رثاء ٢٠٢٠

حجم الخط

بقلم: د. دلال صائب عريقات

 

أرثي لكم عاماً أم عقداً بل حياة

أَرثِي أَبي وَرِثاءُ الأَبِ دَينٌ على الأوفياء

أرثِي وأي رثاءٍ يفي هذا الرجلْ

اهٍ... لو كان أبي مجردُ أبٍ كما باقي البشرْ

صائبٌ يا أبي... مِنْ بَعدكَ لا فرقَ بين بني البشرْ

انتصارُ الحياةِ لا يعني هزيمة الموتْ

تحتَ هذا العنوان... عَكفتَ على تعريفِ الصبرِ منذ بداية عام ٢٠٢٠... سينتشرُ الكتابُ قريباً... ليكتشفَ البشر أنكَ جسدتَ تعريفاً للصبرِ وهنيئاً لمن اعتبرْ...

لقد عِيلَ صبري...

يا لجُهدي... يا لوجع قلبي... يا لعجز لساني... يا لإرهاق عقلي ويا نصيبي بأن اكونَ من هذا الرجلْ

صائبْ لقد لقنتني اصعبَ دروسِ الحياةِ بلمح ِالبصرْ

أردتَ لي أن أتعلمَ ممارسةَ الصبرِ ولكنكَ كأكاديمي مخضرم لم تكتفِ بالنظرية وحكمتَ عليّ بالتطبيق،

ماذا فعلتَ بي يا قدوةً تمثلتْ بِرجل؟

أألعنُ عام ٢٠٢٠؟

أأندبُ حظي؟

أأبكيكَ أم أبكي نفسي؟

كيفَ العويلُ وكيفَ النحيبُ وأنا الأنثى بقلبِ رجلْ

لا وألف لا، لن أنكرَ كرمَ الله ولنْ أغفلَ عن وافرِ حظي، فأنا ابنة الصائب الفاضل الحكيم الكريم الذي بعثهُ اللهُ على صورةِ رجلْ

ذهبتَ مستعجلاً....٦٥ عاماً، يا لهذا القدرْ

أُلملِمُ جراحي وأستعيدُ توازني وأقولُ لنفسي ما هي الأرقامُ في عمرِ البشرْ ؟

كمْ مِنْ رجلٍ عاشَ عمرهُ في مُختزلْ...أما صائبٌ لقد عاشَ إلى الأبد ... جيشٌ في رجل

نأتي جميعاً ... ونغادر جميعاً وهنيئاً لمن لم يتسعْ لهُ المكانْ

ليسَ مُستغرباً وقع رحيلكَ على العالمِ والأنامْ

لقد جبتَ الأرضَ، لم تهدأْ لم تتركْ فراغاً... ملأتَ جغرافيا المكانْ وسابقتْ عقارب الزمانْ

فكنتَ مثالاً عريقاً للزوجِ للأبِ للجدِ للإنسانْ

فلسطين أكبر منا جميعاً ... يا لزهدكَ أيها الرجلْ

عشتَ في مدينتك الفاضلة مترفعاً متجاوزاً

علمتني أن قطتي تعادلُ ألف جملْ

أما قصتكَ مع علي بن أبي طالب

رسالةٌ سماويةٌ خطتها أناملكَ لتُذكرنا بالعدلِ بالقيم بالأخلاقِ بالحكمةِ وصدق الرأي بالمختصرْ

هنيئاً لنا حمل اسم هذا الرجل

هذا الْيَوْم سيمضى...عبارة كررتها لي آملاً أن أصبر وأعتبرْ

هذا العام سيمضي ... يا لهذا العام الاستثنائي الأبدي الأثرْ

تركتَ الأرضَ وها أنتَ... صائبٌ في كل زاويةٍ، في كل كتابٍ، في كل ندوةٍ، في كل صفحةٍ، في كل مدينةٍ، في كل مجلس صدقٍ، في ذِكْر الأسرى والشهداء الى ذكرِ المساكينَ والأيتام الى المرضى الى بيوتِ الكرمْ

من الفنِ الى الرياضةِ الى الأكاديميا الى السينما... من فرانك سيناترا الى فيروز... من جبران ودرويش الى المتنبي الى أفلاطون.. الى روسو الى هوبز الى كانت الى أرسطو... عالمك يضج بالفلسفة بالفكر بالحضارة بالعلم بالأخلاق بالإيمان يا مثالاً رفيعاً لبني البشرْ

كيفَ نرثي من تركَ للعالمِ إرثاً يضاهي ما قدمهُ رجالٌ في عقودٍ بل قرونٍ من الزمنْ

كيف نرثي هذا الرقيقُ الراقي الذي اتخذَ منهجاً في القراءة والقلمْ

محتارةٌ أنا يا خيرَ الرجال... يا مَن لا يقارنُ بأي بشرْ

ضجيجٌ وصخبٌ وغضبٌ وألمْ عمّ الدنيا بعدكَ يا رجلْ

من الفلسطينيين من يهتفُ للتحرير، أما مدرسة صائب فهي البراغماتية الواقعية الصامدة التي تعمل على هذه الأرض بحكمةٍ وحبٍ وإخلاصٍ للوطنْ

الغائبُ الحاضرُ الباقي فينا إلى الأبدْ

صائبٌ لهُ من اسمه نصيب، فهو صائبٌ من القدسِ من غزة من حيفا من لبنان من تشيلي من قلبِ مخيمات الصمود من الأسرى خلف القضبانِ وبيوت الشهداء... الْيَوْمْ... تسقطُ الألقابُ وتبقى الأعمال وطيب الأثرْ

يا لسخريةِ القدرْ... كم كَرِهَ الفراغ... وها هوَ يتركُ فراغاً وطنياً وانسانياً يستحيل ملؤه، كانَ اللهُ في عونِ من سيكملُ المشوار... فلسطين والقدس ستبقى ونتمنى من الخلفِ أن يكونَ امتداداً للسلفْ

إذاً، وبغضِ النظر، إن كان شخص او جماعة، علينا الترفع عن الأسماء، علينا بخصال من سيحمل الأمانة

عليه بالوفاء، عليه بالمصلحة الوطنية، عليه بالقراءة، عليه بالصدق والشفافية، عليهِ بالشعبِ مرجعية

من سيكملُ المسيرة عليه أن يدرك أنْ لا مكانَ للألقابِ ولا الأنسابِ ولا المناصبِ، لا بدَ من ضميرٍ حيٍ ووطنيةٍ وشرف في حضرةِ من غابَ عن الوطن.

هذا العام سيمضي بعدَ أن نُحتَ في عقولنا كالنقشِ على الحجرْ ....

السلامُ والخلودُ يا صائب... يا رجلاً بحجم وطنْ

يُواسيني اليوم كمٌ من الكتب والأبحاث، فكلماتكَ، عباراتكَ، مقولاتكَ، كتبكَ، كلها دُررْ

في رِثائكَ ...الصبرُ الجميلُ والتسليم للقدرْ

في رِثائكَ ...رثاءُ الرجالِ.. .رثاءُ القرنِ ... رثاءٌ للوطنْ

-- د. دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية