المصالحة "الفوقية" لا تنهي الكارثة الانقسامية !

حجم الخط

كتب حسن عصفور

مع كل حدث يشير الى "حالة توافقية" في الحالة الفلسطينية، وتحديدا بين قطبي الأزمة الوطنية الكبرى، فتح  وحركة حماس، تنطلق التصريحات من بعض مسؤوليهما وكأن الأمر انتقل من ظلام سام الى حالة إشراقية، في تعامل يكشف "خفة سياسية نادرة"، من الحديث التصالحي.

ولو عاد بعض هؤلاء لحقيقة البعد الانقسامي لاكتشف أنه بدأ عمليا، مع انطلاقة حماس أواخر ديسمبر 1987، ورفضها الصريح ان تكون جزءا من "القيادة الوطنية الموحدة" للانتفاضة الوطنية الكبرى، وأعلنت أنها تسير في خط مواز لمسار منظمة التحرير، فصائل ومؤسسات، أي أن جذر الانقسام لا علاقة له إطلاقا باتفاق "إعلان المبادئ – أوسلو"، فتلك الأيام كانت تشكل مفاصل ثورية تاريخية للشعب الفلسطيني، ما يكشف أن "الانقسامية" هي ثقافة حزبية – فكرية عند حركة حماس.

المصلحة والنشأة حكما سلوكها نحو منظمة التحرير، رغم أن الشهيد الخالد ياسر عرفات وقيادة المنظمة وفتح، حاولا بكل السبل قطع الطريق على المشروع الانقسامي الجديد للحركة الإخوانية، والعمل على منع تشكيل بديل / بديل مواز له حسابات غير فلسطينية، ترتبط بجماعة لها مصالح مباشرة مع أنظمة عربية وغير عربية، لكن الجهود كافة فشلت، عندما أصرت حماس أن يكون تمثيلها 30% من منظمة التحرير، في طلب يمثل رسالة لاستمرارها الانقسامي.

وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، ذهبت حماس الى العمل، وضمن تحالفات مركبة، على التخريب بكل السبل لعدم تطور الكيانية الفلسطينية، في توافق موضوعي مع قوى عربية – إقليمية رفضت الاتفاق من باب "السيطرة" على القرار الفلسطيني، واليمين المتطرف الفاشي في إسرائيل، بقيادة نتنياهو -شارون.

الربط بين موقف الحركة الإسلاموية ما قبل اتفاق أوسلو وبعده، للتدليل أن الانقسامية ليست ردا على فعل لمنظمة التحرير والثورة الفلسطينية، بل هو خيار ومنهج فكري مصلحي مرتبط بعقيدة الإخوان المسلمين، والتي تجيز "التغيير" لو مصلحتهم، وليس مصلحة الوطن، تحدد ذلك.

ولن نذهب للاستشهاد بسلوك الجماعة الإخوانية منذ النشأة، مع الأنظمة العربية وخاصة الرجعية منها، وموقفها من أمريكا، بل سنتوقف أمام "الانقلاب الكبير" لحركة حماس عام 2005، عندما قررت الموافقة على الرغبة الأمريكية – الإسرائيلية للمشاركة في انتخابات "المجلس التشريعي" لسلطة الحكم الذاتي، التي أساسا فقدت كثيرا من قيمتها الأولى بعد اغتيال الخالد، وحرب السنوات الأربع، لكن قيادة حماس لم تشترط أبدا، إنهاء الاتفاقات مع إسرائيل، كما فعلت عام 1996، وشاركت لأن قيادة الجماعة الأم، وعبر قطر طالبتها بضرورة المشاركة بلا شروط، فكان القرار ليس استجابة لمصلحة وطنية بل تلبية لغير ذلك.
ولأن "الانقلاب الحمساوي السياسي" حدث، بلا أي تفاهم وطني، استمرت الثقافة الانقسامية داخل الفكر الحمساوي – الإخواني، ولم تتغير أبدا اعتبارهم أن فتح وغيرها "فصائل ردة"، ومن راقب سلوك عناصر حماس في زمن الانقلاب الأسود 14 يونيو 2007، سيدرك حقيقة الأمر، ان العداء الحاقد هو القاعدة، وهو قبل غيره رافعة حماية الانقسام واستمراره طوال تلك السنوات.

وكي لا يعاد انتاج ذات المشهد الظلامي الذي نتج عن 2005، لا بد من البحث عن معالجة السرطان الفكري العدائي – الانقسامي، من جذوره، وليس عبر لقاءات تنتهي قيمتها مع انتهاء الأحضان والقبلات المهرجانية، ولو أريد معرفة حقيقة العمق العدائي وليس الانقسامي، تابعوا كل ما ينشر على مواقع التوصل الاجتماعي بين قواعد قطبي الأزمة وكادرهما...وخاصة منتسبي حماس.

المصالحة لا يمكن لها أن تكون عبر بيان، ولنتذكر تجربة الثورة الفلسطينية، عندما كانت أحداث انقسامية تتسلل اليها، لأسباب مختلفة، غالبها تدخل إقليمي عربي لم تكن العدائية جزء من ثقافة قواعد قوى الثورة، بل على العكس تستمر الحالة الوحدوية في مختلف المنظمات الشعبية، خاصة الاتحاد العام لطلبة فلسطين، الذي مثل قلبا نابضا للثورة، لذا كان يسهل جدا عودة الحالة الوحدوية.

قبل الفرح بتلك البيانات الصماء، فكروا كيف يمكن معالجة الخلايا السرطانية الانقسامية في الجسد العام، لو حقا كان الهدف وطنيا بالمعنى العام...دونه لتبدأ تجهيز حركة نعوش المشهد الوطني الى مثواه الأخير.

وكما يقال شعبيا: يا ناس ياللي فوق اطلعوا (بصوا) على اللي تحت!

ملاحظة: تصريحات د. حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات حول مشاركة "أهل القدس"، قدمت تنازلا مبكرا لدولة الاحتلال، بالحديث عن أقصى الطموح ان تكون كما كانت 2006...الطريف أن حماس لم تعد تهتم بالقدس مشاركة كاملة الأركان!

تنويه خاص: نصيحة الى "يسار المشهد الفلسطيني"، ان ينسقوا مواقفهم بعيدا عن النرجسية...فكما نسق قطبي الانقسام كل شيء، عليهم ترتيب أوراقهم كي لا يصبحوا ملحقا في ذيل الانقساميين الجدد...!