مجنونان من بني رومان!

توفيق أبو شومر.jpg
حجم الخط

بقلم: توفيق أبو شومر

أعاد لي، الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، سيرة شخصية رومانية منذ زمن بعيد، يرجع السبب إلى ما جرى في مبنى، الكابتول، حين اقتحم الرُّعاع من أتباعه مبنى الكابتول، في واشنطن، يوم 6 -1 - 2021، أعادت لي تلك الأحداث ذكرى شخصية تاريخية يعود تاريخها إلى السنوات الأولى من بداية التاريخ الميلادي، هذه الشخصية التاريخية تشبهه في كثير من المواقف والأفعال والتفاصيل، ففي حياة الشخصيتين تماثلٌ يصل لدرجة التطابق؛ فحالتهما النفسية واحدة، كما أن هناك امرأتين كان لهما النفوذ على هاتين الشخصيتين، الأولى، إيفانكا، ابنة ترامب، زوجة جاريد كوشنر، والمرأة الثانية هي أخت القائد الروماني، كاليغولا، اسمها، دروزيلاّ، كما أن الاثنين يشتركان في هواية تجمعهما، هي حلبة المصارعة!
أعاد لي، ترامب صورة القائد الروماني المشهور، كاليغولا، في القرن الأول الميلادي، هذا القائد خلَّده التاريخ لا لإنجازاته الفعلية على أرض الواقع فقط، ولكن لجنونه، ما جعل سيرتَه تصبح بانوراما فنية في عصر خالٍ من شبكات التواصل الرقمية، انتقلت سيرتُه من كتب التاريخ إلى مسارح العالم، في صورة مسرحيات وتمثيليات.
كان اسمه الحقيقي قبل لوثة الجنون، غايوس قيصر، بدأ السنة الأولى في الحكم حاكماً عادلاً منصفاً، أصبح معشوق الجماهير، منح الجيش الروماني مكافآتٍ سخية، عوَّض المتضررين من نظام الضريبة القاسي، ثم ابتدع (حلبات المصارعة) للتنفيس عن احتقان أهل روما!
يُقال إنه كان مولعاً بأخته، دروزيلا، يُحبها حُبَّا جماً، يُشاع أنه مرضَ، أو سُمّمَ، ربما، بمرض كما مرض ترامب! تغيَّرتْ حياتُه تغييراً كاملاً بعد الشفاء، بخاصة بعد موت أخته، فأطلق على نفسه لقب، كاليغولا، أي الحذاء، أصيب بلوثات جنونٍ، شرع في تصفية المقربين منه لخوفه من تمردهم، نفى كثيرين من أقاربه، ساءتْ علاقتُه مع البرلمان الروماني، بادعاء أنهم استولوا على سلطاته، بلغ به الجنون أنه اعتقد أنه أصبحَ إلهاً. عبادته واجبة!
سأظل مسكوناً بمسرحية، كاليغولا، للكاتب الجزائري المولد، الفرنسي الجنسية، الحاصل على جائزة، نوبل في الآداب العام 1957، المتوفى العام 1960م، ألبير كامو، كتبها العام، 1944:
«أذلَّ، كاليغولا، نوابَ البرلمان، لم يكتفِ بتعيين حصانه عضواً في البرلمان، بل قرر أن يُرغم أعضاء البرلمان على أن يُشاركوا حصانَه وجبة غداءٍ يأكلون فيها العلف، التبنَ، والشعير، إلى أن ظهر بطلٌ قام باغتياله!».
استنتج المؤرخون العرب من خلال قراءتهم للتاريخ، ركائز مهمة تشير إلى بداية سقوط الدول والإمبراطوريات، وأشاروا إلى أنَّ لكل امبراطورية نهاية قد يكون طغيان العظمة، والجنون، والترف علامة من علامات سقوط الدول والامبراطوريات، فالمبدع العلامة، ابن خُلدون، عالم الأنثروبولوجي، قبل أن يُنحتَ هذا المصطلح، كتب في مقدمته أطوار الدول: «تمر الدول والحكومات في أطوارٍ من القوة إلى الهرم، تبدأ بالظفر بالمُلك والاستبداد، ثم اصطناع الموالي والمقربين، ثم السلام والدَّعة، ثم الإسراف والتبذير، ثم أخيراً، الاستعانة بالأجنبي!»
لو عاش ابنُ خلدون في عصر، ترامب لأضاف بعد الاستعانة بالأجنبي، أي (الاستعانة بروسيا)!
كذلك فإن العلاّمة، عبد الرحمن الكواكبي، المتوفى 1902، أشار بحاسة المؤرخ إلى أبرز عيوب الرؤساء والأمراء والقادة، ما يُعجل بنهايتهم قال، في كتابه الممنوع، طبائع الاستبداد، ومصارع الفساد، مشيراً إلى صفات الحاكم (الفرد) الديكتاتور:
«أشد مراتب الحكومة المستبدة، التي يُتعوَّذ بها من الشيطان هي، حكومة الفرد المُطلق، الوارث للعرش، القائد للجُند، الحائز على رُتبةٍ دينية»!
ولو عاش الكواكبي في عصر، ترامب أيضاً لأضاف إلى ما سبق صفة أخرى، وهي الحاكم المصاب بجنون العظمة والعنصرية!