بقلم: أحمد زقوت

الانتخاباتُ الفلسطينيةُ رغبةٌ خارجيةٌ ورهبةٌ داخليةٌ

أحمد زقوت
حجم الخط

غزة - وكالة خبر

مع كُل عهد للرئيس الجديد للولايات المتحدة نتطلعُ إلى آفاقٍ جديدةٍ آملين أن يفتح أبوابهُ للقضية الفلسطينية بشكلٍ منصفٍ، يأتي رئيسٌ أمريكيٌ ويرحل آخر، لكن سُرعان ما تنقضي الفترة الرئيسية لذلك الجديد دون تَقَدُّم واضحِ في الملف الفلسطيني، بل من عام 2001 إلى عام 2020 تغير أربعة رؤساء أمريكيين "جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، وأخيرًا الرئيس الحالي جو بايدن" ولم يتغير واقعُ الدولة الفلسطينية المحتلة، إذ لا نلمسُ فوارق جديةً بين الرُؤساء الأمريكيين سواء الجُمهُوريين أو الديمُقراطيين، الذين حكمُوا الولايات المُتحدة طوال عقدين من الزمن تجاه فلسطين، ولا عجب من مُحاباتهم لدولة الاحتلال" الإسرائيلي" بجعلهم القضية الرئيسية والأهم المرتبطة بسياساتها في المنطقة، رغم أن أمريكا لم تكُن سببًا مُباشرًا في احتلال فلسطين، صحيح اعترفت بها كدولة، لكن الاحتلال البريطاني ساهم بشكل كبير في دعم ذلك.

 نعم تفاؤل جديد عام 2021م في ظل مُستجدات ومُتغيراتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ مُتلاحقةٍ، والتي كان أبرزُهُما حدثين مُهمين على صعيد القضية الفلسطينية أولُها رحيلُ أسوأ رئيس أمريكي "دونالد ترامب" كما وصفهُ نبيل شعث المُمثلُ الخاص للرئيس الفلسطيني "لم يكن هناك أسوأ من عهد ترامب" حيث اعتبر أن "الخلاص منه مكسب"، بعد أن أصدر العديد من القرارات المُعادية للشعب الفلسطيني، ومنها الاعتراف بالقُدس عاصمة لـ"إسرائيل" ونقل سفارة الولايات المُتحدة الأمريكية من "تل أبيب" إليها، ووقف التمُوِيل المُخصص لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ووقف الدعم المالي، وإغلاق مكتب مُنظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن، وأخيرًا ما تُسمى بـ "صفقة القرن" والتطبيع.

أما الحدثُ الثاني وهو الأهم باعتقادي بدأ مع وصُول الرئيس جو بايدن إلى سُدَّةِ الحُكم، فالجديد بالنسبة إلينا وَيُعَدّ الفارق في تاريخنا الفلسطيني هو تطوُّراتُ المشهد الداخلي الفلسطيني، إذ فجأةً حدد الرئيس محمود عباس مَوعِد إجراء الانتخابات التشريعية في 22 مايو/ أيار، والرئاسية في 31 يوليو/ تموز، والمجلس الوطني في 31 أغسطس/ آب من العام الجاري، حتى نحن مُتفائلُون بشكل حذر جراء تجارب اللقاءات السابقة ونتائجها والواقع الذي حدث بعد ذلك.

إذ باستطاعتنا القولُ إن هذه التفاهُمات والاتفاقات بين حركتا حماس وفتح ومُعظم الفصائل الفلسطينية حدث اختراقٌ كبيرٌ وجيدٌ بعد انقسامٍ داخليٍّ طويلٍ دام لأكثر من 15 عامًا، لكن لا تعبر عن رغبتهما بل استجابة لضُغوط  ورغبة خارجية كما صرح نبيل عمرو عضو المجلس المركزي الفلسطيني في لقاء مُتلفزٍ لقناة الغد " فتح وحماس تلقتا إنذاراً إقليميًا ودوليًا بعدم الاعتراف بهما حال فشلا في إجراء الانتخابات"، إذًا أنه قرارٌ سياسيٌّ خارجيٌّ بالذهاب نحو الانتخابات، بالتأكيد هناك رهبةٌ داخليةٌ تعصف بهما جراء إنذار عدم الاعتراف بهم، لذلك يسعى كل طرف إلى تعزيز وٌجوده وشرعيته من خلال الانتخابات.

 قد تكونُ هذه الضُغوطُ الخارجية من الولايات المُتحدة بشكلٍ خاص، وذلك لأن بايدن يُعتقدُ أنهُ سيُعيدُ تصوُّر إدارة الرئيس السابق "باراك أوباما"، التي هدفت إلى إدماج "الإسلام السياسي المُعتدل" أي حركة حماس في الأنظمة السياسية القائمة في المنطقة العربية، وفي السلطة الفلسطينية، لذلك ترتفع فرصة إجراء الانتخابات، أما السُلطة الفلسطينية أمام مرحلة جديدة خاصة مع حرك أميركي مدعوم دوليًا لتنشيط عملية المُفاوضات مع الاحتلال بعد إعلان السلطة وقف العمل بالاتفاقيات المُوقعة مع "إسرائيل"، على خلفية إعلانها نيتها تنفيذ خُطةِ الضم.

إذ إن التطوُرات الإقليمية والدولية بالتأكيد ساهمت بإصدار مرسوم إجراء الانتخابات الفلسطينية، نعم هناك تغيُر جديد سنشهدُهُ والمُرادُ منه تجديدُ الشرعيات بترتيب البيت الفلسطيني، ويسمحُ بتجديد شرعية مؤسسات السلطة الفلسطينية، التشريعية والتنفيذية، ولم يكن مُستغربًا أن يُسارع الاتحادُ الأوروبي والأممُ المتحدة إلى مباركة المرسُوم الانتخابي وحثِّ "إسرائيل" على السماح بإجرائها، أيضًا لا نغفلُ اهتمام الدول المُجاورة، فقد شهدنا زيارة غير مسبُوقة لمُديري المُخابرات المِصرية والأردنية لرام الله، وقمة مصرية أردنية في عمّان، وكان محورُ الحديث قلق دول الجوار بحدوث مُفاجأة كما حدث عام 2006م، الذي شكل الأساس في الانقسام الذي لا نزال نُعاني منه، إذ كل تلك المُتغيرات تُؤثرُ بشكلٍ أو بآخر في سياسات الدول المُجاورة وعلى تاريخنا الفلسطيني ومواقفنا.

خُلاصة إن إجراء الانتخابات في بيئة مُتداخلة ومُنقسمة وعليها ضُغوط ٌخارجيةٌ سواء من الولايات المُتحدة أو دولٍ أخرى، إنما هي تنفيذُ لسياسات لا تُراعي مصالح وثوابت شعبنا ولا تنبُعُ من إرادتنا ولا من عزيمتنا لذا تُمثلُ مُخاطرة كبيرة وتدخُلُ بنا إلى مُنعطف عائق لا نستطيعُ الخُروج منهُ إلا بإرادتنا النابعةُ من إحساسنا بأهمية زوال الاحتلال وتحقيق ثوابت القضية الفلسطينية، حتى وإن رحل بايدن كما رحل الرُؤساء الآخرُون فإن الهدف الأساسي للسياسة الأمريكية هي بدءُ بناء عهدٍ جديدٍ مع الفلسطينيين يخدمُ تكريس الاحتلال ومشروعهِ في تشتيت الأمة العربية أجمع بكل مُكوناتها، فانتبهوا من خدمة سياسات بعض الدول على حساب ثوابتنا وعدالة قضيتنا وليكُن من أمركُم رُشدًا.