هل مركز الثقل والقرار الفلسطيني المجلس التشريعي أم المجلس الوطني وما النتائج؟

حجم الخط

بقلم:د. احمد قطامش

 

سؤالان يصطخبان تناقضات عديدة والاجابة عليهما تنطوي على تباينات أكثر وشأن اية مسألة سيسيولوجية ثمة تربة خصبة للخلاف والتنوع ، فما بالكم عندما تفتح النافذة على المشهد السياسي؟

اسوق ادناه مقاربة لا تزعم أي قدر من اليقينية، وانما اجتهاد وحسب "وللمجتهد ان أصاب ثوابان وان أخطأ ثواب واحد"

"1"

معلوم للقاصي والداني ان الشعب الفلسطيني يتكون من نحو 13.7 مليون نسمة حسب آخر تقرير لدائرة الإحصاء المركزية ، الداخل (3 ملايين واكثر في الضفة الفلسطينية وأكثر من 2 مليون في قطاع غزة ونحو 1.6 مليون في ال 48 وفي الخارج (حيث أكبر تجمع في الأردن بما يناهز 3 ملايين ونحو نصف مليون في سوريا و300 ألف في لبنان وباقي الدول العربية والولايات المتحدة وأوروبا وشتى بقاع الدنيا.

وعلى امتداد عشرات السنين من النضال التحرري تحركت الفاعلية الكفاحية الأولى بين الأردن ولبنان والداخل في زمن الجيشان الانتفاضي في أواخر 87 وصولا الى قطاع غزة الذي خاض ثلاثة حروب في عقد ونصف، اما مركز القرار السياسي فقد ارتبط بقيادة م.ت.ف حيثما حلت الى ان جرت انتخابات 2006 وانشطرت السلطة الى سلطتين واحدة في الضفة والأخرى في غزة .

ومثلما حدثت تحولات جذرية على العامل الديموغرافي الفلسطيني من 1.15 مليون عام 48 الى نحو 13.7 مليون حاليا، فقد طرأت تحولات جذرية على الهوية الوطنية التي تشكلت على امتداد تاريخي طويل، جراء التطهير العرقي والنكبة عام 48 وما توالد عن ذلك من لجوء ومخيمات وظهور فصائل مقاومه بطابعها العلماني اجمالا وتعليم عصري وتثاقب ولاحقا صعود قوى المقاومة الإسلامية .

وفي العقود الأخيرة شهدت الصيرورة الفلسطينية قفزات في حجم الطبقة الوسطى ( أفضل تعريف لها خريجو الجامعات) وحسبنا القول ان 250 ألف طالب وطالبة يدرسون في جامعات الضفة وغزة هذا العام فيما تنامت اعداد العمال الذين يبيعون قوة عملهم في وسائل انتاج لا يملكونها وهي تناهز اليوم 450 ألف عامل من أصل 1.2مليون هم قوة العمل الاجمالية. والفلاحون الذين يملكون استثماره ويعيشون منها انخفضوا من 60% من قوة العمل عام 1967 الى اقل من 5% هذه الأيام .

اما الخارطة السياسية الفلسطينية فاهم مكوناتها حركة فتح وسلطتها في الضفة وحركة حماس وسلطتها في غزة ، وأشار آخر استطلاع ان حجم كل منها 32-33% وفصائل أخرى أهمها الشعبية والجهاد بحجم يتراوح بين 3-4% والديمقراطية 1% تقريبا وفدا والنضال والصاعقة والقيادة العامة والتحرير الفلسطينية والعربية والمبادرة، اعطى كل منها اقل من 1% وهذا حال صلاح الدين ولجان المقاومة الشعبية وحزب التحرير ، اما تيار دحلان فثمة ضباب ولكنه لا يقل عن 4%.

وما يتوجب عدم اغفاله هو القاعدة الصامتة الذي يعلن غير استطلاع عدم تأييدها لكل الفصائل بنسبة تتراوح بين 30-40 % .اما م.ت.ف كعنوان جامع فتأييدها الذي كان 97% في استطلاع نيسان 1988 هبط بتدرج الى 60-70% في العقد الأخير .

وقصارى القول ثمة حراك دراماتيكي في الهوية والتركيبة الطبقية والخارطة السياسية على حد سواء .

والكل الفلسطيني دون استثناء يطنب في الحديث عن المؤامرات التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه، سواء مؤامرات سياسية او عسكرية او اقتصادية او ثقافية او اغتيال معنوي لرموزه وتضحياته ومقومات وجوده وجدوى نضاله. وعليه لا يوجد جماعة سياسية واحدة او منظمة أهلية او لجنة شعبية او فاعلية ثقافية او اعلامية او فنية او منظمة غير حكومية ترحب بمخططات شطب الشعب الفلسطيني وتصفية حقوقه.

