"محور المقاومة".."فصائل المقاومة"..تعابير تحتاج الى تدقيق!

حجم الخط

 كتب حسن عصفور 

كثيرا ما تصبح اللغة، خاصة العربية، نفقا ذهبيا للهروب من الأزمات، بل وبعض الوقائع نحو خلق عالم افتراضي ما، سواء كان قائما أم لم يعد، أو انتظارا لما سيكون.

وخلال مسار الكفاح الوطني الفلسطيني ضد المستعمرين والغزاة، ولاحقا ضد المشروع التهويدي بكل مظاهره منذ قيام أول مستوطنة فوق أرض فلسطين في بلدة الشجرة بصفد عام 1881، خلال الحكم العثماني، حتى ساعته، واللغة تشهد كثيرا من الأوصاف بعضها حق وبعضها باطل نتاج عجز.

بالتأكيد، تعبير المقاومة هو الفعل الواجب لمواجهة العدو، مستعمرا غازيا أو مغتصبا محتلا، وتلك حالة كقوس قزح، لا حصر خاص لشكل منها، فكل رفض بذاته للمستعمرين الغزاة هو فعل مقاوم، وتنتقل بين منحنياتها دون حواجز بين شكل وآخر، ومحاولة "تعلبيها" لم تنتج أبدا مكاسب لأي ثورة في التاريخ، ومنها الثورة الفلسطينية المعاصرة، ثم ما تلاها من تطورات بعد قيام الكيانية الفلسطينية.

منذ مغادرة قوات الثورة الفلسطينية وقيادتها الساحة اللبنانية، بعد مواجهة سجلها التاريخ ضد الاجتياح الإسرائيلي، حدثت تغيرات جذرية على مشهد التحالفات السياسية، في المنطقة العربية والدولية، ولم تعد محاورها كما كانت قبلها، وتغير الكثير منها لتأخذ منحنى مختلفا أهدافا وسلوكا، خاصة العلاقة بين المنظمة والثورة مع سوريا، إيران وفصائل لبنانية، ما أدى لانقلاب في العلاقات والمضمون.

ما قبل عام 1982، كان تعبير "محور المقاومة" يحمل ملامح نسبيا واضحة، بين دول وفصائل ترتبط بالثورة والمنظمة بعلاقات بين تحالفية وشبه تحالفية، ولكن خلال الاجتياح وبعده برزت تطورات جديدة، فرضت تغيرا جوهريا في تلك المصطلحات، بدأت بالصمت المريب لأطراف كان لها أن تكون جزءا من المعركة، لكنها وقفت تنتظر انتصار العدو على الثورة، وفصائل كانت جزءا من محور تعمد بالدم، سارعت لتنفيذ مخطط دموي ضد سكان المخيمات الفلسطينية لإكمال المخطط الشاروني.

موضوعيا، لا يمكن اعتبار المتفرجين، المنتظرين لتصفية الوجود الثوري الفلسطيني، بأنهم جزء من محور مقاوم، حتى لو كانت لهم أرض محتلة، ولا يمكن اعتبار أي فصيل شارك في حصار المخيمات جزءا منه، أي كانت تبريرات البعض، ويمكن الحديث عن لغة مختلفة، بعلاقات مصالح مشتركة لا أكثر.

وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، تشكل محورين جمع بينهما هدف واحد، تدمير الوليد الجديد، تحت شعارات مختلفة، دون أي تدقيق في حقيقة الهدف والأطراف، حيث اجتمع محور من أطراف فلسطينية عربية إقليمية (إيرانية)، مع محور من اليمين واليمن المتطرف في دولة الكيان الإسرائيلي للخلاص من أول كيان فلسطيني على أرض فلسطين في التاريخ، هدف واحد بلغات مختلفة، ومن بين أطراف محور التدمير فصائل تختبئ تحت يافطة "المقاومة".

وكانت الطامة الكبرى، التي كشفت زيف حقيقة اللغة، خلال المواجهة الأطول في المنطقة بين قوات السلطة الوطنية بقيادة الخالد ياسر عرفات وقوات الاحتلال من سبتمبر 2000 حتى نوفمبر 2004، مع استشهاد الزعيم أبو عمار، وقفت كثيرا من أطراف تدعي انها "محور مقاومة" و"فصائل مقاومة" متفرجة كما كانت عام 1982، بل أن الطرف الفارسي فيها اباح دم الشهيد الخالد، فيما انتظر الآخرون خلاصا شارونيا للقائد الذي رفض أن يكون أداة حزبية لدولة هنا وطرف هناك، كما انتظروه من ذات الشخص في معركة لبنان...وتحقق لهم ما تمنوا ولكن بيد العدو التاريخي...

ومن فترة طويلة توقفت غالبية الجبهات عن مواجهة دولة الكيان، وتفرغت لغيرها، ولكنها تصر على الاختباء وراء تعابير ضآلة، منها "محور المقاومة"، ومؤخرا عاد التعبير يستخدم بكثافة في المشهد الفلسطيني، مع مصطلح "فصائل المقاومة"، مع أنها تشكل عامود فقري لأخطر مؤامرة على الشعب الفلسطيني رأتها الحركة الصهيونية ومشروعها في دولة الكيان، الهدية الأكبر لها لتمرير مشروعها التهويدي في الضفة والقدس.

المسألة ليس فيما تقول عن ذاتك ولكن ما هو الفعل المباشر وماذا يخدم...هل حقا يمكن اعتبار من شارك في المؤامرة المركبة لتدمير الكيانية الأولى ثم تكريس الانقسام الأخطر كفعل مقاوم، وكيف يمكن لها ان تتوافق مع جوهر تعريف الفعل الكفاحي...

ربما هناك بعض ممارسات وعمليات ضد العدو ولكن هل هي في سياق خدمة مشروع وطني عام، ام أشكال لتثبيت وجود سياسي ما، قد يكون هدفه حصار الوطنية التي كسرت كل القيود...

من أجل "المقاومة" بات ضرورة إعادة تقييم التعريف بكل مكوناته...فعلا وأطرافا كي لا تصبح اللغة أداة مضافة للتضليل على المؤامرة الكبرى لتصفية مشروع وطني لصالح مشروع تهويدي تحت أغلفة مختلفة.

ملاحظة: بعد رد فعل بعض كادر فتح ومؤسسات مدنية حول تهديد الرئيس عباس بقتل من يخرج عن طوعه الانتخابي، وجب الاعتذار عن تلك الأقوال الشاذة لو أن الأمر بحثا عن مصلحة "أم الجماهير"!

تنويه خاص: بعض كلمنجية حركة فتح (م7) يعملون بكل السبل لكسر عامودها الفقري لو جرت الانتخابات...شكلا ومضمونا يطالبون الناس بالتصويت لغيرها...هيك "تفتفة كلامية" لا تنتج سوى هزيمة ومضمونة...!