بشار فقد عينا، يوسف يعاني من كسور في الجمجمة: فتيان هما جزء من احصاءات 2020

حجم الخط

هآرتس – بقلم عميره هاس

بشار حمد من مخيم قلندية للاجئين (16 سنة)، ويوسف طه من كفر قدوم (17 سنة)، لا يعرفان بعضهما البعض، لكنهما جزء من الاحصاءات الخفية لفلسطينيين قام جنود الجيش الاسرائيلي باطلاق النار عليهم واصابتهم في الضفة الغربية في العام 2020 – 632 اصيبوا بالرصاص المعدني المغطى بالمطاط، ومن بينهم 127 قاصر. وكذلك 155 اصيبوا بالنار الحية، ومن بينهم 28 قاصر. هذا العدد لا يشمل 1513 فلسطيني اختنقوا بالغاز المسيل للدموع واحتاجوا الى العلاج في مكان الحدث أو في العيادة، ومن بينهم 195 قاصر.

​هناك ايضا قاسم مشترك بين الفتيان: الجنود اطلقوا النار واصابوهم في رأسهما، حمد فقد العين اليمنى وتم تركيب عين صناعية له بشكل مؤقت، التي الآن هي مغطاة بضمادة. الآن هو ينتظر تركيب العين الصناعية الثابتة. ربما في الاردن وربما في اسرائيل. طه يعاني من كسور في الجمجمة ومن وجع في الرأس لا يتوقف ومن عدم الاستقرار. كلاهما تنتظرهما فترة شفاء وتأهيل طويلة. كلاهما ما زال لا يستطيع العودة الى التعليم. كلاهما لا يتحدثان عن اصابتهما. حمد لأنه سئم من تكرار الحديث وطه لأنه لا يتذكر أي شيء من ذاك اليوم. كانت هناك مسافة قصيرة بين اصابتهما وبين انضمامهما الى احصاءات القتلى من اطلاق النار للجيش الاسرائيلي هذا العام: 25 في الضفة الغربية، بينهم 7 قاصرين.

​الأفق الذي يمتد من ساحة بيت عائلة طه في قرية كفر قدوم مليء بالتلال والكروم والساحات المكتظة بالغطاء النباتي. في بيت عائلة حمد في قلندية هناك شجرة ليمون في المدخل وعدد من الاشجار، لكن عندما ترفع الرأس فان النظر يصطدم فقط بمباني الباطون المتراصة لمخيم اللاجئين. بيت طه موجود في الطرف الشمالي الشرقي والاعلى في القرية. الى البيت يصلون عبر الشارع الذي طرفه الشمالي اغلق قبل 17 سنة لصالح جار جديد هو مستوطنة كدوميم.

​الآن هو مزروع ببقايا الاطارات التي تم احراقها والحجارة التي تم رشقها، والحواجز الارتجالية واسطوانات قنابل الغاز المسيل للدموع التي يطلقها الجنود في كل يوم جمعة على سكان القرية الذين يتظاهرون  منذ العام 2011 من اجل حقهم في السفر على الشارع الذي يؤدي مباشرة الى نابلس وفلاحة بساتينهم. بيت حمد يوجد في الطرف الشرقي للمخيم. وراء طرف المخيم هناك فضاء مفتوح وجبلي يقطع الطريق على الفلسطينيين. على جزء منه سيطرت مستوطنات بسغوت وكوخاف يعقوب.

في طريق العودة من المدرسة

بشار حمد، وهو أطول من عمره، ورغم زغب الشارب، إلا أنه على وجهه قسمات طفل ما زال يكتشف العالم. الآن هذه التعابير تمتزج ايضا بالتعب من الجرح والألم. هو وشقيقه البكر يتعلمون في مدرسة الأمة الثانوية في قرية الرام القريبة. ومثلما في كل يوم، ايضا في 17 تشرين الثاني عادوا من المدرسة في الساعة الثانية إلا ربع ظهرا. لقد نزلوا من الحافلة التي تقلهم قرب حاجز قلندية، الذي يفصل شارع الخروج من رام الله الى شارعين: أحدهما ينحرف شرقا والآخر يمر في الحاجز نفسه ومسموح فقط للسيارات ذات لوحات الترخيص الاسرائيلية.