والرؤى تتعدد في تعريف الشعب وتعريف الحقوق وتعريف خارطة الوطن وسبل المقاومة وجهود التسوية ومنطلقات التنمية والزوايا الفكرية والمصالح الطبقية والنخبوية . ويتقدم الصفوف الخلاف السياسي والمواقف السياسية واليات صناعة القرار.

وهناك نماذج عرفتها البشرية في توحيد ارادتها رغم تبايناتها وتعدد قواها وتناقضاتها . النموذج في جنوب افريقيا حيث ضم المؤتمر الوطني الافريقي نحو 700 منظمة وتشكيل من افارقة وهنود وشيوعيين وقوميين ونقابات ومبادرات تكللت مسيرته بالإطاحة بالابارتهايد ، ونموذج الفيتكونع ، أي الجبهة الوطنية في فيتنام المكونة من 17 حركة وملّة وعرقا بقيادة هوتشي مين وقد دحر الغزو الأمريكي ومن قبله الفرنسي والنموذج البلغاري، حيث ضمت الجبهة الشعبية شيوعيين واشتراكيين ومكونات عدة واطاحت بالفاشية. والنموذج اللبناني وأبرز معالمه تعايش المقاومة مع حكومة بيروت في سنوات ما قبل تحرير الجنوب عام 2000 وتحالفها مع قوى ليبرالية ويسارية في حرب 2006.

لم يكن قدراً ان تنقسم الساحة الفلسطينية بهذا الغلّو وإطلاق عفاريت لا ضابط لها في البقاع والبداوي وبعد اتفاق أوسلو واقتتال غزة ، اذ من الممكن أيضا إدارة التناقضات بوتيرة أخف ودونما دماء او تخوين او عقوبات مالية واعتقالات متبادلة وصولا الى انقسام سياسي- جغرافي وتعبئة تتجاوز الكراهية الى العداء.

لسنا دولة مستقلة ولا سيادة لنا على شبر واحد ليجد المسوغون تبريراً للصراع على السلطة او اسقاط مقولات جاهزة عن الصراع الاجتماعي وكأنه التناقض المركزي ، وحتى لو اصبح لنا دولة وسيادة فلا مهرب من توحيد الجهد الفلسطيني او معظمه للخروج من التخلف والسير في طريق التنمية والتصدي لأساسيات القضية الفلسطينية دون تفريع للجوهري وجوهرة الفرعي ، غير اننا لم ننفك في مرحلة النضال التحرري، وهذه مرحلة لا تنتهي الا ببلوغ أهدافها ، وفيها لا يكون التناقض الأساسي وفي كثير من الأحيان الرئيس الا التناقض القومي (الوطني) اخذين بالحسبان اننا لسنا وحدنا من يقرر مستقبل فلسطين حاضرا في الذهن مسار تاريخي يتجاوز أربعة الاف عام، ففلسطين لم تحرر نفسها وحدها في يوم من الأيام .

والانكى ، من الناحية التكتيكية ان لا تسوية في الزمن المنظور ، لا سلمية تعيد الحد الأدنى من الحقوق الوطنية، ارتباطا باختلال ميزان القوى والتحالف الإستراتيجي بين الإدارات الأمريكية وحكومات تل ابيب مهما تبدلت الأسماء ، ولا استسلاميه تملي شروطها التدميرية للحقوق الوطنية والوحدة الكيانية للشعب الفلسطيني على غرار صفقة القرن وعشرات المشروعات قبلئذ .

بات الشعب الفلسطيني حقيقة وطاقة صموديه وكفاحية لا ينضبان مهما عصفت فيه الاخلالات. لقد مضى زمن شطب الشعب الفلسطيني واطفاء جذوة كفاحه. تذهب قيادات وتأتي قيادات ، تغادر أجيال وتحل أجيال اما المسيرة الفلسطينية فمستمرة ، وكأن كلمات الشهيد عبد القادر الحسيني منذ أكثر من سبعة عقود نبوئية ( سيظل شعب فلسطين يثور جيلاً بعد جيل الى ان تتحرر فلسطين، فما بالكم وعدد من التغيرات العالمية والإقليمية تصب في طاحونة الشعب الفلسطيني بهذا القدر او ذاك .

