استهل مجلس الوزراء جلسته الأسبوعية التي عقدها اليوم الثلاثاء في مدينة رام الله برئاسة الدكتور رامي الحمدالله رئيس الوزراء، بالوقوف دقيقة صمت وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء، شهداء الهبة الشعبية الذين بلغ عددهم أكثر من ستين شهيداً منذ مطلع هذا الشهر، والذين رووا تراب فلسطين بدمهم الطاهر، مؤكداً أن دماء شهدائنا لن تذهب هدراً، وأن القيادة الفلسطينية وعلى رأسها سيادة الرئيس لن تقبل بأي حل لا يرتقي لمستوى دماء الشهداء والتضحيات الجسام التي قدمها شعبنا في كافة المراحل النضالية، منذ وقوع فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي الغاشم الذي ينهب الأرض بالاستيطان، ويعتدي على القدس والمقدسات، ويصادر الحقوق والحريات، ويعمل على تزوير التاريخ والتراث الوطني والديني والثقافي في فلسطين، ويرتكب أبشع الجرائم بحق أبناء شعبنا الفلسطيني.
وأشار المجلس أن على المجتمع الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة اتخاذ قرارات حاسمة بوضع الهدف الواضح والأسس المرجعية لأي مفاوضات، ووضع الجدول الزمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا، وإزالة الاستيطان، وحل قضايا الوضع النهائي وعلى رأسها قضية اللاجئين استناداً إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، والإفراج عن الأسرى والتعامل معهم كأسرى حرب على أساس القانون الدولي والاتفاقيات الدولية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
وأضاف المجلس إن الاحتلال الإسرائيلي القائم على الغرور وغطرسة القوة، الجاثم على أرضنا منذ ثمانية وأربعين عاماً هو جذر الصراع، وأن الاستيطان والمستوطنين هما مصدر الإرهاب، وأن الحكومة الإسرائيلية تقوم على أساس التطرف والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، وتبني سياساتها على التضليل والخداع والافتراءات التي حدت برئيس الحكومة الإسرائيلية إلى حد تزوير تاريخ اليهود الذي أثبتته المحاكم الدولية والسجلات التاريخية، ليبرر الجرائم التي يرتكبها ويحرض على المزيد من الجرائم بحق شعبنا، ويتخذ القرارات العنصرية الخطيرة، ويعمل جاهداً على تفجير الأوضاع في كافة الأراضي الفلسطينية من خلال سياسة الحكومة العدوانية والإرهابية.
ودعا المجلس المجتمع الدولي هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان لمحاسبة إسرائيل على جرائم القتل والإعدامات الميدانية التي ارتكبتها مع سبق الإصرار بحق أبناء شعبنا وأطفالنا، مجدداً الدعوة إلى توفير الحماية الدولية العاجلة لشعبنا ومقدساتنا، وإلى تحرك عربي وإسلامي ودولي جاد يتناسب مع حجم مخاطر وتداعيات هذه التصريحات والجرائم العنصرية البشعة التي تنذر ببدء تنفيذ مخططات خطيرة ضد شعبنا الفلسطيني الأعزل.
وشدد المجلس على أن الهبة الشعبية الفلسطينية هي رسالة للاحتلال وللعالم أجمع، بأن شعبنا سيدافع عن نفسه وعن كافة حقوقه المشروعة التي يكفلها القانون الدولي، ولن يرضى باستمرار احتلال وطنه ونهب أرضه والاعتداء على مقدساته وارتكاب الجرائم بحقه من قبل جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين، وأن شعبنا مصمم على البقاء على أرض وطنه وسيواصل صموده وكفاحه ونضاله بالوسائل المشروعة حتى إنهاء الاحتلال ونيل حقوقه الوطنية كاملة غير منقوصة.
وأكد المجلس على أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي حول المسجد الأقصى المبارك ما هي إلا محاولة لتزوير التاريخ وقلب الحقائق وتشريع تغيير الوضع الذي كان قائماً، وحرف الأنظار عن الاحتلال الإسرائيلي وممارساته القمعية وإجراءاته التعسفية والعنصرية في القدس، مؤكداً بأن مفهوم وتعريف الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك هو الوضع الذي كان سائداً منذ العهد العثماني ولاحقاً في فترة الانتداب البريطاني ومن ثم خلال العهد الأردني حتى سنة 1967م، وظل سائداً إلى حد كبير حتى سنة 2000، وهو أن إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك من جميع النواحي، وليس بادعاء تحسين شروط دخول المصلين إلى المسجد الأقصى الذين يمرون عبر الحواجز ونقاط التفتيش الإسرائيلية، واستمرار جدار الفصل العنصري الذي يعزل المدينة المقدسة، مؤكداً أن الوضع الذي كان قائماً في القدس يقتضي الإقرار بعروبة القدس وأن المسجد الأقصى هو حق خالص للمسلمين لا يجوز لليهود استباحته ودخوله وفرض أمر واقع جديد فيه لا بحجة زيارته ولا بأي حجج أخرى، وستبقى القدس مدينة فلسطينية، وعاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة، حاضرة عربية إسلامية، وأن المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ملك إسلامي ولا جدل على هويته الخالدة خلود الرسالة المحمدية، سيبقى مسجداً إسلامياً عصياً على الانكسار مهما تصاعدت انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بتضحيات أبناء شعبنا الصامد المرابط دفاعاً عن حاضر القدس ومستقبلها ومقدساتها.
