وعد بلفور .. والدور الأميركي!!

هاني-حبيب
حجم الخط

قرابة قرن على وعد بلفور، نتائجه باتت معروفة، قيام الدولة العبرية على انقاض الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني، دولة مارقة مزقت الخارطة العربية وباتت أداة من أدوات الاستعمار الحديث وحارسة لمصالحة، من اجل ديمومتها قامت على الحديد والنار والدم، بنت قوة عسكرية ضخمة بدعوى التهديد من محيطها العربي، اعتمدت مستويات عالية من التصنيع والابتكار والثقافة لدعم ميزان القوة لديها، دعت وحرضت كل يهود العالم للهجرة إليها، باعتبارها ارض اللبن والعسل، قامت ولا تزال كدولة خارجة على القانونين الدولي والأخلاقي، وهي الدولة الوحيدة التي تقوم على أساس ديني، ترتكز عليه لتبرير احتلالها بدعاوى توراتية، وتشجع قوى اخرى، للاعتماد على الدين كهوية لتبرير يهوديتها.. ويمكن الإطالة كثيرا وبلا نهاية حول هذه الدولة التي ما تزال تحيط نفسها بالدم والحديد والنار في مواجهة شاملة، لا يبدو لها نهاية في الأفق القريب، على الشعب الفلسطيني وسائر القوى المحبة للسلام في العالم أجمع. هذه النهايات لوعد بلفور باتت معروفة على نطاق واسع، وفي كل عام، مع هذه الذكرى، تتردد عبارة «من لا يملك أعطى لمن لا يستحق» لكن لم نتوسع كثيرا في مدى دقة هذه العبارة، ولماذا أعطى من لا يملك لمن لا يستحق، اذ توافقنا على النهايات والتداعيات والنتائج، لكننا بالكاد توصلنا الى يقين حول الإجابة على السؤال المشرع: لماذا، أعطى من لا يملك لمن لا يستحق» هذا هو السؤال الذي ما زال عالقاً، على الرغم من توفر إجابات عديدة، الا ان درجة اليقين باي منها، او  بأعظمها ما تزال موضع شك!! يقال ان هناك عورات في الترجمة العربية لهذا «الوعد» اذ انه ليس وعداً بقدر ما هو «تصريح»، الا ان هذه العورات لا تكتسب الكثير من الفروق من الناحية السياسية والقانونية، بصرف النظر عما اذا كانت وثيقة بلفور وعداً ام تصريحاً، اذ ان فلسطين كانت تخضع للسيادة العثمانية في ذلك الوقت، رغم ان اتفاقية سايكس - بيكو قبل عام من صدور الوعد - التصريحات، قد خلصت الى ان فلسطين من نصيب الانتداب البريطاني، وحتى من الناحية الشكلية فإن فاعلية هذا التصريح او الوعد، لا يحظى بأي قيمة قانونية، حتى في عهد الاستعمار التقليدي. كما ان هناك من يرى في ان الترجمة الحرفية لهذا الوعد او التصريح، ونتيجة لعدم التدقيق في المصطلحات من الناحية اللغوية، ترجمت Home الى وطن، ومع ان إحدى مفردات هذه الكلمة هي «وطن» الا ان سياق صياغة الوعد - التصريح، يشير الى ان الكلمة المناسبة هي: مقام او ملاذ، خاصة ان التصريح - الوعد، وخلافا لمقولات صهيونية تشير الى ان ارض فلسطين بلا شعب، هذه الوثيقة اشارت بوضوح الى ان هناك شعباً، وعلى هؤلاء السكان الجدد، اليهود والصهاينة تحديداً وفقا للنص، ان لا يأتوا بأي عمل من شأنه الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية «المقيمة في فلسطين» ووضعت العبارة الأخيرة بين قوسين، لأن بعض التفسيرات للوعد - التصريح، تشير الى ان المقصود بها توفير ملاذ آمن لليهود المقيمين في ذلك الوقت في فلسطين وليس وطناً قوميا لليهود على مستوى العالم، وبصرف النظر عن هذا التفسير الذي يحاول التخفيف من جرائم هذا التصريح - الوعد، فإن النص السابق يشير بوضوح الى ان فلسطين لها شعب، هو الشعب الفلسطيني، مسلمين ومسيحيين، اي من غير اليهود، كما جاء في نص الوثيقة. مواقف أطراف الحرب العالمية الأولى - وكانت تسمى الحرب الأوروبية قبل ان تندلع الحرب العالمية الثانية، وباتت «الأوروبية» هي «الأولى» - مواقف معروفة ومحددة، الولايات المتحدة لم تشارك في هذه الحرب، اقتصادات الدول الأوروبية انهارت، لم تعد قادرة على مواصلة الحرب، كان المطلوب «استدعاء» مشاركة أميركية ما تزال صعبة المنال، الجهة الوحيدة القادرة على الضغط في الكونغرس على مؤسسة الرئاسة للمشاركة في هذه الحرب، هي الحركة الصهيونية الأكثر قدرة على الضغط، كونها الأكثر تماسكا وتنظيما، وللاختصار، يقال ان الوعد - التصريح، كان يهدف فيما يهدف، الى عربون رشوة مقدم الى بعض الصهاينة المتنفذين في الولايات المتحدة لإقناع المؤسستين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة لدخول الحرب الى جانب بريطانيا، لذلك هناك مصالح، قلما يتذكرها البعض تتجاوز اليهود والصهاينة انفسهم، الى مصالح بريطانية تتلخص في زج الولايات المتحدة في الحرب الى جانبها. ويقال في هذا الصدد، ان صيغة الوعد - التصريح تم تسريبه الى لويس ديمبتس برندايس، وهو كبير قضاة مجلس محكمة العدل العليا الأميركية، وهو منصب بالغ الأهمية فيما يتعلق بصلاحية التشريعات في الكونغرس، وقام هذا القاضي ببعض التعديلات الصياغية - القانونية على مشروع الوعد - التصريح، اذا كان النص في المشروع «العرق اليهودي the jewish race واستبدالها بـ the jewish people «الشعب اليهودي». وبالفعل، وبعد خمسة أيام فقط من صدور وعد بلفور، تأسس مجلس الحرب الأعلى في الولايات المتحدة التي أعلنت دخولها في الحرب الى جانب الحلفاء، الأمر الذي يؤكد مصداقية الرشوة البريطانية لليهود والصهاينة للزج بأميركا في الحرب الى جانبها من خلال وعد - تصريح بلفور، وتحملت أميركا عبء هذه الحرب، دمارا واقتصادا بديلا عن بريطانيا التي كانت تترنح في ذلك الوقت!!