يجب أن يدرك بايدن أن حكومة إسرائيل ماضية في خطتها المسيحانية لمنع إقامة دولة فلسطينية

حجم الخط

بقلم: شاؤول أريئيلي


يتوقع أن يختفي الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الساحة السياسية، وأن يتوقف عن التدخل في النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن على أمواج صدى "حلم السلام" الذي طرحه في بداية هذا العام، فإن حكومة نتنياهو تواصل الدفع قدماً وتطبيق حلمها بفرض السيادة الإسرائيلية في المناطق (ج). ورغم موجة التطبيع التي تغمر، كما يبدو، إسرائيل وتأجيل موعد الضم، يبدو أنه إلى حين تتجرأ إدارة بايدن على طرح خطة عملية تعكس بيان الدعم للرئيس الجديد لحل الدولتين، أو على الأقل تكشف "أسنانها" أمام المخطط الإسرائيلي، فإن إسرائيل ستسير مسافة طويلة في تحقيق مخططها.
تدفع حكومة نتنياهو قدماً لخلق الظروف من أجل ضم مناطق (ج)، بخطة تتضمن ثلاثة مجالات: توسيع المستوطنات و"شرعنة" البؤر الاستيطانية غير القانونية، والخطوات القانونية، وبناء بنى تحتية للمواصلات. هذه خطة مسيحانية تستند إلى المليارات من دافعي الضرائب في إسرائيل، وتستهدف إقامة وتعزيز نظام استيطاني كل هدفه منع إقامة دولة فلسطينية. ولكن الأمر يتعلق بنظام فقير، ليس لديه أي حضور ديموغرافي وجغرافي كبير، ويجد مصدر رزقه في حدود الخط الأخضر وفي دعم كبير وعديم المسؤولية من قبل الحكومة على حساب مشاريع حيوية داخل حدود إسرائيل. كل ذلك من أجل منع ما هو مطلوب للمستقبل الصهيوني والديمقراطي لدولة إسرائيل – انفصال سياسي وماديّ عن الفلسطينيين في الضفة.
في المجال الأول، توسيع مستوطنات وشرعنة بؤر استيطانية غير قانونية، صادق بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع بني غانتس، مؤخراً، على بناء أو الدفع قدما ببناء 5787 وحدة سكنية في مستوطنات وبؤر استيطانية. ويظهر فحص مكان تواجد الوحدات التي تمت المصادقة عليها أنه لا يقف خلفها أي جدول أعمال سياسي فيما يتعلق بمستقبل المستوطنات، إذا تم التفكير في المستقبل بحل الدولتين. العكس تماماً: الأغلبية الساحقة للمصادقات أعطيت للمستوطنات الصغيرة والمعزولة، التي تقع خارج الاقتراحات السياسية لدولة إسرائيل بخصوص الحدود الدائمة مع الفلسطينيين.
 64 في المئة من الوحدات السكنية التي صودق عليها توجد خارج الاقتراح الذي طرحته إسرائيل في مؤتمر أنابوليس في العام 2008، والذي استهدف تمكينها من إبقاء 85 في المئة من الإسرائيليين الذين يعيشون خلف الخط الأخضر تحت سيادتها، 89 في المئة من الوحدات السكنية توجد خلف الجدار، و68 في المئة منها توجد شرق العائق الذي يخطط له، و80 في المئة توجد شرق الحدود الدائمة المثالية التي تمت بلورتها في بحث معمق أجرته حركة "قادة من أجل أمن إسرائيل"، الذي سيمكن من إبقاء 80 في المئة من الإسرائيليين الموجودين خلف الخط الأخضر تحت السيادة الإسرائيلية.
يجب علينا أن نضيف إلى الوحدات السكنية المذكورة أعلاه البناء المخطط له في حي "جفعات همتوس" في جنوب القدس و"مبسيرت أدوميم" (إي1) في "معاليه أدوميم" و"جفعات عيطام" في أفرات، التي استهدفت فصل غربي القدس عن الفضاء الفلسطيني الموجود حولها.
