«ينبغي الترحيب بالفوضى لأن النظام فشل»، كتب في حينه الكاتب والمسرحي اليهودي النمساوي كارل كراوس، ولولا حقيقة أنه توفي قبل 84 سنة لكان ممكناً الاعتقاد بأنه قصد ما يجري اليوم في السياسة الإسرائيلية.
فالحكومة الـ 35 في تاريخ إسرائيل والتي حظيت بالابتكار السخيف لـ «رئيس وزراء بديل» وصلت إلى نهايتها، ولكن في الواقع لا، إذ إنه حتى قيام الحكومة التالية ستكون هذه هي الحكومة الانتقالية التي «لا يخرج منها ولا يدخلها أحد» (ولهذا فقد سارع الوزير السابق زئيف الكين إلى الاستقالة).
درجوا في وسائل الإعلام على تسمية الحكومة المنصرفة بأنها «الأسوأ في تاريخ إسرائيل»، ومن ناحية العلاقات التي فيها، وانعدام الولاء للشريك «أزرق - أبيض»، فإن هذا الوصف صحيح بالتأكيد ولكنّ المتذمرين يفضلون ألا يذكروا أن هذه هي أيضا الحكومة التي في عهدها وقع التقدم الأهم في فتح صفحة جديدة وإيجابية للسلام وعلاقات إسرائيل مع العالم العربي؛ فقد اتخذت إسرائيل، وفقاً لمصادر أجنبية، خطوات جريئة وناجعة في مجال الأمن تجاه إيران وفروعها؛ في الصراع ضد وباء «كورونا» صنفت إسرائيل من جانب شركة «بلومبرغ» من الأماكن الرائدة في العالم، اقتصادياً وصحياً على حد سواء؛ كما أن إسرائيل كانت بين الدول الأولى في العالم التي نجحت في ضمان إعطاء التطعيمات لمواطنيها، وحملة التطعيم تجري فيها بشكل فائق.
إن التفكير بإقامة حكومة وحدة أو طوارئ كان صحيحاً في حينه كأهون الشرور حسابياً إذا أخذنا بالاعتبار تركيبة القوى في الكنيست، ولكن بالأساس كي لا نعلق في انتخابات زائدة في أثناء أزمة «كورونا». ولكن ما لم يأخذه المبادرون إليها بالحسبان كان أن جزءا من المنضمين إلى الحكومة من «أزرق - أبيض» سيتصرفون وكأنه تملكهم الشيطان وسيعملون من داخل الحكومة كحصان طروادة.
وأنا أومن بأن رئيسهم، بيني غانتس، عمل بدوافع وطنية ومسؤولة، ولكن يبدو أنه لم يعرف على نحو كافٍ عش الدبابير الذي يوجد فيه. ما العمل: فللزعامة يولد الناس (أو لا يولدون). هكذا أو كذلك، فقد أنزل غانتس إلى الكنيست عصبة من الأنفار السياسيين والأشخاص عديمي الثقافة السلطوية، وثمن الانتخابات الرابعة هو علينا. يوجد لأزمة الحكم المتواصلة في إسرائيل أكثر من سبب واحد؛ لقد أثار بن غوريون في حينه تخوفاً من ألا يكون اليهود في بلاد إسرائيل قد تعلموا بعد كيف يتصرفون كأمة سيادية، وإضافة إلى ذلك، فإن علل طريقة الانتخابات النسبية – القطرية، التي احتج عليها هي أيضاً، جعلت خلق أغلبية برلمانية كأساس لحكومة مستقرة وتؤدي مهامها، أمراً شبه متعذر (جدير بالإشارة أن جابوتنسكي أيضا، الذي لم يرَ مولد الدولة، تنبأ بشكل نقدي مشابه بالنسبة لطريقة الانتخابات التي تتبع اليوم في إسرائيل).
كما أن الخرق المتزايد في السنوات الأخيرة، ولا سيما من الجهاز القضائي لمبدأ فصل السلطات يتسبب بـ «تعطيل الصلاحيات الديمقراطية»، سواء للسلطة التشريعية، أي الكنيست، أم للسلطة التنفيذية، الحكومة.
لقد كان تأسيس «أزرق - أبيض» في حينه عرضاً من أعراض ما سماه المؤرخ السياسي يغئال عيلام «انهيار السياسة»، وأنا أفضل تسميته «انهيار الأحزاب»، أي إقامة إطار بمناسبة الانتخابات دون مواقف واضحة في أي موضوع مركزي – لا سياسي، لا اقتصادي ولا اجتماعي – مع شعار انتخابي واحد ووحيد: «كله إلا بيبي».
إن الانهيار السريع لـ»أزرق - أبيض» هو تقريباً دليل صاخب على ما يصيب ساحتنا السياسية من خلل.
لشدة الأسف، لا يوجد احتمال كبير أن يتغير الوضع من هذه الناحية في الكنيست القادمة أيضاً. فالانقسام مستشرٍ سواء في اليمين، أم في الوسط وفي اليسار (فالانهيار المتواصل لحزب العمل وصل على ما يبدو إلى المحطة النهائية)، وظهور كل أنواع القوائم الوهمية من اليسار ومن اليمين – لا ينبئ بالخير من ناحية الاستقرار السياسي المستقبلي.
إن المواضيع والتحديات التي ستقف أمامها الدولة في السنوات القادمة لن تسير وفقاً لنزواتنا السياسية. وينبغي فقط أن نصلي رغم ذلك أن يجد بنيامين نتنياهو بعد هذه الانتخابات شركاء أكثر مسؤولية لحكومته.
عن «معاريف»
ملاحظات إضافية عن دلالات أعمار الزعماء
04 أكتوبر 2023