مــقــارنــة بــيــن رابــيــن ونــتــنــيــاهــو

00
حجم الخط

عندما زرت المانيا للمرة الاولى في العام 1965 كان الامر صعبا عليّ. كل شخص بالغ بدا لي وكأنه قاتل وشريك في الكارثة التي تسببت بها دولته بحق الشعب اليهودي. الذين استضافوني، وهم من الحزب الاشتراكي، فعلوا كل ما في استطاعتهم من اجل ازالة هذا الشعور، ومن أجل دفعي الى الايمان بالمانيا اخرى طاهرة من قيود الماضي. لقد أقنعوني بانهم مختلفون، لكنني لم الحظ انهم فهموا حجم الانكسار.
لم يخطر ببال مناحيم بيغن في ذلك الوقت ان يزور المانيا، وبالذات خاصة بعد ان منع الحرب على اتفاق التعويضات. مرت سنوات ورئيس حكومة اليمين يذهب الى المانيا ويشكر المستشارة انجيلا ميركيل على تأييدها لاسرائيل. كل هذا بعد أن قال الامر الفارغ حول دور المفتي بفكرة تدمير اليهود. ميركيل، التي شاهدت نتنياهو مهانا، أخذت على نفسها كزعيمة المانيا المسؤولية بالكامل.
لم تكن اقوال نتنياهو زلة لسان. بل قيلت بشكل متعمد، لكن ما الذي يريد قوله؟ ان المقاومة الشديدة لليشوف اليهودي لم تبدأ باعقاب بيني كتسوفر وموشيه لفينغر بل جذورها اعمق بكثير وأن لاسامية المفتي تثبت ذلك، ومن هنا فان التحريض والطعن موجودان منذ عهد المفتي ولم يتغير شيء.
وماذا عن اسحق رابين ألم يعرف كل ذلك؟ ألم يكن مشتركا في الصراع ضد القومية العربية "المتطرفة" التي أنشأها المفتي؟ هل سعيه الى السلام منعه من رؤية التاريخ الدموي بين الشعبين؟
لم يكن رابين حمائمياً، واتذكر حوارات بيننا في الثمانينيات، حيث كفرت بتشاؤمه. ولكنه في ذلك الحين آمن بحلم السلام. في السبعينيات فهم رابين ان المستوطنات هي شيء سيئ وانها تقلص فرص المفاوضات وتمنع اي اتفاق مستقبلي. وعندما وصل الى السلطة سيطرت عليه افكاره السابقة كوزير للدفاع، ولكن حين جاءته الفرصة للتغيير استغلها بكل قوة رغم التشكك الرابيني المعروف. فهم رابين أن اتفاقا شاملا ايضا لن يخلق الاخوة والمحبة بيننا وبين جيراننا، ولكن على العكس من نتنياهو الذي يحب التصليحات آمن رابين بالافعال المدروسة التي تدعم العملية السياسية وقد ينتج عنها اتفاق سلام.
يبدو أن اليمين يدعي أنه على حق واليسار الصهيوني يبحث عن هويته، فان اتفاق اوسلو في ظل غياب رموزه لن يستنفذ نفسه. نتنياهو من جهة يلوح بافتخار بانجازات دولة اسرائيل في التكنولوجيا والعلم، ومن جهة ثانية يحطم الامن الشخصي للمواطنين ويخرج المفتي من القبر. فهو بحاجة الى مسك العصا من الطرفين: دولة مزدهرة من جهة وخائفة من جهة اخرى.
قائدان يقفان الواحد مقابل الاخر. واحد حكيم ويريد التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين مع تنازلات صعبة ولكن دون التنازل عن أمننا. وامامه يقف زعيم رؤيته التاريخية مشوهة يأخذ شعبه في الطريق الخطأ وينافس اعداءه بالتحريض ويعتبر نفسه دائما الضحية: للمحرقة، للمفتي، لمحمود عباس، للعرب الذين يتدفقون على صناديق الاقتراع.
النظرة الصادقة لرابين هي ذكرى مؤلمة. والاشتياق لقائد مثله يسيطر على كل من يشاهد الانحطاط في السلطة الحالية.

عن "هآرتس"