في المجال الثاني، الخطوات القانونية. في السنوات الأخيرة تم تعميق أسلوب الضم الفعلي عن طريق الدفع قدماً بتشريع مباشر من قبل الكنيست بخصوص المناطق المحتلة، كما وصف ذلك بتوسع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وذلك خلافاً للاستخدام الذي جرى في الماضي لأوامر صادرة عن القائد العسكري. في العام 2017 قررت الحكومة بأن لجنة الوزراء لشؤون التشريع لن تقوم بالدفع قدماً بتشريع دون فحص إذا كانت هناك حاجة إلى تطبيق أي قانون مقترح على الإسرائيليين الذين يعيشون في "المناطق"، وما هي طريقة فعل ذلك. لهذا الغرض تم تشكيل مجموعة مخصصة في وزارة العدل، تختص بتطبيق القانون الإسرائيلي في "المناطق". في العام 2016 تم تشكيل اللجنة الفرعية لشؤون "يهودا" و"السامرة" في الكنيست (لجنة فرعية منبثقة عن لجنة الخارجية والأمن)، والتي تناقش مسائل مدنية تتعلق بـ"المناطق"، وتعالج الدفع قدماً بشؤون المستوطنين.
هكذا، في الكنيست العشرين تم سن 8 قوانين وتعديلات قوانين تسري مباشرة على الضفة، عدد منها يغير بصورة كبيرة طريقة سيطرة إسرائيل على "المناطق"، وتؤثر مباشرة على حقوق الفلسطينيين. ومن بين القوانين التي تمت المصادقة عليها: قانون التسوية (الذي تم إلغاؤه من قبل المحكمة العليا في حزيران)، وتعديل قانون المحاكم للشؤون الإدارية، الذي نقل من المحكمة العليا إلى محكمة الشؤون الإدارية في القدس معالجة التماسات مهنية تتعلق بـ"المناطق" التي تقع في مجالات التخطيط والبناء، وقانون حرية المعلومات، والدخول إلى الضفة والخروج منها والتنقل داخلها، وأوامر إبعاد وإشراف للجيش (تأمل الحكومة في أن تقود هذه الخطوة إلى حكم افضل بالنسبة للمستوطنين، خاصة في مجال التخطيط والبناء)، وتعديل قانون مجلس التعليم العالي وتطبيقه على مؤسسات أكاديمية في المستوطنات، الأمر الذي ألغى الفصل الذي كان موجوداً بين مجلس التعليم العالي في دولة إسرائيل وبين مجلس التعليم العالي في "يهودا" و"السامرة"، وتعديل قانون منع التمييز في المنتجات، الذي أضاف منع التمييز بسبب مكان السكن. يسري القانون الآن على مستوطنات مثلما يسري على بلدات في إسرائيل. في المقابل، تم تعديل قانون حماية المستهلك، بصورة تلزم المصالح التجارية بالإشارة إلى أنها لا تقدم خدمات نقل أو خدمات إصلاح لمناطق معينة أو بلدات معينة في إسرائيل أو في المستوطنات. في هذه الأيام صودق بالقراءة التمهيدية على قانون "تسوية الاستيطان الشاب"، الذي سيشرعن البؤر الاستيطانية غير القانونية.
في المجال الثالث، بناء بنى تحتية للمواصلات. أعلنت وزيرة المواصلات، ميري ريغيف، في كانون الأول عن تمويل وتنفيذ سلسلة مشاريع مواصلاتية جديدة في الضفة، بتكلفة إجمالية تبلغ 400 مليون شيكل، جزء منها سيمول عن طريق تحويلات في الميزانية من مشاريع أخرى. المشاريع التي تمت المصادقة عليها هي شارع التفافي اللبن – حوالى 100 مليون شيكل، شارع موديعين عيليت – لبيد – حوالى 171 مليون شيكل، منخفض قلنديا – 103 ملايين شيكل، والدفع قدماً بتخطيط شارع آدم – حزما بكلفة 17 مليون شيكل.
