في مواجهة الإدارة الأمريكية الجديدة واحتمالات عودة " فيروس " ترمب المستجد

حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

كل المؤشرات تفيد بأنه بقدر ما كان عام 2020 راكدا رتيبا ومملا كلما سيكون عام 2021 نشطا ً مليئا ً بالأحداث وخاصة في النصف الثاني منه. فالنصف الأول من العام سيشهد سيطرة العالم على كوفيد-19 وانتشار واسع للتطعيم ضده كما سيشهد العديد من الخطوات والقرارات التي ستتخذها إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جوزيف بايدن لإثبات وجودها على الساحة الأمريكية ولإزالة العديد من آثار القرارات التي اتخذها الرئيس السابق دونالد ترمب على الصعيدين الداخلي والعالمي والتي لا تتفق مع السياسات التقليدية للحزب الديمقراطي ، كما سيشهد انتخابات فلسطينية تشريعية وربما رئاسية أيضا ، كما سيشهد انتخابات للكنيست الاسرائيلي والعديد من التطورات الإقليمية التي يتوقع أن تحدث كاستحقاق لتغير السياسات والتحالفات في المنطقة تبعا للتغيير الذي حدث بواشنطن والذي سيكون له تأثير بالتأكيد على الدول الخليجية والسعودية وإيران وكذلك على الساحة الدولية فيما يتعلق بالمناخ والبرنامج النووي الإيراني والعلاقات الأمريكية مع أوروبا وروسيا والصين.

فالعام الجديد سيكون عاما ً نشطا ً ولقد أحسنت القيادة الفلسطينية بأن أدركت مبكرا ً هذه التداعيات المحتملة وسارعت الى الإعلان عن إجراء انتخابات تشريعية تتبعها انتخابات رئاسية إذا سارت الأمور حسبما هو مرجو وما هو مفترض ، لأن إنهاء الإنقسام وتحقيق الوحدة الوطنية وتجديد شرعية القيادة والمؤسسات الفلسطينية هو السلاح الأقوى لمواجهة المستجدات الإقليمية والدولية على حد سواء ، وسد الطريق أمام كل من يمكن أن يتذرع بعدم وجود عنوان أو ممثل للشعب الفلسطيني يحظى بالشرعية الانتخابية.

والذي يهمنا في كل ما سيحدث أمريكيا أو دوليا ً هو انعكاسات ذلك علينا وعلى وجودنا وقضيتنا المصيرية.

وأقول بداية أن من الضرورة الحتمية إجراء الانتخابات في الوقت المحدد ولو على الأقل الانتخابات التشريعية التي لا يجوز بأي حال من الأحوال ومهما كانت الأسباب أو المبررات التراجع عن إجرائها لأنها استحقاق لشعبنا ولأنها الدرع الذي يمكن أن نتمترس وراءه في مواجهتنا للتحديات القادمة والتي لا أظنها ستكون أقل خطورة من التحديات التي كانت تواجهنا أيام الرئيس السابق ترمب.

وفي مقدمة التحديات التي ستواجهنا في السنة الحالية وما سيتبعها من أعوام خلال فترة الرئيس بايدن هي كيفية التعامل مع هذه الإدارة وكيفية فرض تغيير فعلي على الأرض لا تستطيع إسرائيل التراجع عنه ولا تستطيع الإدارات الأمريكية القادمة تغييره ، لا سيما وأن الإدارات القادمة في أمريكا قد تكون إعادة استنساخ فيروس ترمب ولكن بشكل مستجد أسوأ وأخطر من ترمب الذي عرفناه. فالرئيس ترمب وعد بأن يعود ولكن بشكل آخر واليمين العنصري الأمريكي الذي لم يقبل بنتائج انتخابات الرئاسة واقتحم مبنى الكونغرس بشكل غوغائي عنيف وبشع غير مسبوق في تاريخ أمريكا التي تدعي أنها قلعة الديمقراطية والحرية في العالم ، سيستجمع قواه ويعيد ترتيب صفوفه لينقض على الحكم مرة أخرى بعد أربع سنوات عند انتهاء فترة الرئيس بايدن ، ويبقى احتمال عودة اليمين العنصري المتحالف مع المسيحي الإيفانغلي الصهيوني قائما ومتوقعا ً وبشكل أعنف وأكثر تطرفا ً وعنصرية مما شاهدنا حتى الآن.

والتحدي الآخر الذي يواجهنا ولا يقل خطورة عن التحدي الأول هو نتائج الانتخابات الإسرائيلية القادمة والتي تدل كل المؤشرات على أن فرصة عودة نتنياهو ضئيلة جدا ً مهما حاول من ألاعيب بهلوانية بمساعدة بعض حلفائه العرب ، وأن فرصة الفوز تميل على الأغلب الى صالح خصمه جدعون ساعر الذي يقف الى أقصى يمين نتنياهو والذي يُعتبر نتنياهو الى جانبه رجل سلام حمائمي !.

والمطلوب منا في مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية هو : أولا سد الطريق أما المد اليميني المتطرف الذي سيقوده جدعون ساعر وحلفائه بينيت وسموتريتش وشكيد وربما بن جبير ، هذا التحالف اليميني العنصري بامتياز والذي يقول علانية وعلى رؤوس الأشهاد بأنه يؤمن بأرض إسرائيل الكبرى وينكر أصلا ً وجود الشعب الفلسطيني ويتنكر لأية اتفاقيات سابقة ويعتبرها باطلة وملغاة ويسعى لاستمرار تكريس التوسع والاستيطان والضم.

