الصناعة الدوائية... بين الحفاظ عليها وحماية المستهلك

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

قرر مجلس الوزراء قبل أسابيع البدء بدراسة أو إعداد خطة من أجل تنظيم سوق الأدوية في بلادنا، والهدف حسب القرار المعلن، هو خفض أسعار الأدوية للمستهلك الفلسطيني، وفي نفس الوقت المحافظة على جودة وسلامة الأدوية وكذلك تشجيع المنافسة الموضوعية بين منتجي أو موزعي الأدوية ومنع الاحتكار، وفي نفس الوقت وهذا هو الأهم في قرار مجلس الوزراء إعطاء الاولوية للصناعة الدوائية الفلسطينية، حيث وحسب المعطيات المتوفرة حالياً، تغطي المنتجات الدوائية المحلية، حوالي 50% وربما أكثر قليل من السوق الكلي لاستهلاك الأدوية في بلادنا.
ودعونا نأمل أن يتم ترجمة قرار مجلس الوزراء عمليا من خلال خطة أو من خلال خطوات يلمس آثارها الناس وبالاخص المرضى، أو مستهلكي الأدوية، اذ ما زال المستهلك الفلسطيني يشكو من ارتفاع اسعار الأدوية، سواء أكانت محلية أو مستوردة، من الجانب الاسرائيلي أو من الخارج، وفي نفس الوقت ما زال المواطن يتذمر من عدم توفر أدوية، بل يعمل على تجنب شراء أدوية منتجه محلياً لاعتقاد راسخ منذ زمن في ذهنه بأن الدواء الاجنبي هو أكثر فعالية أو أماناً، وهذا بالطبع أعتقاد خاطئ وخاصة في الفترة الحالية، حيث وبدون تحيز تقدمت وتطورت الصناعة الدوائية الفلسطينية وفي مجالات عديدة، لكي تنافس وبجدارة الأدوية الاجنبية التي تصل الى السوق الفلسطيني.
ومن المفترض أن يأتي قرار مجلس الوزراء في الوقت الحالي، لكي يصب في المحصلة في حماية المستهلك وفي نفس الوقت الحفاظ على وتوفير الدعم للصناعة الوطنية، حيث تمثل صناعة الأدوية جزءاً مهما منها على مدار عشرات السنوات الماضية، وهذه الصناعة هي في جلها أو جمعيها صناعة تحويلية، أي تقوم بوضع المادة الفعالة من الدواء الذي تم اكتشافه أو تطويره سابقاً في مراكز الابحاث والتطوير التابعة للشركات الاجنبية في قالب خاص، ومن ثم تطلق عليه اسماً محلياً يربطه بمصنع الانتاج المحلي، الذي يصبح علامة تسويقية له.
واعتدنا في الماضي، وبين الفينة والاخرى بأن تعلن وزارة الصحة الفلسطينية عن تخفيض أسعار العديد من أصناف الأدوية، التي قد يصل عددها الى المئات، وبالاخص الأدوية الاجنبية مرتفعة الثمن، بدون أن يلمس المستهلك أو المريض آثار هذا التخفيض بشكل سريع أو ملموس أو أن يعرف عن الآلية التي يستطيع من خلالها معرفة التخفيض ونسبته وتوقيت سريان مفعوله، وبالتالي يضيع في خضم المعادلة بين الموزع أو المستورد أو الوكيل أو صاحب المستودع وبين الصيدلي والوزارة وغيرهما.
وكذلك اعتدنا في الماضي، وفي الكثير من المرات أن تختفي بعض الأدوية من صيدليات دوائر الصحة الحكومية في المحافظات، سواء في غزة أو في الضفة، وكذلك في صيدلية مجمع فلسطين الطبي، رغم أنه من حق المريض أو من حق المستهلك الذي يحمل بطاقة التأمين الصحي الحكومي أن يحصل على الأدوية من الصيدليات الحكومية، وعند اختفاء الأدوية فإن المريض يكون في حالة من الصعب تصورها، أي هل يشتري الأدوية من الخارج أي من الصيدليات الخاصة إن وجدت وبأسعار مرتفعة جدا لا يستطيع تحملها.
والاسعار المرتفعة مع النقص الحاد في بعض الأدوية، سواء أكان ذلك في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، وبالاخص ادوية الامراض المزمنة او الامراض العضالة، له تداعيات، وعلى كل الاصعدة، صحية واقتصادية ونفسية واجتماعية، او حتى من عدم الشعور بالامان عند المريض والناس، وبالاخص حين يكون النقص في عيادات أو صيدليات وزارة الصحة، حيث يتجه المواطنون المؤمنون صحياً للحصول على الأدوية.