هذه ساعة من الساعات المكتظة جدا في هذا الشارع غير الواسع، الذي تقع دكاكين على جانبيه وورشات وصيدليات ومكاتب محامين وعيادات وكراجات وبقالات مرتجلة. ارصفة تقريبا لا توجد فيه، والموجودة ضيقة، بحيث أن المشاة – من بينهم اطفال كثيرين – يختلطون بين السيارات والبسطات التي تبيع الطعام. شخص ما في شرطة اسرائيل ارسل الى المنطقة قوة كبيرة من حرس الحدود في هذه الساعة. بشار وشقيقه لاحظا رجال الشرطة وسياراتهم تخرج من الحاجز. “لقد قدرت أنهم سيقتحمون مكان ما، لكن لم أعرف المكان”، قال بشار بعد خمسة ايام على ذلك لباحث بتسيلم اياد حداد. المتحدثة بلسان شرطة اسرائيل قالت للصحيفة بأنه “اثناء نشاطات انفاذ القانون في كفر عقب ضبطت قوات حرس الحدود ومفتشو بلدية القدس 40 صندوق للالعاب النارية و250 علبة سجائر كان يمتلكها شخص بصورة غير قانونية، وتمت مصادرة سيارتين تحملان لوحات صفراء غير صحيحة وسجلت 8 مخالفات سير.

​الشارع الرئيسي والضيق، المعطوب والمكتظ الذي سار فيه الاخوين في طريقهما الى البيت موجود رسميا في منطقة الولاية الجغرافية للقدس. داخل منطقة الولاية هذه يوجد ايضا مدخل المخيم. سلسلة البيوت الاولى على جانبي الشارع وكفر عقب وسميرا ميس – القريتان الفلسطينيتان اللتان كانتا غابة من المباني السكنية العالية والمكتظة.

​بشار وشقيقه دخلا الى المخيم. وقد سارا بضعة امتار ولاحظا جيبات وسيارات شرطة حرس الحدود وهي تدخل الى المكان. بشار لاحظ أن عدد من رجال الشرطة دخلوا الى عدد من الماني التي تقع على مدخل المخيم – منها عيادة وكالة الغوث، مقر اللجنة الشعبية (نوع من المجلس المحلي التطوعي) وبيت الطفل – مركز لنشاطات الاطفال. وقد لاحظ بندقية لاطلاق الغاز المسيل للدموع التي تم تركيبها على سيارة تابعة للشرطة.

​حسب اقوال الشرطة “خلال العملية حدث خرق للنظام قام به حوالي 100 من المشاغبين، تضمن رشق الحجارة والقاء الزجاجات الحارقة على قوات الامن. جنود حرس الحدود ردوا على المشاغبين الذين عرضوا حياتهم للخطر باطلاق نيران وسائل لتفريق المظاهرات حسب التعليمات، ولم يتم استخدام النار الحية”. حسب هذا التقرير، أحد جنود حرس الحدود “أصيب في رأسه وتم نقله الى المستشفى وهو مصاب باصابة بالغة في وجهه”.

​بشار يتذكر قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع التي اطلقتها قوة حرس الحدود فور دخولها المخيم. “الناس بدأوا يهربون واصحاب المحلات اغلقوها”، قال للباحث. بعد ذلك اضاف بأن شباب المخيم بدأوا بمواجهة رجال الشرطة وكدسوا الصفيح وباقي انواع الخردة على الشارع من اجل قطع الطريق الى داخل المخيم وقاموا برشق الحجارة. وهو لم يذكر الزجاجات الحارقة في شهادته المفصلة لبتسيلم. هو يقدر بأنه كان في المكان حوالي 30 شرطي وحوالي 100 شاب – حسب تقديره معظمهم ابناء 15 – 17 الذين اشتبكوا معهم.

​بشار وشقيقه تواجدا بين جنود حرس الحدود الذين انتشروا على الاقل في مكانين. وابل من قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والرصاص المعدني المغطى بالمطاط، لم تسمح لهم بمواصلة السير الى بيتهما. في الساعة الثانية والنصف تقريبا ركض شقيقه نحو نزلة مدرسة مجاورة واختبأ في زاوية الشارع، قريبا من المسجد الكبير. فجأة لاحظ أن رصاصة تطير باتجاهه. رصاصة معدنية؟ رصاصة معدنية مغطاة بالمطاط أو رصاصة مطاطية؟ أو ربما قنبلة غاز مسيل للدموع؟ هو لم يعرف. هو فقط يتذكر أن هذا الشيء القاسي اصطدم بالارض، هو شعر باصابة في عينه وأن شيء ما انفجر داخلها. هو يقدر أن من اطلق النار هو أحد رجال الشرطة الذين انتشروا على عدد من الاسطح في مدخل المخيم.

