تعتبر أزمة انخفاض أسعار النفط أكبر صدمة عانى منها الاقتصاد العالمي في عامي2014/ 2015, حيث شهدت أسعار النفط هبوطاً دراماتيكياً في أسعاره , حيث واصل سعر النفط من خام أوبك منذ 22 يونيو 2014 تراجعه على نحو كبير من مستوى 107 دولاراً للبرميل ليصل سعر النفط من خام أوبك إلى حوالي 45 دولاراً للبرميل بنهاية شهر أكتوبر الحالي 2015, وقت كتابة هذه الدراسة, وهو ما يعنى أن سعر النفط قد تراجع بحوالي 60% من قيمته أى اقل من النصف, وهو أدنى سعر يصل إليه منذ العام 2009 ", وهو ما يجعل العالم من وجهة نظري مقبلاً على أزمة اقتصادية عنيفة قد تتجاوز آثارها وانعكاساتها الأزمة المالية العالمية التي شهدها العالم خلال العام 2008.
لا يزال خطر انخفاض أسعار النفط يثير أسئلة كثيرة "بشأن أسبابه وعوامله, كما تتعدد المداخل والنظريات المفسرة لهذا التراجع اقتصادياً وسياسياً خاصةً أن هذا الانهيار المفاجئ لا يتواءم مع منطق وآليات السوق النفطية "العرض والطلب", وزيادة المخاطر والتوترات الأمنية التي تهدد خطوط الإنتاج والإمداد ما يجعل هذه السلعة في ارتفاع. ويتوقع الخبراء أن يستمر تراجع أسعار النفط في المرحلة المقبلة لاعتبارات كثيرة, بعضها يرتبط بسوق الطاقة نفسها, وبعضها بالتغير الذي طرأ على خارطة الإنتاج والمنتجين في السنوات الأخيرة.
وعلى الصعيد الإقليمي تستمر الدول الأساسية المنتجة للنفط كدول مجلس التعاون الخليجي الست, بالإضافة إلي إيران والعراق وليبيا في رفض تخفيض الإنتاج لإعادة التوازن إلي سوق النفط ووقف انهيار الأسعار.
أما على الصعيد العالمي فقد بات مستقبل إنتاج الطاقة منقسماً بين معسكرين: الأول: بقيادة السعودية والولايات المتحدة الأمريكية, والثاني: بقيادة روسيا وإيران. وتأتي هذه التغيرات الاقتصادية والسياسية والأمنية في ظروف عالمية وإقليمية غير مستقرة, مما يزيد من صعوبة الأزمة, حيث تشهد مناطق الإنتاج توترات جيوسياسية, خاصة منطقة الشرق الأوسط وروسيا التي تواجه حرباً باردة جديدة مع الطرفين الأوروبي والأمريكي, فضلاً عن العوامل المناخية الدافعة لزيادة الاستهلاك العالمي خلال فصل الشتاء, والتي كان من المفترض معها أن تزيد أسعار النفط لا أن تنخفض.
هذا التعقيد الذي يثيره موضوع انخفاض أسعار النفط, حيث بدأ البعض يتداول مصطلح "حرب نفطية عالمية", كان مثار هذه الدراسة عن سؤال مركزي: ما أسباب هذا التراجع في أسعار النفط؟ وهل سيستمر تداول النفط الخام عند هذه المستويات المنخفضة لفترة طويلة من الزمن, أم أننا سنشهد ارتداداً ما في أى وقت خلال المستقبل القريب؟ أم ستبقى الأسعار على ما هي عليه على المدى البعيد وما هو انعكاسات ذلك على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي؟ لذا لا بد من الوقوف على الأسباب والسيناريوهات الكامنة وراء انخفاض سعر النفط على نحو يمكن معه طرح عدد من البدائل والإجراءات المقترحة لمواجهة المخاطر والانعكاسات المحتملة على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.
نحاول في هذه الدراسة تقديم إجابات عن التساؤلات الرئيسية حول أسباب انخفاض أسعار النفط, وفي إيجاز الانعكاسات المحتملة لذلك بالنسبة لاقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي, والتوقعات الخاصة بمستقبل الأسعار في ظل التطورات الراهنة التي تشهدها سوق النفط العالمية.