هل ثمّة اتصالات سرية بين إسرائيل وسورية؟

حجم الخط

بقلم: د. مردخاي كيدار

 


تُنشر، مؤخراً، أنباء متفرقة عن اتصالات بين إسرائيل وسورية غايتها إقامة علاقات بين الدولتين.
اجتذب نبأ واحد الانتباه، نشر قبل نحو شهر، في موقع «إيلاف»، الصحيفة الرقمية العربية، التي أسسها في العام 2001 منفيان عربيان، واحد من السعودية والثاني من العراق. وهذا الموقع معروف بمصداقيته وابتعاده عن الفضائح، بل ينشر مقالات لمراسلين إسرائيليين.
في 23 كانون الأول 2020 نشر الصحافي الإسرائيلي، مجدي الحلبي، مقابلة أجراها مع أحد ضباط هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي دون الكشف عن اسمه.
وفي إطار المقابلة وصف الضابط الأعمال الإسرائيلية في سورية، وسأل الحلبي عن رد فعل الرئيس السوري على هذه الأعمال. فأجاب الضابط: «لو كان الأسد يجلس مكانك لقال لي تعال نصل إلى حل.
جلب الأسد الإيرانيين كي يحلوا مشكلة داعش والحرب الأهلية، ولكن بعد أن انتهى داعش أصبح الحل (إيران) مشكلة كبيرة للأسد.
إيران، التي كانت كنزاً لسورية، أصبحت عبئا سواء على سورية أو على روسيا. يجلس الملحق العسكري الروسي هنا كل أسبوع ويسمع مني كل هذه الأمور.
سأل الحلبي: «هل الروس ينقلون رسائل من السوريين إليكم؟» الجواب: «نعم، بالتأكيد، وليس فقط عبرهم.
رسائل سورية تصل إلينا بطرق أخرى وبشكل متواصل». الحلبي: «ماذا يريد السوريون منكم؟». الجواب: يريدون العودة إلى الجامعة العربية ويريدون مساعدة اقتصادية، وقوداً مثلا.
يحتاجون إلى المال ليدفعوا للإيرانيين كي يخرجوا من سورية، وهم يريدون أن يثبتوا نظامهم.
يرى الأسد الوضع، وهو يريد أن يقترب من المحور السني كي يدفع ديونه لإيران ويخرجها من سورية.
وهو يرى أن لإسرائيل قدرة على مساعدته مع الولايات المتحدة من جهة ومع محور الخليج والمحور السني من جهة أخرى. كما أن الروس يرون فينا جسراً للولايات المتحدة، للخليج، وللمحور السني.
يخشى الأسد من سقوط حكمه ومن عدم عقد السلام معنا غدا. ومع ذلك فإنه مستعد الآن ليتحدث معنا كي يثبت حكمه، يعود إلى الجامعة العربية، يسدد الدين المالي لإيران، يقيم وضع عدم حرب مع إسرائيل، وبعد ذلك المفاوضات على الجولان وأمور أخرى».
يسأل الحلبي: «هل تعتقد أن هذا ممكن؟» الضابط يجيب: «بالتأكيد، أنا مستعد لاتفاق معه صباح الغد، ولكن للحقيقة، لم نتحدث عن ذلك مع رئيس الأركان ومع القيادة السياسية كون هذا لا يزال في البداية، مع وسطاء يأتون بالصدفة، ولكن الأمر المهم هو أنه توجد إمكانية لتفكيك المحور الراديكالي، المحور الإيراني».
هذه الأمور واضحة تماما: لم يعد الأسد يرى أي معنى لاستمرار التواجد الإيراني في سورية، والمهم بقدر لا يقل: الروس أيضا جد لا يريدون أن يروا طهران وتوابعها – الميليشيات الشيعية – في سورية.
المصلحة الروسية هي ترميم الحكم في سورية من خلال إيجاد حل لجيب إدلب ولآلاف معارضي الأسد الإسلاميين المحاصرين والمتمترسين فيه، وإيجاد حل للمشكلة الكردية بشكل يخرج تركيا من سورية ومن المواجهة معهم، وإيجاد حل للمشكلة الإيرانية كي تكف إسرائيل عن هجماتها العسكرية في سورية.