​“فورا شعرت أن عيني خرجت من مكانها”، استعاد ذلك بوضوح في شهادته لبتسيلم. “وضعت يدي على عيني المصابة وشعرت بالدم يسيل، بدأت بالصراخ: أصبت، أصبت. أردت مغادرة المكان ولكن بعد أن سرت بضع خطوات لم أعد استطيع الرؤية، فقدت توازني وسقطت على الارض”.

​الناس هبوا فورا لمساعدته وبحثوا عن سيارة كي تنقله الى المستشفى. الشارع الرئيسي كان مكتظ، السائقون والمسافرون هربوا من السيارات العالقة داخل ضباب الغاز المسيل للدموع، خوفا من أن يصابوا من قنابل الصوت أو قنابل الغاز أو الرصاص المعدني. شاب مجهول تطوع لمساعدة بشار بسيارته. لقد جلس الى جانبه، عينه تنزف، وهو يحاول طوال الوقت أن يمتص الدم بمنديل ورقي كان يوجد في السيارة.

​“كنت محرج ومندهش، الشاب الذي ساعدني حاول طوال الوقت تهدئتي والقول لي لا تخف، لا تخف، بعد قليل سنصل الى المستشفى”، قال للباحث. السائق سار في الازقة، لكن في مرحلة معينة وصلوا الى طريق مسدود في شمال المخيم. السائق المجهول وبشار خرجا من السيارة وسارا حوالي 20 متر مشيا على الاقدام. بشار يضغط على عينه النازفة بالمنديل الممتليء بالدم. السائق عثر على سيارة اخرى، وهذه نقلت بشار عبر أزقة كفر عقب الى أن التقى مع سيارة الاسعاف التي نقلته الى المستشفى الرئيسي في رام الله.

​حتى ذلك الحين ابلغ أحد ما الوالد محمد بأن إبنه أصيب. وهذا انطلق مسرعا الى المستشفى. بعد سلسلة عمليات تصوير وفحوصات قالوا للأب بأنه لا يوجد في المستشفى قسم مختص بجراحة العيون. ارسلوهم الى عيادة عيون في وسط البيرة، لكن بسبب خطورة الاصابة تم ارسال بشار الى مستشفى خاص في شمال رام الله، ولكن هناك تبين أنه لا يوجد قسم للعيون. “تخيلوا”، قال محمد للصحيفة.

​“فقط في الساعة العاشرة ليلا وصلنا الى المكان الذي يمكنه أن يعالج فيه، وهو مستشفى جامعة النجاح في نابلس. تم ادخاله للعملية في الساعة العاشرة والنصف تقريبا. الاطباء قالوا لي بأنه حتى لو كانت هناك احتمالية 1 في المئة لانقاذ عينه، نحن سنحاول. ولكن بعد نصف ساعة من بدء العملية تحت التخدير الكامل خرج الطبيب واعتذر وطلب مني التوقيع على مصادقة لقلع العين”، اضاف الأب. هكذا انضم بشار الشاب الى 46 فلسطيني وفلسطينية في الضفة الغربية (بما في ذلك شرقي القدس)، الذين حسب توثيق مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية “اوتشا”، اصيبوا بعيونهم بنار الجنود ورجال الشرطة منذ العام 2008.

​أصل عائلة حمد هو من قرية ساريس التي تقع غربي القدس. الوالد محمد حكم بعشر سنوات سجن بسبب نشاطه في حركة فتح. ومثل كل من أيدوا ياسر عرفات وحركة فتح في حينه، كان واثق من أنهم سيحصلون على الاستقلال والسلام، الآن هذا الأمل تقلص الى اهتمام يومي بأمن الاولاد. “بشار هو من نوع الاولاد الهادئين الذين يدرسون. القليل من لعب كرة القدم ويرجع الى البيت”، قال الأب. “أنا اطلق سراحي من السجن في منتصف التسعينيات، في فترة أرحم، وكنت آمل أن يحظى اولادي بالعيش في فترة كهذه. لم اشاهد ساريس، لكني ساريسي. لقد طردونا الى هنا. الآن ايضا في قلندية لا يسمحون لنا بالعيش بهدوء مع كل اقتحاماتهم”.

