيين والاسرائيليين الى طاولة المفاوضات لاستئناف العملية السياسية. وهنا أعتقد أن واشنطن لن تضع ثقلها ووقتها في هذا الامر كما فعلت ادارة اوباما حيث فرّغت وزير خارجيتها جون كيري (المكلف الان بملف المناخ) لهذا الموضوع قبل تفرغه للمحادثات النووية (5+1 مع ايران)، ذلك لأن ادارة بادين سترث مشكلات مستعصية في مناطق اكثر حساسية لها من فلسطين وتفوقها اولوية كالعلاقات مع روسيا والصين وايران وتركيا وكوريا الشمالية وبعض الدول الاوروبية والمناخ والحرب التجارية والعلاقات متعددة الاطراف مع جيرانها، اضافة الى وباء الكورونا والامن السيبراني حيث تم اختراق اكثر من 30 وزارة ومؤسسة اميركية. أتوقع أن تلجأ الولايات المتحدة الى الرباعية الدولية المؤلفة من الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الاتحادية والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة في محاولة لاستئناف التفاوض، ليس على اساس صفقة القرن ولكن على اساس الشرعية الدولية (والمبادرة العربية جزء منها).

7 – ليس من الواضح كيف ستكون علاقة الولايات المتحدة الاميركية مع قوات سورية الديمقراطية، او الاكراد بشكل عام، او الوجود الاميركي شرق الفرات وقواعدها هناك. الا أنني أتوقع أنه سيبقى هنالك وجود اميركي في سورية لمواجهة القوات الروسية والايرانية، وأحياناً التركية، ذلك لان الذي يقرر هذا الامر هو الدولة العميقة وليست الإدارات المتعاقبة، حيث لم يتمكن ترامب بكل ديكتاتوريته من سحب القوات الاميركية من سورية، واستمرار هذه المواجهة سيقلل من فرصة التركيز على المسألة الفلسطينية.

8 – لن تعود اميركا الى الاتفاق النووي مع ايران كما كان قبل سنوات وستحاول اضافة بند يحد من ترسانة الصواريخ العابرة للقارات التي تحمل رؤوساً نووية مقابل تخفيف العقوبات بشكل تدريجي، وهذا قد يخفف من الاحتقان في المنطقة ولكن ستبقى التدخلات الايرانية في شؤون دول المنطقة (سوريا، لبنان، العراق، فلسطين، اليمن) كما هي مما سيبقي تأثير ايران على حماس والجهاد الاسلامي قائماً وبالتالي يحول ذلك دون تحقيق فرص الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويضع اسرائيل في حالة الشك والريب.

اميركا لن تدخل في صراع عسكري مع ايران اثناء ادارة بايدن وستضغط على اسرائيل لردعها عن ذلك (الا اذا افتعلت ادارة ترامب حرباً او ضربة عسكرية، على ايران فيما تبقى لها من أيام).

لذا لا أعتقد أننا سنشهد تغييراً حقيقياً في الجانب السياسي لعملية السلام لان اميركا ستنشغل بعمليات تنظيفية لمخلفات ادارة ترامب الكارثية، ولان الرباعية الدولية – كبديل – لن تعطي نتيجة تذكر لان اسرائيل لا تريد التعامل معها لحساسيتها من الموقف الاوروبي – الذي هو غير متجانس- ومن موقف الامم المتحدة.

كما أن اسرائيل لا تريد الحل في ظل الظروف العالمية والاقليمية، وخاصة التشتت العربي، ولا تشعر بضرورة تقديم أي تنازلات للفلسطينيين مقابل السلام، فهي ستبقى تخلق التوترات مع ايران مما سيلقي بظلاله على الحل السياسي للقضية.

واذا لم تربط الولايات المتحدة الاميركية العقوبات على ايران بالتدخل الايراني في المنطقة (وقبلت إيران بذلك) فستبقى التوترات قائمة وسيقبع الحل السياسي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي في ادنى سلم الاولويات للادارة الجديدة في واشنطن.

اما تركيا فهي القوة الاقليمية الثالثة في منطقتنا، وهي كمثيلتيها ايران واسرائيل محترفة بخلق التوترات، الا انها تحصر تدخلها في شرق المتوسط وليبيا واذربيجان وبعض المناطق في سورية.

وعمليات التطبيع مع اسرائيل افادت بعض الدول العربية المطبعة قطرياً كالتهديدات الايرانية على البحرين والعقوبات الاميركية على السودان، والصحراء الغربية للمغرب الخ. ولكنها في الوقت نفسه ستقلل من احتمالية تقديم تنازلات اسرائيلية للفلسطينيين طالما أنها تحقق سلاماً على النطاق الغربي الاوسع غير مشروط بالسلام العادل مع الفلسطينيين، كما نصت المبادرة العربية… الا اللهم ربط الامارات المتحدة عملية التطبيع بوقف ضم اراضي غور الاردن الفلسطيني لاسرائيل.

فإذا تحققت هذه التوقعات فعلينا ان لا نتوقع الكثير من ادارة الرئيس المنتخب بايدن فيما يتعلق بالحل العادل للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة، الا بعد التحسينات على الوضع الانساني في الاراضي المحتلة.

*رئيس الوزراء الاردني الأسبق .