ومن المعروف أن من الامور التي تسعى اليها المجتمعات او الدول، هو تحقيق نوع من الامن الداخلي، سواء اكان ذلك فيما يتعلق بالامن الغذائي، او فيما يتعلق بتوفر الأدوية، وبالاخص الأدوية المنتجة محليا، بالنوعية وبالجودة وبالامان وبالكمية، التي يحتاجها المريض او المستهلك الفلسطيني، اي توفر الامن الدوائي، ويحدث في احيان عديدة، ان يختفي فجأة بعض الأدوية، وبغض النظر عن السبب، سواء كان المورد او المستورد او صاحب المستودع، او صاحب الصيدلية، او وزارة الصحة، او حتى الانتاج المحلي، اي المصنع الدوائي الفلسطيني، فإن من يدفع الثمن في المحصلة هو المريض، والمجتمع بشكل عام، بسبب حالة القلق والارباك والتساؤلات التي يؤدي اليها اختفاء الأدوية.
ونحن نعرف اننا بمجتمعنا الفلسطيني، واسوة بالمجتمعات العربية وحتى العالمية، بدأنا نعاني من آفة انتشار وتصاعد الامراض غير السارية، ومنها الامراض المزمنة، مثل امراض القلب وبأنواعها، والسكري وخاصة من النوع الثاني المرتبط بعادات البشر، وامراض السرطان وامراض الجهاز التنفسي، وما الى ذلك، والتي كلها، لها علاقة بانماط الحياة الحديثة، من تغذية وحركة ونشاط بدني، ومن ضغوط الحياة ومن توتر وقلق، ومعروف ان امراض القلب تشكل النسبة الاعلى من أسباب الوفيات في بلادنا، وتليها امراض السرطان، وكل ذلك يحتاج الى الأدوية وبأنواعها، وبالتالي لماذا لا توجد خطة استراتيجية وطنية تضم الصناعة الدوائية، تعمل من اجل توفير ادوية نحتاجها، بل نعاني من النقص منها بشكل متكرر، والتي من السهل انتاجها.
ومعروف ان شركات الأدوية في العالم، تقوم بتسويق اي دواء بناء على اثنين من المعايير أو الشروط، وهما معايير السلامة والفعالية او الجودة، وفي بلادنا توجد صناعة دوائية تمتاز بالمواصفات الدولية المطلوبة، وهي بالكامل صناعة تحويلية، وتقوم الصناعة الدوائية الفلسطينية كذلك بالتصدير الى الخارج، الى دول اوروبية وعربية، ومعروف ان هدف هذه الصناعة وكأي صناعة اخرى هنا او في العالم هو الربح وتوزيع عائد الارباح على مساهمي الشركة او على اصحابها.
ومع تصاعد شكاوى المستهلك، التي تسمعها في الصيدلية وفي الشارع وفي العيادة وفي المشفى وحتى حين تقوم بزيارة المرضى في المنزل، وتواصل ارتفاع اسعار أدوية وخاصة المستورد منها وبعضها الأدوية المحلية، ومع تواصل اختفاء أو ندرة توفر أدوية، فإن خطة مجلس الوزراء الفلسطيني من المفترض أن يتم وضعها على الارض وبشكل عملي سريعا، بحيث يلمس المستهلك الآثار وبشكل مستدام وليس كما اعتاد في الماضي، بحيث يختفي تأثير القرارات بعد فتره من الزمن، أو ربما لا تجد طريقها الى التطبيق وفائدة المستهلك.
وفي نفس الوقت فخطة مجلس الوزراء من المفترض أن تصب في دعم آفاق التطور للصناعة الدوائية الفلسطينية، سواء اكانت بشكل عمودي، اي كصناعة تحويلية صرفة تنتج اصنافا جديدة محلية تحاكي الأدوية العالمية، أو من خلال تفعيل وتكثيف البحث والتطوير، الذي بات ضرورياً لبقاء هذه الصناعة وغيرها من الصناعات وللتقدم والمنافسة، حيث يمكن للصناعة الدوائية الفلسطينية استخدام الأعداد الكثيرة من خريجي الجامعات الفلسطينية، في تخصصات ذات علاقة بانتاج وتطوير الأدوية، مثل الكيمياء والصيدلة والتسويق وما إلى ذلك، وكذلك الخبرات والأيدي العاملة المدربة، وهي كفيلة بتطوير الصناعة الدوائية، لتلبية الحاجات المحلية، وللتعامل مع الازمات المتكررة، من النقص في الأدوية وبالتالي ارتفاع الاسعار وما الى ذلك من تداعيات سلبية على صحة المواطن وعلى ميزانية العائلة وعلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمستهلك المريض، الذي ترتبط حياته بشكل أو بآخر بالأدوية.