​40 دقيقة في سيارة الاسعاف

​يوسف طه من كفر قدوم اصيب في 27 تشرين الثاني في خلف رقبته، كما يبدو برصاصة معدنية مغلفة بالمطاط. من قوة الاصابة سقط على وجهه. ثقوب في العظام سيتم العثور عليها بعد ذلك ايضا حول العين وفي الجزء الخلفي للجمجمة. لقد شاهده أحد الجيران يخرج من المبنى الذي لم يستكمل بناءه. “هو اراد كما يبدو أن يشرف من هناك على المواجهة بين الجنود وبين مجموعة من شباب القرية الذين ما زالوا يتجرأون على المجيء الى المكان الذي يمر فيه الشارع المغلق بين البساتين، الممنوع الوصول اليها ايضا.

​المبنى موجود على بعد بضعة عشرات من الامتار من موقع المواجهة نفسها. في اللحظة التي وصل فيها يوسف الى الدرج سمع الجار صوت اطلاق نار وشاهده يسقط. لقد نظر الى اعلى الجبل وشاهد سبعة جنود على بعد حوالي 15 متر من البيت، حسب تقديره. هو ركض نحو يوسف واستدعى سيارة اسعاف – وعندما كانا في داخلها اتصل مع الاب عبد الفتاح، الذي سارع الى المستشفى في رفيديا في نابلس في سيارة اخرى. من المتحدث بلسان الجيش ورد أنه كان في المكان تجمع من المشاغبين الذين خرقوا النظام واشعلوا اطارات السيارات ورشقوا الحجارة. “القوة في النقطة استخدمت وسائل تفريق المظاهرات من اجل تفريق خرق النظام وضمان سلامة السكان في المنطقة. وقد وصلت الى علمنا شكوى عن فلسطيني مصاب”.

​ونظرا لأن الشارع المباشر الذي يتوجه شرقا الى نابلس هو مغلق منذ سنوات، فان سيارة الاسعاف نقلت الشاب المصاب عبر طريق متعرج من الغرب بين البساتين وواصلت جنوبا الى قرية حجة، ومن هناك الى قرية الفندق، ومن هناك توجهت شرقا الى نابلس. بدلا من السير ربع ساعة، استغرق الوصول الى نابلس حوالي 40 دقيقة. عندما وصل الأب الى مستشفى رفيديا وجد يوسف يتراوح بين اليقظة  وبين فقدان الوعي.

​“ذات يوم استيقظت ووجدت نفسي في المستشفى”، قال يوسف بصوت ضعيف. “لم اتذكر أي شيء مما حدث”. ورغم النزيف الداخلي إلا أن الاطباء فضلوا عدم اجراء عملية له، وترك الجرح ليلتئم. طوال وقت الحديث مع الوالد، قبل اسبوعين تقريبا، كان يوسف يستلقي في الصالون، تحت بطانية بلون وردي. لقد كان قليل الحديث لكنه اصغى بانتباه. احيانا كان يهز رأسه واحيانا كان ينظر الى هاتفه المحمول. عند القراءة كان يغلق العين اليمنى التي أصيبت. اجل، مؤلم جدا، قال. وهو يأخذ مسكن للألم. “بصورة معقولة كي لا يدمن”، قال الأب الذي فضل عدم تصوير ابنه وهو في هذا الوضع.

​214 شخص من سكان قرية كفر قدوم اصيبوا في هذه السنة بنار الجيش الاسرائيلي، من بينهم 36 قاصر. 139 اصيبوا بالغاز المسيل للدموع واحتاجوا الى العلاج في الميدان أو في العيادة، 35 اصيبوا بالرصاص المعدني المغطى بالمطاط و5 اصيبوا بالنار الحية. وأصيب شخص واحد باصابة مباشرة لقنبلة غاز مسيل للدموع. “اوتشا” الذي يجمع بيانات المصابين، اشار الى أن هذه الارقام لا تشمل عدد المصابين بالصدمة العنيفة، الذين جاءوا لتلقي العلاج.

​والد يوسف ذهب لانهاء تعليمه في مدرسة ثانوية، فورا بعد 1967، ومن هناك واصل الى المغرب وتم تأهيله كطيار وانضم الى م.ت.ف. بعد ذلك انتقل الى الطيران المدني، وعاد الى اراضي السلطة الفلسطينية مع ياسر عرفات كأحد الطيارين الثمانية الذين قاموا بقيادة الطائرة المروحية الخاصة به في رحلاته، حتى اندلاع الانتفاضة الثانية. “اولادي يسألون لماذا عدت الى البلاد، في الخارج بالتأكيد كان الوضع افضل”، قال الأب. “أنا اقول لهم بأنني حلمت دائما بالعودة وكنت مستعد حتى للسكن في مغارة في ارضنا، التي قمنا بتأجيرها لرعاة الاغنام”.