بيتار وتل أبيب ، العقد الذي خُل به

حجم الخط

يديعوت– بقلم  ناحوم برنياع 

 مشاركة

 

في الاسبوع الاخير من العام 2020 بلغ عدد العاطلين عن العمل المسجلين في مصلحة الاستخدام 753.425، أكثر بقليل من ثلاثة أرباع المليون. هذا المعطى، مثل الكثير من المعطيات الاقتصادية ينطوي على حقيقة مقلقة وخدعة في آن معا. الحقيقة المقلقة هي ان الوباء ادخل الدولة في ركود عميق، قطع مصدر معيشة مئات الاف العائلات، شطب مبادرات، مخططات واحلام وأثار أزمات شخصية وعائلية. فروع كاملة قطعت. اما الخدعة فهي ان قسما كبيرا من المسجلين كعاطلين عن العمل ليسوا عاطلين عن العمل حقا. فهم يفضلون أن يتلقوا من الدولة المنحة التي يستحقونها وان يعملوا بالاسود.

في الحكومة اغمضوا عيونهم واطلقوا زفرة تنفس للصعداء: فالخليط بين المنح الحكومة وسوق العمل الاسود أخرج من العاطلين عن العمل الشهية للتظاهر وخفف حدة الضربة الاقتصادية التي وقعت عليهم. خيام الاحتجاج امام وزارة المالية طويت. والضائقة الاقتصادية نزلت عن جدول الاعمال السياسي. يوجد حتى عاطلون عن العمل يروون عن التحسن في مداخيلهم. فهم يخرقون القانون، ليست لهم خصومات اجتماعية وليس لهم أمان تشغيلي. على الرغم من ذلك، فهذا الترتيب ينجح.

يولد هذا الواقع تضاربا:  ارباب العمل الذين يحتاجون الى العمال، بشكل عام يعملون  بمستويات أجر متدنية، يدعون انهم لا ينجحون في ايجاد مرشحين للعمل. ثلاثة ارباع مليون عاطل عن العمل من جهة، ونقص في العمال من جهة اخرى. لا يعقل؟ يعقل. كان يحتمل ان نعفى من الموبئة  لو ان اسرائيل كاتس وزير المالية، تبنى النهج الالماني، وحول المنح الحكومية عبر اماكن العمل. فالصلة بين العامل ومكان عمله كانت ستبقى، وما كان العمال سيلقى بهم الى الشارع. ويحتمل ألا يكون هذا ايضا مجدٍ.

الازدهار في سوق العمل الاسود يعيدنا جيلا او اثنين الى الوراء، الى اسرائيل ما قبل عصر الفاتورة. كانت تلزم سنوات كي يعتاد جزء كبير من السوق على العمل المرتب والمراقب؛  كانت حاجة الى سنوات لجعل رنين الصندوق المسجل في الحانوت واجبا مفهوما من تلقاء ذاته. فانماط السلوك تهدم بسرعة أما اعادة بنائها فيستغرق سنوات.

وضعت جائحة الكورونا في الاختبار الاعلى العقد الذي بين الحكومة والمواطن. يمكن صياغة العقد على النحو التالي: أنا المواطن، انتخبكم، واعطيكم قوة هائلة، في الاحياء والاماتة. سأخدم في الجيش وادفع الضرائب، وانتم تحرصون على ضمان امني، رفاهي ومستقبل اولادي.  

فهل اوفت حكومة إسرائيل بشروط العقد في فترة الكورونا؟ نعم ولا. نعم، لانها تعاطت مع الوباء بجدية واستثمرت في التصدي لها الوقت والمقدرات. ولا، لان عملية اتخاذ القرارات تلوثت بمصالح سياسية وشخصية، وفي نهاية المطاف ضاعت ثقة الجمهور.

يكشف الاغلاق الثالث وجهي العملة. من جهة، إحساس بالفخار بالتطعيمات التي وصلت، بحملة المشتريات الناجحة التي ادارها رئيس الوزراء وبالخدمة النوعية، الكونية، لصناديق المرضى؛ من جهة أخرى، استخفاف بالقرارات المتشددة التي تفرضها الحكومة. يتهم نتنياهو زملاءه السياسيين من الحكومة والكنيست، في انهيار الاغلاق. هذا نبأ ملفق، دعاية انتخابية. من جعل الاغلاق  ينهار هم المواطنون. فقد فهموا بان الحكومة لا تعمل من أجلهم، وردوا بما يتناسب مع ذلك.

نتنياهو يعنى بالتسويق. اغلاق قصير وكامل كان سيوفر له اعدادا مبهرة يلوح بها أمام الجمهور. ولكن اغلاقا كاملا لا يمكنه ان يفعله. فالوسط الاصولي يرفض اغلاق مؤسساته التعليمية. ولا يوجد سبيل لفرض عمل ذلك عليه وحتى لو كان يوجد – نتنياهو لا يمكنه ان يسمح لنفسه بالخصام مع الجمهور الاصولي. عندما تصل الإصابة في بيتار عيليت الأصولية الى السماء وتكون في تل أبيب هامشية لا يوجد سبيل للاغلاق في تل أبيب وإبقاء بيتار عيليت مفتوحة، ففي تل أبيب أيضا يوجد ناخبون.

لا يوجد سبيل لاقناع الجمهور بان القرارات نقية عندما يستعبدها رئيس الوزراء لحملته في العلاقات العامة. وتسييس الوباء كان اشكاليا من اليوم الأول، ولكن في فترة الانتخابات يكون ضرره مضاعفا.

ليس بسيطا ان تدار أزمة في ظروف انعدام اليقين. ولكن التأجيل، التذبذب، الهذر، الاتهامات الشخصية، كل مزايا طريقة تصدي الحكومة في المواضيع الأخرى اضافت فخرقت الثقة. اما القشة التي قسمت الظهر فكانت الفكرة الأخيرة التي طرحها البروفيسور غروتو: تأجيل حقنة التطعيم الثانية.

في نيسان او في أيار سنعود على ما يبدو الى الحياة السليمة، الى هذا الحد او ذاك. الاقتصاد سينتعش. فهل بالسرعة ذاتها ستختفي ازمة الثقة بين الحكومة والمواطن؟ ليس مؤكدا. الدرس الذي تعلمه الجمهور من التصدي للكورونا مركب. من جهة، الكورونا هي مثل الحرب: لا يمكن الانتصار فيها الا من خلال تدخل مكثف للحكومة. من جهة أخرى لا مكان لاطاعة نزوات الساحة السياسية. فقادة الحكومة يهتمون للمواطن بقدر لا يقل عن اهتمامهم بأنفسهم. احترموه، شكوا به وغيروه – هذا هو الاستنتاج.