كان من الطبيعي أن تعبر السلطة والقيادة الفلسطينية عن امتعاضها واعتراضها على التفاهمات الإسرائيلية الأردنية بشأن المسجد الأقصى، فبالإضافة إلى أن الترتيبات التي تم الاتفاق عليها تقصي الطرف الفلسطيني فإنها بحد ذاتها تعطي إسرائيل شرعية متابعة مخططاتها المرحلية تجاه المسجد الأقصى.
نعم تريد إسرائيل في النهاية تدمير المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، ولكنها منذ بعض الوقت تسعى لفرض تقسيم زماني ومكاني يتيح لليهود التواجد داخل حرم المسجد وبالتالي فإن تعهد نتنياهو بأن يحافظ على الوضع القائم، يبدو أنه حماية للمسجد الأقصى من مؤامرة الهدم. على أن التفاهمات تعطي لليهود وهم المقصودون بالزوار الحق في أن يدخلوا المسجد معظم الوقت، فإذا كانت الصلوات الخمس ستستغرق ثماني ساعات بالحد الأقصى، فإنه اليهود بإمكانهم الدخول لست عشرة ساعة في اليوم. بهذا المعنى فإن وجود الكاميرات، سواء كانت بإشراف أردني أو إسرائيلي أو حتى دولي، فإنها ستقدم أدلة على أن المسلمين هم الذين يتعرضون للزوار اليهود، وإلاّ فإن عليهم أن يسكتوا عن استفزازات يتعمد المتطرفون اليهود ممارستها. في كل الأحوال هذا المسجد فلسطيني عربي إسلامي خالص، ولا يجوز إلاّ للفلسطينيين وأشقائهم الأردنيين أن يقرروا حقوق الآخرين تجاهه.
وفي السياق، قد يعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري انه حقق اختراقاً، كان يستحق عناء رحلته الطويلة، لكنه يؤكد المؤكد وهو أن الإدارة الأميركية لا تعمل إلاّ لصالح إسرائيل ولا تتحرك إلاّ على قاعدة حماية أمنها ومصالحها، وهو يعتقد أن سبب الهبة الشعبية، يكمن في الموقف من المسجد الأقصى، فإن تم التفاهم بشأنه تكون الأزمة قد انتهت، ويتحمل الفلسطينيون من وجهة نظره المسؤولية عن استمرار المواجهات.
يعرف كيري وإدارته، ولكنه يتظاهر بأنه لا يعرف بأن أسباب اندلاع الهبة الشعبية، التي قد يكون منشؤها الأول المسجد الأقصى، لكنها هبة في وجه إسرائيل وفي وجه الولايات المتحدة، وفي وجه الرباعية الدولية، والتجاهل العربي، هي هبة تنطوي على صرخة قوية للعالم أجمع، أن يتفهم على نحو موضوعي أسبابها ودوافعها وأهدافها. نعلم قبل أن تنشر وسائل الإعلام، وبدون أن تصدر قرارات أو توصيات من مجلس الشيوخ الأميركي أو من الإدارة، أن الولايات المتحدة ستستخدم وسائل التهديد والضغط على الفلسطينيين، مثلما كانت تفعل دائماً، فهم من وجهة نظرها الطرف الضعيف، والذي عليه أن يقدم تنازلات عند كل أزمة أو خلاف مع الإسرائيليين.
على كل حال لم يطل الأمر كثيراً على تفاهمات عمان حتى عاود المتطرفون اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، ورفض الإسرائيليون تركيب الكاميرات من قبل أي طرف آخر، فيما أدلى نتنياهو بتصريح يتحدث فيه عن جبل الهيكل وليس عن المسجد الأقصى.
وخلال حضوره جلسة لجنة الأمن والخارجية في الكنيست طرح نتنياهو مشروعه لسحب الهويات الزرقاء من نحو مئتين وثلاثين ألف فلسطيني في القدس، ما يعني أن إسرائيل ليست في وارد وتخفيف إجراءاتها وعقوباتها الجماعية ضد الفلسطينيين وانها تتمسك بادعاءاتها تجاه القدس كعاصمة أبدية موحدة لها.
في الجلسة ذاتها يؤكد نتنياهو أنه وحكومته ليس مستعداً للبحث مبدئياً في أي تسوية تعطي للفلسطينيين حقوقاً، فهو يعارض فكرة دولة لشعبين ويعارض فكرة دولتين لشعبين ويقول «في هذه الأيام يتوجب علينا السيطرة على كل شبر أرض نراه في مدى النظر». هذا هو نتنياهو وهذه هي إسرائيل دولة احتلالية توسعية، عنصرية، ومتمردة على كل القوانين والأعراف الدولية. نفهم بأن الوقوف على جوهر السياسة الإسرائيلية، وأهدافها، قد لا يتيح للقيادة الفلسطينية المجال للاستدارة الكاملة نحو الصراع ومغادرة كل سياساتها وخياراتها السابقة والحالية، غير أن الوقوف على هذه القناعة، يتطلب استمرار الهبة الشعبية وتوسيع نطاقها بدون عسكرتها، ويتطلب ايضاً اتخاذ خطوات حقيقية ملموسة نحو ترتيب البيت الداخلي ومغادرة حالة الانقسام، وبالإضافة فإن تحقيق الوحدة يؤسس لتفعيل كل طاقات الشعب الفلسطيني في الوطن العربي وفي المهاجر وساحات الاغتراب. وحتى نكون منصفين فإن حركتي حماس وفتح، عليهما التقدم بمبادرات حقيقية، بعيدة عن الحسابات الذاتية، والفصائلية، الأمر الذي سيرفع من مستوى حماس ومشاركة الجماهير الفلسطينية على الانخراط في المواجهات والنضال الوطني بكل متطلباته.