المصلحة الروسية واضحة: كلما تقدم الموعد الذي تعود فيه سورية لتكون دولة تؤدي مهامها، سيتقدم أيضا الموعد الذي تتمكن فيه موسكو من أن تخرج منها قواتها العسكرية حيث يلقي استمرار تواجدها عبئا ثقيلا على الاقتصاد الروسي.
إضافة إلى ذلك، تريد روسيا تسريع إنتاج الغاز السوري من قاع البحر المتوسط؛ كي تتمكن دمشق من دفع ديونها لقاء المساعدة الروسية التي قدمت لنظام الأسد في السنوات الأخيرة.
في 14 كانون الثاني نشرت صحيفة «الشراع» عن لقاء لوفد إسرائيلي من مندوبي الأسد في القاعدة الروسية «حميميم» قرب مدينة اللاذقية في شمال سورية، بعد أن سبق أن عقد لقاء واحد على الأقل بين مندوبي سورية وإسرائيل على أراضي قبرص.
نشر هذا النبأ مرة أخرى (في 18 كانون الثاني) في صحيفة «الشرق الأوسط» الصادرة في لندن، وتضمن أيضا أسماء المشاركين في اللقاء: رئيس جهاز الأمن الوطني السوري، الجنرال علي مملوك، ومستشار الأسد لشؤون الأمن، بسام حسن، ومن الجانب الإسرائيلي الفريق احتياط غادي آيزنكوت وآري بن منشه، من قادة «الموساد» السابقين.
وكان الجنرال الروسي، الكسندر تشيكوف، هو المضيف. وحسب النبأ، فإن المواضيع التي طرحت في اللقاء كانت مشابهة للغاية مع الإحاطة التي قدمها الضابط في هيئة الأركان لمجدي الحلبي.
حتى لو لم تكن كل التفاصيل دقيقة أو كاملة، يخيل أنه من خلف الكواليس تدور اتصالات مكثفة بين إسرائيل وبين سورية. وستتضمن هذه الاتصالات – إذا كانت لا تزال لا تتضمن – الجولان أيضاً، وتحدث نبأ عن أنه توجد إمكانية لأن تنقل إسرائيل لسورية السيطرة على القرى الدرزية في الجولان.
إن المهمة الكبيرة التي تقف أمام الرئيس الأسد هي إعادة بناء الدولة، بناها التحتية، صناعتها، مدنها وأحيائها السكنية التي دمرت تماما أو جزئيا في أثناء الحرب الأهلية.
وستستغرق إعادة البناء عشرات السنين، وستحتاج إلى مبالغ طائلة لا توجد بوفرة ولا سيما بسبب التراجع الاقتصادي الذي يشهده العالم في أعقاب أزمة «كورونا».  تركيز المال الوحيد في العالم يوجد في الصين وفي والخليج. ليس واضحا كم هي موسكو معنية بأن تكون الصين، العطشى للطاقة بشكل دائم، هي التي تتسلل اقتصاديا إلى سورية، ومن المعقول الافتراض بأنه من المريح أكثر للروس أن يكون المال الذي يأتي من الخليج، إذ إن هذا المال لا يترافق وتطلعات الهيمنة السياسية.
من هنا التأييد الروسي للتقارب بين سورية وإسرائيل، والتي تعتبر كإحدى البوابات للإمارات وللبحرين.
إذا كان هذا التقارب بين الأسد وبين الإمارات سيبعده عن الإيرانيين فإن الأمر بالتأكيد ينسجم مع المصلحة الروسية.
حتى الآن لم يُسمع رد فعل إسرائيلي مخول على الأنباء بشأن الاتصالات مع سورية.
من المعقول الافتراض بأن التفاصيل – على ما يبدو دون شارة الثمن – ستخرج إلى الإعلام الإسرائيلي مع اقتراب الانتخابات القادمة.

عن نشرة «مباط» الصادرة عن مركز بيغن - السادات