وجوهٌ باهتة أرهَقها التعذيب والمرض، يعتريها ملامح احتشد فيها أسى وبؤس العالم أجمع.
أجسادٌ مثقلة التَهمَتها أمراضٌ مُستعصية خلّفتها ليالي وأيام التعذيب المجحفة على أيدي سجان ظالم لا يرحم، أعدمهم عافية قلوبهم و أبدانِهم.
يَتأوَّهون، يَتَلوُّون، مُستصرخين، راجين طوق نجاة ينتَشِلَهم من مستنقع الأسقام الذي يغرقون فيه يوماً تلو الآخر فاتِكاً أجسادهم جاعلاً منها فريسة ثمينة يَتلذّذ بها فيروس "كورونا" الذي غزاها وانتشر فيها كالنَّار في الهشيم .
أرواحٌ لَجَمها القهر، مجبورة على الصمت، مجبولينَ على الصبر، المجهولين في الأرض، المنسيين خلف قضبان الزنازين .
إنهم الأسرى الفلسطينيين الذين يَتأمّلون سرعة الأيام وتعاقب التواريخ وتُزعِجهم عقارب الساعة، التي تَتَلَصَّص على تأوُّهاتِهم، مستمتعة بآلامهم الناجمة عن أمراضهم المستعصية ومن أعراض "كورونا".
مَلحَمةُ أسقامٍ دامية يخوضها الأسرى في سجون الاحتلال على مرأى ومسمع السجان الذي ينطَرِب بأصوات آهاتِهم، التي تدوي في الأرجاء وتُسمِع من بهِ صَمم، من هولِ وثِقَل الأوجاع التي تنخُر بأجسادهم كالسّوسِ في أعواد القصب، دونما اكتراث لِحاجَتهم العاجلة للعلاج، سالِبُهم صِحّتَهم وكاملَ عافِيَتَهم، دونما رادع .
"ثلاثُمائة وسبعة وخمسون" جسد أسيرٍ انحشر فيه الوباء العالمي بصورةٍ مُزمِنة كجُرذٍ في غرفة المؤن، تكادُ الجدران تنطِق لمُناجاتِهم وعَجزِهم مُستصرخة للرحمة بهم من هول ما يُقاسونَه، في حين أن الاحتلال غير آبهٍ بهم وبما يعانونه في الدقائق الثقيلة التي تسير فوق أرواحهم وأجسادهم الهزيلة كشاحنةٍ ضخمة لا تتوَقّف، فَـتارة يُماطل في نقلهم للمشفى وتارة أخرى يمتنع عن إعطائِهم اللقاح المضاد لفيروس كورونا ، مُتذرِّعٌ بِحُجج واهية، مُترَقّب أن تَهوي أجسادُهم الواهِنة، السَّقيمة وهو يَسوقُها إلى الموت البطيء.
سُخف شعارات السلام وحقوق الإنسان التي يتغَنّى بها الاحتلال الصهيوني في المحافل الدُّوَلية ليست سوى شِعارات زيفٍ، يُردّدها ذئبٍ مُتَخّفٍ بثوبِ حملٍ وديع .!
معارِكٌ حامية الوطيس تحدث خلف ستار الزنازين، لم يكبح جماحها أحد، ولم تُحرّك المنظمات الدُّوَلية لها ساكن !
أَلِهذا الحدّ كل أرواح هؤلاء الأسرى لا معنى لها؟
فَـعَلى الرغم من جُلِّ آلامِهم، معاناتِهم، صبرِهم على جلّادِهم، وأجسادهم المُنهكة تحت وطأة الأسقَام التي قدّمتها لوباء "كورونا" على طبق من ذهب، سيّما وأن الاحتلال لم يوفر لهم أدنى شروط السلامة والوقاية منذ بداية الجائحة، جاعلاً من السجون بؤرة لذاك الفيروس اللعين؛ لا يزال الجميع صامتين، يصطَفّون مكتوفي الأيدي أمام تلك الجرائم البشعة التي ترفضها كل الأعراف والقوانين في هذا العالم، غير آبهين بما يَحلّ بِالأسرى الفلسطينيين من نَكَبات !