كالعادة «فتح» و«حماس» تختلفان على ذكرى عرفات

image-YFCTO8YXJ3HBXUUS
حجم الخط

بعد عامين فقط، تحل الذكرى المئوية لوعد بلفور، الذي بموجبه كان وزير الخارجية البريطاني في حكومة ديفيد لويد جورج، رئيس الوزراء خلال الفترة 1902 _ 1905 , جيمس بلفور وعد بمنح اليهود حق إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، بما يتطلب تحركا فلسطينيا، على أعلى مستوى، تقوده لجنة أو هيئة وطنية موحدة، من أجل إجبار حكومة بريطانيا على تقديم اعتذار رسمي وعلني للشعب الفلسطيني، يتضمن تراجعاً عن ذلك الوعد، أو على الأقل تعديلا له، يتضمن أن بريطانيا في ذلك الوقت كانت تحت تأثير "التعاطف" مع اليهود الذين تعرضوا للمذابح في أوروبا، وان الوعد جاء في سياق سياسي، له علاقة بكون فلسطين في ذلك الوقت كانت ضمن أراض لدولة " عدوة " لبريطانيا، وأنها لم تقصد أن تتسبب في مأساة للفلسطينيين، وان الوعد تضمن إقامة وطن قومي لليهود وليس دولة لهم، على ارض فلسطين وليس كل فلسطين، وان التعديل يتضمن موقفا رسميا بريطانيا بدعم إقامة الدولة الفلسطينية وفق قرارات الأمم المتحدة . وإذا كان الوعد المذكور تسبب في نشوء صراع سياسي ضروس بين اليهود / الإسرائيليين والشعب الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية منذ ذلك الوقت حتى الآن، تعددت فصوله، لتشمل هذا الفصل الأخير، والذي لن يكون هو الأخير على أي حال، ونقصد به الانتفاضة الشعبية الثالثة، والتي يطلق عليها البعض اسم هبة جماهيرية، للقول بأنها ما زالت تمهد الطريق للانتفاضة الثالثة التي لن تكتمل أركانها، إلا بوحدة داخلية فلسطينية، وحيث أن اسم الانتفاضة أثير جدا على قلوب الفلسطينيين، نظرا للإجماع على الانتفاضة الأولى، التي لم تستأذن أحدا، وانطلقت شعبية وعفوية وسلمية، تعتمد الحجارة في مواجهة الجنود المدججين بالسلاح، حيث استطاعت رغم كل الظروف التي أحاطت بها إقليميا ودوليا، حيث كانت في حينها "م ت ف" قد خرجت من بيروت إلى تونس، وكان العراق مستنزفا بحرب مع إيران انتهت بشن حرب أميركية / ثلاثينية، وفرض حصار جوي محكم عليه، كذلك جاءت في ظل انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وكل المنظومة الاشتراكية، إلا أنها رغم ذلك وبسبب من التوحد الوطني من خلالها وبسبب من طابعها الشعبي استطاعت أن تفرض على أميركا وإسرائيل مؤتمر مدريد ومن ثم اتفاقات أوسلو والاعتراف بـ "م ت ف" وبإقامة أول سلطة فلسطينية على تراب فلسطين . شهر من الهبة الجماهيرية أو الانتفاضة الشعبية الثالثة، وما زال وهج بريقها مشعا، حيث فرضت على إسرائيل أن تفكر للمرة الأولى منذ نحو خمسين سنة، أي منذ عام 1967، بفصل الأحياء العربية عن اليهودية في القدس، وبالتفكير بإقامة جدار عازل، ينفي روايتها أو طموحها " بوحدة " القدس تحت سيادتها، كذلك فرض شهر من المواجهة الميدانية _ التي كانت تنقص " الصراع السياسي / التفاوضي " بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال عشرين سنة مضت، الذي أعقب الانتفاضة