عن الانتخابات والوطن والمستقبل

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

بقلم: صلاح هنية

شتان بين وصف الانتخابات بحقل ألغام أينما تحركت فيه سينفجر بك وبغيرك، وهذا منتهى التشاؤم وتشريع لبقائنا في ذات المربع إلى سنوات أخرى طويلة، وبين التعاطي مع الانتخابات بمنظور أنها أداة من أدوات تداول السلطة، وإتاحة المجال للمشاركة في صناعة القرار والتأثير على القرار والتعددية السياسية. هنا سنصل معاً؛ لأننا سنتفق على تحليل المخاطر وتقليلها وتعظيم الفوائد والمنافع وتعظيمها، وسنجد معيقات متنوعة في الطريق ولكن بالإرادة المشتركة نصل معاً إلى الأفضل.
لحظة إصدار المراسيم لإجراء الانتخابات، لا بد من ظهور فئة تتعامل عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع جميع القضايا بذات الميزان: «مسخرة»، «بضحكوا على هالشعب»، «هل تثقون أنها ستحدث؟». وبعدها يدخلون في التفاصيل، فتجد أنهم لا يحسنون صنعاً؛ لأنهم يبحثون عن العناوين فقط لإثارة المجتمع باتجاه رفض الانتخابات، وعندما تقع الواقعة ينسحبون بهدوء.
عندما يخرج علينا سياسيون، وأكاديميون، وقادة مؤسسات مجتمع أهلي، وإعلاميون، ليحدثونا عن أهمية الانتخابات وأهمية التسجيل للانتخابات، ومعالجة العزوف عن الانتخابات من أجل الخروج من الواقع المعاش بسلبياته إلى مرحلة أخرى بالتأكيد أفضل، ويكون الجميع مسؤولاً عن حمايتها وصونها، والحديث عن نسبة اقتراع عالية لنضمن مشاركة الشباب والمرأة، يتصدى لهم أولئك المحبطون، معتدين بشريط مسجل لشخصية اشتهرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعلّق على كل شئ، متناسين هذا الزخم الذي مرت بها فلسطين على مسار تاريخي طويل، ولا يقيمون وزناً لفكرهم ورؤيتهم وتجربتهم وخبرتهم.
دعنا نخوض تجربة للقياس عليها، اطرح في جلسة أو لقاء أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي: «يجب أن نحفظ للمستقلين بمكوناتهم حضورهم في الانتخابات القادمة، وهم لن يكونوا قادرين على الوصول دون إسناد واحتضان»، تقوم الدنيا ولا تقعد: «لا يوجد مستقلون»، «سيأخذون من حصة التنظيمات»، متناسين أن المستقلين مكون أساسي من مكونات العمل السياسي والوطني الفلسطيني على مدار التاريخ.
طبيعي أن تشهد اليوم وحتى انتهاء عملية التسجيل، وحتى بلوغ مرحلة الترشح، انفعالات صحية تحتاج إلى وضعها في قناة صحيحة تصب في المصلحة العامة، سيطرق على الطاولة شاب، معلناً أنه يمثل فئة الشباب ولن يهدأ ولن يشارك إلا إذا ضمن حق الشباب، وفي البدايات سيحصر مفهوم الشباب بالفئة العمرية، متناسياً القدرة والكفاءة على تمثيل الشباب والتأثير على صناعة القرار انحيازاً لهم، وسيطرق على طرف الطاولة الأخرى مناضل بعباءة العشيرة والجهوية لضمان التمثيل قبل أن تكتمل أي خطوة، وسترفع المرأة صوتها مطالبة بزيادة حصتها إلى 30%، وسيتعفف رفاق الدرب والوطن والمسيرة من المسيحيين عن ذكرهم ككوتة لأنهم أكبر من ذلك، ونحن نصر على أهمية هذا المكون بتخصيص مقاعد له بغض النظر عن التعفف.
هذا النقاش الدائر حول تفاصيل الانتخابات والجهد المبذول، خصوصاً النقاش غير الفصائلي بل المجتمعي المؤسساتي القطاعي، صحي وطبيعي، ويجب أن يتسع ويخرج باستنتاجات واستخلاصات تكون مكوناً أساسياً من مكونات التحضير للانتخابات، على أسس تكون محل إجماع مجتمعي، ولكن يجب ألا نرفع سقفنا بصورة تحبطنا في مرحلة الجد، والتركيز على دور المجلس التشريعي في النهوض بحياة الناس، وإنجاز قوانين عصرية وتعديل القوانين، ومراقبة الأداء والمساءلة وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ومراجعة الحد الأدنى للأجور وقضايا حماية المستهلك، وتطبيق اقتصاد السوق في اقتصاد ضعيف، والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، وعدالة توزيع المشاريع التنموية على المحافظات بالتوازن والعلاقة مع المانحين. الناس اليوم تنتظر بسقف مرتفع مراجعة كافة القرارات بقانون، وتعديل القوانين، وتلبية احتياجات الناس بإيجاد هيئة تنظيم قطاع الاتصالات.
من حق كل أبناء شعبنا أن يدلوا بدلوهم في موضوع الانتخابات في قضايا لا يطرقها النقاش الدائر، خصوصاً من قبل الخبراء والمختصين، سواء رأيهم في النظر للانتخابات: هل هي لتجديد الشرعيات أم هي انتخابات تذهب إلى آخر مراحلها؟ ولكن نصيحتي الشخصية لا تذهبوا إلى حد أن تؤثروا على تشكيل وعي الناس بصورة سلبية تجاه الانتخابات، بل يجب أن نعزز لدى المواطن/ة أنه سيد الموقف، فليذهب صوب التسجيل وتفعيل المشاركة في الانتخابات كنافذة لتعزيز المشاركة السياسية من كل القطاعات والفئات، ولا تجعلوها انتخابات بنسبة اقتراع ضئيلة وبعدها نقول: ليتنا لم نقل لهم، إنها حقل ألغام ولن تنتج شيئاً، فنصبح على ما فعلنا نادمين.
اليوم نحن أمام فرصة جديدة مفتوحة الأبواب لأوسع مشاركة سياسية في الانتخابات، ولعل أبرزها قرار حركة «فتح» مثلاً منع ترشح مراتب قيادية عديدة من الحركة للانتخابات، بالتالي سنرى كناخبين تعزيزاً لحضور قطاعات جديدة تشارك في الانتخابات، وهذا سينسحب على بقية القوى السياسية والاجتماعية والمجتمع الأهلي، التي ستضطر للسير على هذا النهج، ليس لأن «فتح» استوعبت سريعاً الدرس، بل لأن الرأي العام الفلسطيني رفع الصوت منذ البداية عالياً، وبوضوح، بأننا لا نريد انتخابات انتقامية، بل نريد انتخابات تنتج رؤى وسياسات، وأداءً مختلفاً مقدمته وجوه جديدة مؤهلة وكفؤة.