الانتخابات والتوافق المطلوب

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

بقلم: ريما كتانة نزال

أولاً: التوافق المسبق يجنبنا تكرار تجربة 2006
بعد طول انتظار، صدر أخيراً مرسوم الانتخابات الذي يحدد مواعيد الانتخابات العامة، وتأخر صدور القرار بقانون رقم (1) للعام 2021 حول التعديلات المدخلة على قانون الانتخابات العامة. لقد تأخرا عن موعدهما أكثر من عشر سنوات، رغم أن الدعوة للانتخابات تكررت ستّ مرات منذ الانقسام ولم يكتب لها النجاح.
إذا ما احتكمنا إلى التفاؤل في التفكير، فإن صدور المرسوم الرئاسي والتعديلات على القانون يفتحان صفحة جديدة لتغيير المشهد الانقسامي وتجديد الشرعيات المتآكلة، واستعادة الفصل بين السلطات التي لم تؤد إلى تماهيها فقط، بل إلى تركز السلطات بيد السلطة التنفيذية واستفرادها بالقرار والصلاحيات، لكن ما يجب أن نتذكره جيداً أن شرط تحقق ما سلف ذكره وتصويب العلاقات بين البنى الرئيسية في النظام وعودة اللعبة البرلمانية، هو إجراء الانتخابات نفسها ضمن المواعيد المحددة في المرسوم الرئاسي.
ومع صدور المرسوم، فإن الجدل ما زال قائماً حول عدم الجاهزية لخوض الانتخابات؛ حيث لا يزال عديد القضايا لم ينتهِ التوافق عليها، كي تحقق الانتخابات الأهداف المرجوة منها وتتحول إلى بوابة عريضة لاستعادة الوحدة الوطنية وعدم النكوص والتراجع، حيث التجارب على هذا الصعيد مُرّة وكانت لها انعكاسات كارثية داخلية وخارجية كلنا بات يدركها جيداً.
وخلاصة القول: إن الولوج الآمن نحو مرحلة جديدة مغايرة للراهنة، تتطلب الحذر وتعزيز الوضع الفلسطيني والبوادر الإيجابية التي تلوح رغم الضباب الذي يخيِّم حول عناصرها، وهذا يعني بداهة تجنب التفكير في السير بطريق المصالحة على الطريقة العشائرية وصفقاتها، بل بالتوافق وتقديم الإجابات الواضحة عن الأسئلة المطروحة، والاتفاق على جميع التفاصيل بشكل مُسبق حتى لا يتكرر ما حصل في العام 2006، خاصة أن البدايات لم تكن مُبشرة بالخير حين صدور القرار بقانون الخاص بقانون الانتحابات العامة دون توافق على محدداته الرئيسية، وبالتالي قوبل بانتقادات جوهرية وتم تسجيل المثالب عليه.
لم يفت الأوان أمام التوافق بعد، ولا يزال الحوار ممكناً بل مطلوباً بالسرعة الكليّة، من أجل الاتفاق على القضايا الجوهرية محطّ الخلاف من خلال الإقرار بأننا مختلفون، والتعامل مع قضايا الاختلاف على أساس عدم فرض أحد إستراتيجيته على الآخر، فدولة الاحتلال لنا بالمرصاد وتعمل على تصفية القضية الفلسطينية وزوالها وتحويل الواقع إلى إمارات محلية متفرقة.
ويجب ألا يغيب عن بالنا أن الانتخابات وحدها لا تأتي بالمعجزة، ولا تغدو مدخلاً لاستعادة الوحدة الوطنية وحمايتها من الانتكاسات دون تَفهُم الواقع المركَّب وما تسبب به الانقسام من تعقيدات على أكثر من صعيد ومستوى، والتوافق بداية والتعهد بالالتزام بنتيجة ما تتمخض عنه الانتخابات. وكذلك الانطلاق بداية بأن النظام المتماسك المأمول لا يُبنى بوقت قصير في إطار المخاطر المحيطة بنا من جميع الاتجاهات، وفي ظل وضع داخلي مُهلهل بما يتطلب المصداقية والوضوح مع شعبنا أولاً.

ثانياً: الكوتا في التعديلات القانونية
إبداء الاستغراب في أوساط الحركة النسوية من عدم تطبيق قرارات المجلسَين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية المتعلقة بتخصيص 30% من المقاعد للمرأة، له ما يبرره. فقد طال انتظار التطبيق وخاب أمل الحركة النسائية والمجتمعية في عدم تنفيذ الاستحقاق المؤجل، ما يؤكد إصرار صانعي القرار على الإجحاف بحقوق المرأة وخلق الفجوات بين الخطاب والممارسة.
ومن المؤسف الاعتياد القيادي على عدم الالتزام بحقوق المرأة والتعهدات المقطوعة في المرجعيات الوطنية، ما يشير إلى أن عملية التغيير نحو التقدم في المجتمع الفلسطيني ستبقى بطيئة جداً، ولكن ما هو ليس اعتيادياً أن يكون التغيير العكسي باتجاه التراجع، أسرع. بما يجعل الأمور تبدو كأنه ليس لدى أصحاب القرار سياسات أو استهدافات اجتماعية تثويرية تنقل المجتمع إلى وضعية المساواة والعدالة الاجتماعية.
وحتى لا نُتَّهم بالمبالغة فسنتحدث بلغة الأرقام، فعندما لا تلتزم الهيئة التي صنعت قرار 30% بتطبيق قرارها تصبح الفكرة «كاريكاتورية»، وهو ما يُعبِّر عنه بجلاء عدم تجاوز عضوية المرأة في المجلس الوطني نسبة الـ10% فقط وحصولها على نسبة 8% من عضوية المجلس المركزي، أما على صعيد اللجنة التنفيذية فقد اقتصرت مشاركتها على 6% من أعضائها. ومعلوم أنه عندما يكون حال المشاركة في الهيئات التي أقرت النسبة هكذا، فسيتبعه عدم التزام الأحزاب والنقابات والاتحادات الشعبية والمجالس الطلابية برفع مشاركة المرأة في بُناها. علماً أن التعديل المقر قانونياً بما هو ترتيب وضعية المرأة في القوائم الانتخابية لن يقفز في أعلى التوقعات عن 25% من حجم عضوية المجلس التشريعي وبواقع 33 عضوة لا أكثر من أصل 132 مقعداً، بينما ستحصل على 39 عضوة في حال تطبيق القرار، أي بفارق ست عضوات بين الرقمين. وفي كل الأحوال سيحسم العدد الذي ستحصل عليه المرأة عدد القوائم المرشحة وترتيب المرأة فيها.
لن تضيع الحقوق التي يقف خلفها من يستمر في المطالبة بها بلا كلل أو ملل، وهذا ما يجب أن تدركه نساء فلسطين المجحف بحقوقهن، ولكن إلى حين الوصول لتحقيق لحظة إقرار المناصفة في جميع البنى والهياكل، أدعو الأحزاب السياسية التي لديها إرادة وانضوت في إطار «التحالف الوطني لتعزيز المشاركة السياسية» إلى إدراج العضوات في قوائمها بواقع نصف عدد القائمة، وتوخي ترتيبهن في مقدمة القوائم الانتخابية بديلاً عن إدراجهن التقليدي في نهايتها.