الأولى، فقط، دون إسناد ميداني مقاوم وداعم _ إعادة بند فلسطين ليس فقط على المشهد الإعلامي، ولكن أيضا، على برامج وأجندات الحركة السياسية الإقليمية والدولية . ورغم أن الإقليم _ " الشرق الأوسط " يشهد مناطق ساخنة عديدة، إلا أن المواجهة الفلسطينية / الإسرائيلية تظل قادرة على استقطاب الإجماع العربي الشعبي وفرض المتغير السياسي على كل تفاصيل الحالة الرسمية، ورغم أن هذا العام هو عام انتخابات أميركية، ورغم أن واشنطن تبدو في اضعف حالاتها للضغط أو التأثير على إسرائيل، التي تبدو بحاجة لاسترضائها بعد توقيع الاتفاق مع إيران، إلا أن المخزون الكفاحي الفلسطيني، يظل قادرا على اجتراح المعجزة، وأول دلالاتها، هو استمرار المواجهة، للشهر الثاني على التوالي، وهي إن لم تكن مرشحة لرفع المنسوب، فإنها ليست مرشحة أبدا للتوقف، دون تحقيق انجازات ملموسة. هذه الانجازات لا تقتصر على الجانب الإسرائيلي، الذي تراجع فيما يخص هجومه على القدس، التي بدا للوهلة الأولى بأنه بات قاب قوسين أو أدنى من فرض التقسيم الزماني والمكاني للحرم القدسي الشريف، على غرار الحرم الإبراهيمي أو أكثر، فبعد أن حاول أن يكتفي " بحل الكاميرات " مع الأردن، عاد حتى الخلاف بين إسرائيل والأردن للواجهة مجددا، فقد توقف العمل على تنفيذ ذلك الحل، بعد أن تبين أن إسرائيل تسعى لأن يكون الإشراف على الكاميرات حقا لها أو مسؤوليتها، كذلك بعد أن حاولت إسرائيل القول بان المقصود هو مساحة 5 دونمات، عاد الملك عبد الله الثاني شخصيا للتأكيد على انه يقصد 144 دونما كاملة . أسبوع آخر سيمضي وتمضي معه الانتفاضة الشعبية الثالثة قدما، فيما يقترب موسم المناسبات، خلال هذا الشهر والشهر القادم، وبعد نحو أسبوع ستحل الذكرى الحادية عشرة لرحيل القائد الفلسطيني التاريخي ياسر عرفات، وما زالت غزة تتطلع للاحتفاء بتلك الذكرى كما يليق بمكانة الرجل، وكمناسبة لتوحيد الصفوف وإعادة غزة كرافعة للمشروع الوطني، وهي هذه المرة تقوم بدور الإسناد الهام جدا لانتفاضة القدس والضفة، كذلك تريد وتحلم بان تشد من عضد المنتفضين في القدس والخليل وعموم الضفة الغربية بالتأكيد على أن غزة جزء فاعل من دولة فلسطين، وليست منفصلة عن القدس والضفة ولا بأي حال، لكن خلافات فتح / حماس المعتادة، ما زالت تثير الغثيان، وما زالت الأروقة تشير إلى أن الخلاف حول كيفية إحياء ذكرى عرفات ما زالت قائمة، فحماس توافق على إقامة المهرجان في مكان مغلق، وفتح تريده مكانا مفتوحا وتضمن له السلامة الأمنية، وما بين مكان مفتوح أو مغلق، يبقى القرار معلقا، ورغم أن المنتفضين لا يشغلون بالا بهذه الأمور، إلا أنهم يستحقون ممن يظنون بأنهم يقودون شعبا منتفضا، كله أحرار، أن يخطئوا ظننا السيئ بهم فيرتقوا إلى مستوى شبان الانتفاضة الثالثة، فيتفقوا هذه المرة، ويطلقوا الأناشيد ويرفعوا أعلام فلسطين وكوفية عرفات في كل شوارع ومدن وأحياء غزة المحررة من الاحتلال وكل مدن وقرى ومخيمات القدس والضفة التي ما زالت تقاتل من أجل التحرر من الاحتلال .