وعلى صعيد آخر، حذر المجلس من المخطط الذي ينوي رئيس وزراء الاحتلال تنفيذه، والقاضي بشطب إقامات نحو 100 ألف مقدسي يقيمون في أحياء مقدسية خلف الجدار، بهدف تفريغ مدينة القدس وتقسيمها ضمن مخطط متكامل لتهويد مدينة القدس ومقدساتها، مؤكداً على أن حماية القدس والدفاع عنها واجب وطني وأولوية لدى القيادة والحكومة. واعتبر أن مجرد طرح هذا القرار هو شروع بالتطهير العرقي وهو ما يستوجب من المجتمع الدولي، التحرك الفوري لوقف هذه القرارات العنصرية التي تأتي في سياق محاولات إيجاد أغلبية يهودية في المدينة على حساب الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين. كما دعا إلى إلزام إسرائيل بالتراجع فوراً عن كافة العقوبات الجماعية التي نفذتها في أحياء القدس الشرقية المحتلة بما في ذلك الكتل الإسمنتية وإجراءات التفتيش المهينة، داعياً في هذا الصدد المجتمع الدولي إلى إعلاء الصوت ضد هذه الإجراءات العنصرية وعدم الاكتفاء بدعوات ضبط النفس المقيتة التي تساوي بين الضحية والجلاد. كما دعا إلى إلزام الحكومة الإسرائيلية بالإفراج فوراً عن جثامين الشهداء وعدم اتخاذهم رهائن لديها، مشيراً إلى أن صمت المجتمع الدولي على هذه الإجراءات مخجل وغير مفهوم وغير مقبول على الاطلاق.
ودعا المجلس قناصل وممثلي الدول الأجنبية المعتمدين إلى القيام بجولات في البلدة القديمة في القدس والإطلاع على أحوال الفلسطينيين هناك والاستماع إلى شكاوي المواطنين الذين يتعرضون لأبشع أشكال العنصرية البغيضة، ووجوب وقف هذه الإجراءات فوراً ودون تأخير، وإلى النظر بجدية إلى مطالب الفلسطينيين في القدس الشرقية وبخاصة إعادة فتح المؤسسات المغلقة وعلى رأسها بيت الشرق والغرفة التجارية ووقف إجراءات سحب الهويات وهدم المنازل وغيرها من الإجراءات القمعية التعسفية.
واستنكر المجلس قيام قوات الاحتلال باقتحام مستشفى المقاصد عدة مرات خلال الشهر الجاري، كان آخرها اقتحام قسم الطوارئ والإدارة صباح اليوم بحثاً عن مصابين كما تتعمد التواجد اليومي عند البوابة الرئيسية للمستشفى. كما ندد المجلس باقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى المبارك، ومنع عشرات النساء الفلسطينيات من الدخول إلى ساحاته، وبحملة الاعتقالات الواسعة التي تنفذها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين، التي طالت منذ مطلع الشهر الحالي أكثر من 1083 مواطنا، منهم 100 طفل أغلبهم من مدينة القدس، يتعرضون خلال الاعتقال للضرب والتنكيل المبرح، وبعضهم تم تعذيبه بالكلاب البوليسية والصعقات الكهربائية، وتوجيه الشتائم والإهانات لهم، وأضاف المجلس أن 60% من المعتقلين الصغار جرى اعتقالهم من منازلهم، وأن 5 حالات منهم تم اعتقالهم وهم مصابون بالرصاص، مشدداً على أن ذلك يتنافى مع أدنى المعايير الإنسانية والقوانين والمعاهدات الدولية ضمن سياسة ممنهجة تستدعي من كافة المؤسسات الدولية التي تعنى برعاية وحماية الطفولة في العالم إلى إعلاء صوتها إزاء الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضد أطفال فلسطين، والعمل بكافة السبل من أجل وقفها وضمان الإفراج عن كافة الأسرى الأطفال في معتقلات الاحتلال.
وأشاد المجلس بصمود أبناء شعبنا في كافة أماكن تواجدهم سواء في القدس أو في الضفة الغربية، أو قطاع غزة، ووقوفهم في وجه الهجمة الإسرائيلية، التي أدت إلى ارتقاء 61 شهيداً، منذ بداية تشرين الثاني بينهم 14 طفلاً، وفي وجه كافة الانتهاكات المستمرة بحق المقدسات خاصة المسجد الأقصى المبارك، والتضييقات المستمرة بحق سكان البلدة القديمة خاصة، ووقوفهم دفاعاً عن الأرض والوطن والتصدي للجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين.
ورحب المجلس بقرار المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" الذي ينتقد ويدين بشدة الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى والتراث الثقافي والديني في مدينة القدس الشريف، والحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم، وإعاقة إعمار قطاع غزة الناتج عن الحرب الأخيرة.
وأهاب المجلس بالمواطنين بأخد الحيطة والحذر ومراعاة شروط السلامة العامة نتيجة الأحوال الجوية، ودعا المجلس كافة الجهات إلى اتخاذ كافة الاستعدادات اللازمة لمواجهة الأحوال الجوية القادمة، مؤكداً حرص الحكومة على تقديم الدعم اللازم للمزارعين وكافة المواطنين. وقرر المجلس تكليف وزارة الزراعة بحصر أضرار المزارعين الناجمة عن المنخفض الجوي، وتقديم تقرير بذلك إلى مجلس الوزراء لاتخاذ المقتضى اللازم بالخصوص.