جاء هذا القرار استمرارا للخطة الرئيسية الاستراتيجية للمواصلات، التي أطلقتها ريغيف في تشرين الثاني بحضور رؤساء السلطات في "يهودا" و"السامرة"، ورافقها تصريح: "نحن لا ننزل القدم عن الدواسة. نحن نطبق السيادة بصورة فعلية". في الخطة الرئيسية يدور الحديث عن شق 167 كم من الشوارع الرئيسية الجديدة، بالإضافة إلى وضع حوالى 200 كم من سكك الحديد. وستكلف هذه الخطة عشرات مليارات الشواكل.
يتركز الجهد المواصلاتي في منطقتين. الأولى تستهدف ربط شمال "السامرة" وجنوب شرق "يهودا" – المنطقتين اللتين يُعتبر فيهما الحضور اليهودي معدوماً – بالنظام الاستيطاني الرئيسي في "يهودا" و"السامرة" وبإسرائيل. في المنطقة الواقعة بين "غوش عصيون" والخط الأخضر في جنوب الضفة يعيش الآن 20 ألف إسرائيلي و800 ألف فلسطيني. الثانية، شق سكة حديد على سلسلة الجبال، بمحاذاة المستوطنات الإسرائيلية المعزولة، والتي ستربطها بالعفولة من الشمال و"كريات غات" من الجنوب الغربي.
هذه الخطة، مثل الخطط الأخرى التي أطلقتها حكومات إسرائيل في إطار الضم الزاحف، لن تحسم الديموغرافية الفلسطينية – أغلبية راسخة تبلغ 84 في المئة من سكان الضفة (بدون القدس). أيضاً لن تقلل الخطة من السيطرة الجغرافية للفلسطينيين – ملكية خاصة على أكثر من نصف الأراضي في مناطق (ج). كما أنها لن تحسن التصنيف الاجتماعي – الاقتصادي للمستوطنين، 31 في المئة منهم من الأصوليين الذين يعيشون في مدينتين موجودتين في قائمة الـ 11 بلدة الأكثر فقراً في إسرائيل (العنقود 1). حوالى 10 في المئة، معظمهم من الأصوليين، يوجدون في الجزء الأسفل (العنقود 2 – 3). فقط 4 في المئة، جميعهم علمانيون، معظمهم يعيشون في مستوطنات محاذية للخط الأخضر، مصنفون في الثلث الأعلى في السلم (العنقود 9). وفي ظل غياب زراعة إسرائيلية ومناطق صناعية يعمل فيها إسرائيليون، 60 في المئة من قوة العمل الإسرائيلية التي تعيش في الضفة تذهب يومياً إلى العمل في مناطق على حدود الخط الأخضر. ونظام المواصلات الباهظ سيساعدهم في مواصلة فعل ذلك. 25 في المئة، ضعف المعدل في حدود الخط الأخضر، يعملون في جهاز التعليم المدعوم، مع إنفاق مرتفع للفرد بشكل خاص.
هذه الخطوات ستنضم إلى خطوات سابقة لحكومات إسرائيل وستقود إلى إحدى نتيجتين. الأولى هي استمرار النزاع مع كل تداعياته الاجتماعية والاقتصادية الصعبة على المجتمع الإسرائيلي، وارتفاع الأثمان التي سيكون على إسرائيل دفعها بمفاهيم إخلاء واستثمارات ضائعة في اليوم الذي ستدرك فيه وحدها أو بضغط دولي، وتسير من جديد نحو حل الدولتين. الثانية هي الانتقال من الضم الزاحف إلى الضم بوساطة القانون، الذي يقود إسرائيل إلى دولة واحدة مع أكثرية عربية ونظام غير ديمقراطي، الذي معناه نهاية حلم الصهيونية للآباء المؤسسين.

عن "هآرتس"