الاعتماد على أصوات العرب. قصة الغرام السياسي الناشيء بين نتنياهو وناخبيه في الجمهور العربي، تبعث على كثير من التساؤلات عن التهكم الذي يتميز به وتباكيه كرئيس وزراء في محاولته لان يشرح تخويفاته التي اطلقها يوم 17 اذار 2015 من أن “المقترعين العرب” يتحركون بكميات هائلة نحو صناديق الاقتراع” (بحجة مثيرة للشفقة في أنه لم يقصد الا المصوتين لـ “القائمة القائمة”…).
كل من عيناه في رأسه يفهم بان الجهد الذي يبذله نتنياهو، للمرة الرابعة، كي يضمن اغلبية في الكنيست لالغاء محاكمته أو تعليقها، مستعد لان يستخدم كل وسيلة، بما في ذلك تسويغ الصوت العربي، بعد أن على مدى سنوات طويلة انتقد كل من يستعين به من بين الاحزاب الصهيونية.
من السابق لاوانه أن نعرف اذا كانت مغازلاته النشطة والمكشوفة جدا ستدفع ناخبين عرب كثيرين للتصويت لليكود او للامتناع عن التصويت، ولكن – انطلاقا من عدم الاستهداف للامر ذاته – يمنح نتنياهو مساهمة هامة للديمقراطية الاسرائيلية. كل نقد قومي من جانب اليمين على “الاعتماد على اصوات العرب” سيصطدم في المستقبل بانفجار كبير من الضحك.
خطر فقدان الثقة. نشر مقياس المعهد الاسرائيلي للديمقراطية عن انخفاض ثقة الجمهور بالجيش، بالرئيس، بالمحكمة وبالكنيست ليس امرا تتميز به اسرائيل. فشركة أدلمان الامريكية، التي تجري كل سنة “مقياس الثقة” في اوساط 27 سنة (اسرائيل ليست واحدة منها) تشير الى أنه في القسم الاول من العام 2020 كان ارتفاع ما في ثقة الجمهور بالمؤسسة، في معظم الدول موضع المقياس، ولكن منذئذ طرأ انخفاض بسبب الاحساس بان المؤسسات عديمة الوسيلة امام الكورونا. واشار المشاركون في الاستطلاعات الى أن الاجهزة الحكومية ليست اخلاقية وليست ناجعة، بينما المؤسسات غير الحكومية اخلاقية ولكنها غير ناجعة، ووحدها الشركات التجارية أخلاقية وناجعة… .
يربط البحث وعن حق كما يبدو انعدام الرغبة في التطعيم مع عدم الثقة بالمؤسسة: “اذا قلتم لي تطعم، فيبدو أن هذا ليس جيدا!”. والاستنتاج ليس ان كل مؤسسة ملزمة بان تغير رؤساءها برئيس قسم العلاقات العامة فيها بل ان عدم الثقة من شأنه أن يمس مسا شديدا بالصحة. لا أقل.
لنستنفد السنتين التاليتين. في عمر 78 بدأ هذا الاسبوع الرئيس الاكبر سنا في تاريخ امريكا ولايته الاولى. بعد السنوات الاربعة العاصفة والمغطاة اعلاميا لترامب، ستأتي السنوات الهادئة. ترامب منحه اللقب المهين “جو النعسان”، ولكن بايدن فاجأ في ثلاثة انتصارات – في الرئاسة، في مجلس النواب وفي مجلس الشيوخ – مما يمنحه سنتين على الاقل من قدرة الحكم دون معارضة برلمانية. هاتان سنتان من الرحمة في نهايتهما قد يتغير الوضع مثلما يحصل غير مرة في “الانتخابات الوسطى” لمجلسي الكونغرس.
اذا كان بالفعل لبايدن وفريقه مخططات لتغيير امريكا، بمعالجة سريعة للبطالة وجروح الكورونا الاخرى، لاعادة بناء البنى التحتية المهملة وترميم مكانة بلاده الدولية، فهو لا يمكنه أن يسمح لنفسه بتأجيلها. هذا صحيح ايضا بالنسبة للشرق الاوسط. محظور أن يضلله الهدوء النسبي السائد حاليا في منطقتنا. فهذا برميل بارود متفجر من شأنه أن يتفجر في اللحظة الاقل راحة لمن يدير العالم. والرئيس الجديد هو رجل يستمع لمستشاريه، وهم يقولون له ان إبتعد عن النزاع وأجل معالجته بقدر ما تستطيع. ولكنه ايضا رجل مجرب جدا ويعرف بان مستشاريه طرحوا هذه المشورة لكل اسلافه. معرفته لموضوع النزاع تزيد بكثير عن معرفة كل اسلافه في المنصب تقريبا. وهو يؤمن بانه يمكن حله وانه لا ينبغي الاكتفاء بـ “ادارة النزاع” ضمن امور اخرى لان هذه عبارة ملغومة. وبايدن الهاديء بالذات، الصامت، كفيل بان يفاجيء ويعيد الطرفين الى طاولة المفاوضات وليس فقط كي يناكف الواحد الاخر.