وتأسيسا ، لا يفيدنا سوى ان يجتهد العقل الفلسطيني في العثور على ما أمكن من القواسم التي تكفل ترتيب مساحات من البيت الفلسطيني وتعزيز مناعته ومقومات صموده وحياته، وبالتالي التعايش مع الافتراقات والخلافات التي لن تزول طالما ان المعطيات التي انتجتها قائمة ومستمرة .

"2"

ما اسلفناه ،لا جديد نوعي فيه، ولكنه يشكل مقدمة للتحدي الذي توالد عن المرسوم القاضي بتنظيم انتخابات متتابعة.

وهنا يجدر التحذير ، المسألة ليست إجرائية ،التتابع ، رغم أهميتها بل هي سياسة تطل على نافذة القرار الفلسطيني ، أي البوصلة التي تنظم خط السير الفلسطيني ومركز الثقل الحاكم للنظام السياسي ، أي عمود الخيمة الذي تنهض عليه الخيمة ، وفيما إذا كان قادراً ان يعيد انتاج الازمة المستشرية التي استنزفت الكثير من رحيق الشعب الفلسطيني .

لا مناص من ان تكون الحسابات فلسطينية ، لا فصائلية ولا نخبوية ولا زعاماتية ولا مصالح ضيقة اما ان تكن كذلك ( فمن الجنون ان تتوقع نتائج مختلفة وانت تتبع نفس الطريق) اينشتاين و( ما فائدة الركض على الطريق الخاطئ ) مثل الماني فذلك لن يفضي الا إعادة انتاج الحالة القائمة التي يتذمر منها الجميع وربما أسوأ من ذلك .

ولم يعد بكافٍ تكرار عبارات مستهلكة تنطلق من هذه العاصمة العربية اوتلك بأن فلسطين هي القضية المركزية وقضية العرب الأولى او ادانة التطبيع وان الشعوب معنا .

فالإقليم ينقسم ، وثمة قوى صاعدة وفي لغة الادب الثوري الصيني ( ينبغي الرهان على القوى الصاعدة لا الشائخة) المرشحة أكثر من سواها لرسم مستقبل الإقليم . وقيمة التحليل السياسي انه التوطئة التي تمهد لاستخراج المواقف والتحالفات والتموضع والاصطفافات .

(التعاسة في السياسة هي عدم تمثل المتغيرات ) لينين، ولتفادي التعاسة يتعين القبض على المتغيرات ، واهمها التغيرات العالمية والإقليمية وصولا الى قراءة احتمالات المستقبل، وعلى الاقل المنظور.

لم يعد بخافٍ ، استناداً الى ما تنشره وسائل الاعلام ، ان الأوروبيين الذين لا يتحركون بمعزل عن الامريكان، يحثون الفلسطينيين على اجراء الانتخابات ، تعبيداً لمسعى امريكي تسووي . وبايدن الرئيس الأمريكي المنتظر تنصيبه اليوم ، أعلن صراحة ان قوة أمريكا من قوة تحالفاتها، صحيح ان إدارة بايدن مثقلة بملفات كبرى (ليس هنا مجالها) ولكن الشرق الأوسط احداها. ومثلما عاد الروس للمنطقة من خلال دورهم النشط والمثابر والحازم في سوريا فللشرق الأوسط أهميته الاستراتيجية . وان لم تعد كما كانت قبل انتقال مركز ثقل الاستثمار العالمي الى جنوب اسيا وخط الحرير وصعود التنين الصيني .

وإدارة بايدن والدولة العميقة كما البنتاغون والاحتكارات المعولة كلها حامي وراعي (للجوهرة الثمينة) ريغن ولن تكون اقل اسنادا من إدارة أوباما..

ومع ذلك ثمة من يراهن فلسطينيا على إدارة بايدن ووزير خارجيته. طبعا هناك بطارية حجج لمن يراهن وبطارية حجج لمن يناهض ولا يشكل إضافة معرفية سوق هذه الحجج والاشتباك فيما بينها او بين منطقها الداخلي ، ذلك انه امتداد للاشتباك حول مبادئ ومسار أوسلو .

والقيمة ذات النفع ان يكون ثمة إدراك بان مسعى امريكي في الطريق ، لن يكون محط اجماع فلسطيني .

صحيح ان قيادة السلطة الفلسطينية مبتهجة بفوز بايدن ، وهل من أحد يبتهج لو فاز ترامب ، وتصريحات وزير خارجيتها ، فذلك اخرجها من ضغوطات صفقة القرن واستحقاقاتها، وأول هدف لها من اجراء الانتخابات توحيد السلطتين في الضفة وغزة وتتويجها ممثلة للفلسطينيين وناطقة باسمهم في أي مفاوضات محتملة .

