ترامب يشق الصف الجمهوري

حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

 

بمجرد أن استلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن الحكم، حتى أعلن عن جوهر سياسته الخارجية الذي يتناقض تماماً مع تلك السياسة التي كان يديرها سلفه ترامب، الذي صدّع جدار تحالفه الاستراتيجي مع أوروبا الغربية مطالباً إياها بدفع ثمن الحماية الأميركية لها.
في الأساس كان بايدن واضحاً إزاء موقفه من بعض الملفات التي كان يعطيها أولوية قبل صعوده الرئاسة، حيث أصدر قرارات تنفيذية سريعة تتصل بتسهيل عملية الهجرة ولم شمل المهاجرين القاصرين غير الشرعيين بأهاليهم الذين أبعدوا عن الولايات المتحدة الأميركية في فترة حكم ترامب.
كذلك سرع الرئيس وتيرة التلقيح ضد فيروس كورونا، وأعطى أوامره بخصوص التقيد بالتزامات التباعد الاجتماعي وضرورة ارتداء الكمامة، وفرض على مواطنيه والمقيمين الذين يرغبون في العودة إلى الولايات المتحدة إجراء فحص (PCR) قبل وصولهم إلى منافذ العبور والمطارات.
بايدن ومن خلفه الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه، لا يريد توجيه ضربة قاسية إلى الجمهوري ترامب فقط، إذ هناك تنافس شديد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإدارة البلاد والعباد، وحزب الرئيس الجديد يرغب في إضعاف الجمهوريين عبر إضعاف ترامب وتحميله مسؤولية اقتحام الكونغرس.
لقد كان ملف «كورونا» بمثابة السقطة الكبيرة التي أوقعت ترامب في الهاوية، لأنه بشهادة الكثير من مساعديه لم يتعامل بجدية مع وقف انتشار الفيروس، ولم يتخذ إجراءات وقائية مستعجلة لمنع تفشيه كما يحصل الآن، ناهيك عن أسلوبه في «تفنيش» كبار موظفيه والعداوات التي يصنعها مع طاقمه المصغّر يوماً بعد يوم.
الحزب الجمهوري فشل في كسب المعركة الانتخابية على صعيدي مجلس النواب والشيوخ بسبب ترامب، وهنا وجد بايدن في تراجع حزب ترامب استفادة للاستمرار في الضغط على الأخير عبر محاكمته بالتهمة المنسوبة إليه سالفاً، ولا شك في أن المحاكمة أثرت وتؤثر على مكانة وقوة الحزب الجمهوري.
النتيجة من وراء سياسات ترامب وتصريحاته الكثيرة، أن هناك تقارير تتحدث عن إجراء محادثات في أوساط مسؤولين سابقين وأعضاء في الحزب الجمهوري للانشقاق عن حزبهم الأم وتشكيل واحد جديد يدعم الفكر اليميني الوسطي، أو البقاء تحت مظلة الحزب الجمهوري لكن بفكر مختلف يميل إلى الوسط.
ليس هذا فحسب بل هناك تقارير أخرى زعمت أن أكثر من 140 ألف ناخب ينتمون إلى الحزب الجمهوري انسحبوا منه منذ بداية العام على خلفية احتجاجات «الكابيتول»، وثمة أصوات واضحة من داخل الجمهوريين تدعو إلى معاقبة ترامب ورفض كل التبريرات التي ترفض إدانته.
الحزب الديمقراطي بالتأكيد سيلعب على وتر الخلافات التي تدب في الحزب المنافس، لأنه كلما تراجع حضور الأخير سيعني ذلك ضمانة لبقاء الديمقراطيين أطول فترة ممكنة في الحكم وفي صناعة القرار الأميركي، وهو الجهد المكلف بالقيام به كل من بايدن ونانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب.
ما يهم الرئيس الأميركي الجديد في هذا الوقت عدا إضعاف ترامب وحزبه الجمهوري، هو الاطمئنان إلى سهولة تمرير القوانين وعدم إعاقة قراراته في «الكونغرس»، لأنه مقبل على الكثير من التغييرات التي تمس الشأنين الداخلي والخارجي، بما فيها ملف «كورونا» الذي يمثل الأولوية القصوى لإدارة بايدن.
في خطابه أمام موظفي وزارة الخارجية حديثاً، قال الرئيس الديمقراطي: الولايات المتحدة عادت والدبلوماسية عادت، وهو يقصد بذلك توسيع هامش انخراط بلاده في ملفات كثيرة من حيث تحسين العلاقة مع أوروبا، وكذلك عودتها إلى الهيئات الدولية التي خرجت منها أميركا.
ثمة قناعة يريد بايدن أن يرسّخها في عقل الرأي العام الأميركي، وهي أن ترامب لم يصلح رئيساً للولايات المتحدة وفشل الفشل الذريع في السياستين الخارجية والداخلية، كونه استعدى الحلفاء وكذلك استعدى الديمقراطية الأميركية التي حسمت نتائج الانتخابات التي ظلّ يُشكّك فيها.
حتى اللحظة يسير الرئيس المنتخب عكس تيار كل سياسات ترامب، حتى في مسألة العلاقة مع الصين وروسيا وإيران التي تفكر واشنطن في إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي أبرم العام 2015 أيام باراك أوباما، وهذا يفسر إلى حد كبير أن بايدن لا يتطلع إلى رئاسة البلاد لمرة واحدة فحسب، إنما يطمح في البقاء حتى انتهاء الولاية الثانية، أو أنه قد يسلم الراية إلى أحد رفقائه من نفس الحزب.
لا يعني ذلك أن فترة حكم ترامب كانت صعبة على الكثير من الدول، وأن فترة حكم بايدن ستكون وردية و»بنت عالم وناس»، ففي النهاية ثمة مصالح وثوابت لا تحيد عنها السياسة الأميركية مع الغير، فالأساس أن الحزب الديمقراطي يبحث في تعظيم قوته مقابل تحطيم نظيره الجمهوري، وكذلك شأن السياسة الخارجية الأميركية حينما تتعامل مع الدول الأخرى، تبحث في حماية مصالحها وبقائها على سُلّم النظام الدولي، حتى لو كلفها الأمر التضحية بأقرب حلفائها.