وهنا لا بد من الإشارة الى أنه ممنوع قطعا السير وراء سراب الإعتقاد بأن إدارة بايدن هي أفضل من ترمب وأنها جاءت لتحقق لنا العدل والسلام لا سيما وأن تركيبة الإدارة الجديدة للرئيس بايدن ليست سوى إعادة استنساخ لإدارة الرئيس الأسبق براك أوباما إذ أن معظم من تولوا الحقائب والوظائف الرئيسية فيها هم ممن عملوا مع إدارة أوباما ونفذوا سياستها. وإذا ما استذكرنا إدارة أوباما وأعدنا الى الأذهان الكلام المعسول الذي كان يدلي به أوباما بدءا ً بالخطاب التاريخي الذي ألقاه في جامعة القاهرة في التاسع من حزيران 2009 وحديثه التصالحي عن الإسلام والمسلمين وتأكيده على حقوق الشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وحقه في القدس ، ثم ما تبع ذلك من تراجع عن كل الوعود البراقة وتبني سياسة عاجزة عن بدء خطوات عملية لإنهاء الاحتلال وبنفس الوقت تقديم أضخم دعم مالي وعسكري وأمني عرفته العلاقات الإسرائيلية الأمريكية ، نستطيع أن ندرك حجم الخطر الذي ينتظرنا من قبل إدارة الرئيس جو بايدن إذا تعاملنا معها بنفس اسلوب التعامل مع إدارة اوباما في حينه أو لاحقا مع إدارة ترمب.

لقد قرأت مؤخرا ً تصريحات أنتوني بلينكن وزير الخارجية الجديد في إدارة الرئيس بايدن كرر فيها الاسطوانة القديمة التي كان يكررها القادة الاسرائيليون كلما وجدوا أنفسهم أما ضغط دولي للإنصياع لمتطلبات تحقيق حل سياسي للصراع وهي أن الظروف الحالية لا تسمح بحل نهائي للصراع . فقد قال أثناء استجوابه أمام الكونغرس يوم الثلاثاء 19/1/2021 قبيل الموافقة على تعيينه وزيرا للخارجية بأن بلاده ستبقي سفارتها في القدس وأنه يؤيد حل الدولتين بالرغم من أنه لا يعتقد بأنه ممكن من ناحية عملية إذ قال : " .. وأعتقد من ناحية واقعية أن من الصعب رؤية الظروف مناسبة في المدى المرئي للعين للتحرك باتجاه تحقيق حل الدولتين.."

والقول بأن حل الدولتين هو الحل الأفضل ولكنه غير ممكن في الظروف الحالية يعني بلغة أخرى بقاء الوضع كما هو عليه مع استمرار خلق حقائق الأمر الواقع للضم التدريجي للأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال استمرار الأنشطة الاستيطانية الاسرائيلية واستمرار التطبيق التدريجي للقوانين الإسرائيلية عليها وخاصة على المستوطنات ومناطق C باعتبارها جزءا لا يتجزأ من اسرائيل واستمرار دمج وتعميق ربط البنية التحتية في الضفة الغربية والقدس بالبنية التحتية الإسرائيلية وخاصة شبكات الطرق والكهرباء والمياه والتخطيط.

وفي مواجهة هذا الوضع لا بد أولا ً من ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتمتينه والوقوف أمام الإدارة الجديدة وقفة رجل واحد وبرنامج واحد وإرادة واحدة ، وإدراك أن بلينكن وبما يُعرف عنه من صداقة حميمة مع إسرائيل تصل حد الولاء سيكون بمثابة استمرار لسياسة ترمب ولكن بقناع بايدن ، يتطلب بدء حوار مع الرئيس بايدن الذي يعرف تفاصيل الصراع بشكل متميز والذي اختار جون كيري ليكون من بين أقرب المستشارين من حوله ، والدفع باتجاه عقد مؤتمر دولي لا يعادي أمريكا ولا يكون بديلا لها وإنما يستقطبها ويحتويها وأن يكون الهدف الأول من تحركنا هو تجميد كافة الأعمال والانشطة الاستيطانية ، وتلي ذلك مباشرة خطوات عملية غير قابلة للتراجع وبدء عملية انحسار الإحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا شك بأن هذا العمل يتطلب كما أسلفت وحدة فلسطينية متماسكة وتفعيل العمق العربي والدولي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني وإعادة إحياء وحشد واستنهاض الروح الوطنية النضالية الفلسطينية التي استسلمت للاحباط نتيجة الانقسام وسوء الأداء الذي لا يسمح المجال بالخوض فيه ، لأن العالم لا يحترم الضعفاء ولا يكترث بالاستكانة بل بقيم وزنا ً للقوة ويحترمها.

نحن أمام تحديات مصيرية ويجب أن نكون على مستواها وأن نستنهض قوانا وإمكانياتنا الذاتية وتفعيلها ووضعها في سياق الضغط لتحقيق حقوقنا ووضع نهاية للاحتلال والغطرسة والظلم الواقع علينا منذ عقود والذي لن يزول إلا إذا فعّلنا مقولة رد الصاع صاعين.