اما العقبات امام قاطرة الانتخابات، فهي قابلة للإزاحة وخاصة ما يتعلق بمشاركة الاهل في القدس الشرقية ودونما ذلك تتأجل الانتخابات، فلا السلطة الفلسطينية ولا سواها يفرط بالقدس الشرقية وأهلها ، ليس لقيمتها التاريخية والدينية والرمزية كونها عاصمة الفلسطينيين فقط ولكن لأنها تشكل 17% من مساحة الضفة ويقطنها 350 ألف فلسطيني /ة والجسر الذي يربط شمالها بجنوبها أيضا.

وكذا الحال بالنسبة للعقبات الأخرى كملف سلاح المقاومة في غزة او التوافق على القانون الانتخابي والتحالف بين حماس وفتح في قائمة واحدة... اما ان تقاطع الانتخابات الشعبية والجهاد وسواهما فالقاطرة الانتخابية سوف تمضي دونها.

فما يرسم في دهاليز إدارة بايدن وعدد من العواصم الأوروبية والعربية لا يعبأ بوحدة الشعب الفلسطيني ولا ينتظر موافقة قوى فلسطينية محدودة الوزن لا تملك الفيتو، ويكفي ان يحضر في الذاكرة اتفاق أوسلو، اما الذين توافقوا على خيار الانتخابات فلهم دوافعهم الجدية( مسار سياسي ورفع العقوبات وما يفضي اليه ذلك من ديناميات بالنسبة لقيادة السلطة في الضفة وخروج من مأزق الحصار وضغوط العبء المالي ومساحة حركة لقيادات السلطة في غزة ) وسوى ذلك من دوافع .

فقط، المرشح للانخراط الفعلي في محور المقاومة الإقليمي، سوف يدير ظهره للانتخابات ، غير آسف على عزلته ذلك ان قراءته تقوم على تعذر وصول قطار المفاوضات لحل سياسي من جهة ، ورهانه على محور المقاومة ودوره المستقبلي من جهة أخرى .

ولئلا تشتعل نار الاتهامات والتراشق بالشتائم الثقيلة والارث الفلسطيني غني هنا، يفضل اختيار التعايش بين الخيارات وان لا تتجاوز المعركة النظرية التحليلات المنطقية والحرص على إيجاد قواسم ميدانية هنا وهناك سواء في قلاع الاسر ، وقضايا الاسرى، او الأرياف المستباحة على نحو غير مسبوق ، او غول الاستيطان القافز والتهويد الفعلي للقدس وترجمات قانون القومية في ال 48 وكل ما من شانه تحسين الخدمات التعليمية والطبية وتخفيف البطالة والفقر وملاحقة الفساد والهدر والمساس بحقوق المواطن واوجاع غزة المتراكمة والسير بخطوات تنموية حقيقية في القطاع الإنتاجي ... أي كل ما من شأنه تعزيز الصمود المجتمعي .

وليس مجازفة القول ان ما يطبخ لفلسطين لن يتعدى خطوات كمية وكثير من الضجيج مثلما دلت التجربة في زمن ادرة أوباما ، فحكومة اليمين في تل ابيب ولن تكون الا حكومة يمين ، بالنظر الى انزياح الخارطة السياسية والشارع الإسرائيلي نحو اليمين ويمين اليمين، هي قادرة ان تقول ما قالته لوزير الخارجية الأسبق كيري (اذهب ولا تعود) ، وهذا يفرض وجوبا على التفكير الفلسطيني ان لا يتطير وكأن الحرب في نهاياتها وينبغي استخدام كل الذخيرة وحرق الجسور بين مكونات الشعب الفلسطيني .

وسواء اختلف الناس او اتفقوا ، وحتى الذين اتفقوا اليوم يمكن ان يختلفوا غداً فزاوية النظر في الرؤية المعادية تقول( عليكم ان تعتذروا عن ما ضيكم) وان تنبطحوا أكثر وما صفقة القرن الا مثالا ، وأنتم أيها الفلسطينيون لستم سوى خطراً امنيا على "واحة الديمقراطية "

وعليكم ان تستمتعوا بما نؤمنه لكم من فرص عمل ، بما يعيدنا الى ما كتبه ارسطو عن السيد والعبد وعن التماهي الذي افرد له حيزا كل من فرانزفانون وباولو فريري

اما الإجابة المباشرة عن السؤالين أعلاه فسوف ارجئهما لمناسبة أخرى.