هكذا تعيد اسرائيل خلق النكبة (وفقط قلائل يصرخون)

حجم الخط

هآرتس – بقلم ايلانا هامرمان

المستوطنات اليهودية تطبق على القرى العربية من كل الجهات – اريئيل، هرفافاه، كريات نتفيم، برقان، بروخين، عالي زهاف، ليشم، يكيف، بدوئيل وبيت آريه. هذه المستوطنات تمتد وتقترب وتخنق وتطبق بالجدران والشوارع على مدينة سلفيت وقرى كفل حارس وحارس وبروكين وكفر الديك ودير بلوط ودير استيا. مساحات اختصاصها الكبيرة التي تم اعدادها لتوسيعها تصل الى حقولهم وبساتينهم وحتى الى بيوتهم. يوجد منها من تضخ للقرى مياه الصرف الصحي ومنها من تسيطر على ينابيع وآبار سكانها وتعمل منها برك للاستجمام ومنها من تحرض شبابها على قطع واقتلاع اشجارهم، وتحرضهم على تهديد سكان القرى وعلى التخويف والهدم.

​نفس هذه المهمة يقوم بها في هذه الاثناء بعدوانية كبيرة وبشكل خاص الجيش الاسرائيلي. فجرافات يرافقها الجنود اقتلعت مؤخرا آلاف اشجار الزيتون في دير بلوط ومئات الاشخاص في حارس. وهناك أوامر اخلاء معلقة ضد اشخاص آخرين. أحد هؤلاء الاشخاص هو أحد سكان قرية حارس، صاحب بستان التقيت معه قبل بضعة ايام بمرافقة ثلاثة اسرائيليين آخرين، رجل وامرأتان من نشطاء جمعية “دهيرما مشاركة اجتماعية”.

​ليس فقط الله، ايضا الشيطان، يوجد في التفاصيل الصغيرة. لذلك، رجاء اقرأوا بصبر: نموذج الأمر لم يتم تسليمه لصاحب البستان، بل “في غياب من يضع يده على المكان”، هكذا مطبوع فيه مسبقا (هذه صيغة واحدة للأمر الذي يتم توزيعه على الفلسطينيين منذ سنوات، بمئات وآلاف النسخ)، يتم تعليقه “في ثلاث نقاط بارزة وبثلاث نسخ”. وهذه الجزئية ايضا مكتوبة بخط اليد، لأن هناك نماذج يتم دسها تحت الحجارة في الحقل أو يتم وضعها فوق الحجارة أو يتم الصاقها على حائط المبنى. والمراقب مطلوب منه تفسير ذلك بدرجة معينة.

​المراقب الذي تم ارساله الى حقل ذاك المواطن من قرية حارس فعل ذلك بخط يدوي غير مرتب وبشكل سريع خوفا من أن يظهر صاحب الملكية فجأة ويجد نفسه يقف أمام انسان.

​في أعلى النموذج مكتوب بالعبرية والعربية اسم السلطات المسؤولة عن طرد المواطن من حارس من ارضه: جيش الدفاع الاسرائيلي، الادارة المدنية لمنطقة يهودا والسامرة، المسؤول عن الاملاك الحكومية، الوحدة المركزية للرقابة. كل هذه تعمل حسب أوامر وقوانين ومواد قوانين. هي ايضا ذكرت في النموذج كي يعرفها المنوي طرده من ارضه: “استنادا لصلاحيتي حسب الامر بشأن الاملاك الحكومية (يهودا والسامرة رقم 59 ) من العام 1967، وحسب البند 2 من الامر بشأن تعيينات وصلاحيات حسب قانون حماية اراضي واملاك الدولة (يهودا والسامرة رقم 1006) من العام 1982، فانني أقرر بأنك/ كم تستولون بصورة غير قانونية على اراضي موصوفة هكذا. وها هو وصف الاراضي (بخط اليد): “شمال شرق كريات نتفيم في اراضي قرية حارس” (هكذا!). وهذا وصف الارض نفسها، التي تحظى اليوم باسم “الاراضي والغزو” (هكذا الجيش الاسرائيلي واذرعه الادارية يحمون اراضي قرية حارس من الغزاة سكان القرية): “اشجار زيتون في براميل، 120 تقريبا، و6.5 دونم تقريبا”. وقد تم ارفاق صورة جوية بالنموذج ظهرت فيها مستوطنة كريات نتفيم، وبالقرب منها قطعة محاطة باللون الاخضر: هذا “الغزو” يوضح الدليل في اسفل الصورة. والآن، المواطن من حارس مطلوب منك “رفع يدك عنها وأن تعيد وضع الارض الى سابق عهده خلال 45 يوم منذ تسلم هذا الامر”. وإلا “ستعمل السلطات المختصة على تنفيذ الاخلاء وتكون لديها الصلاحية بالزامك بتكاليف الاخلاء”.

​وما هي كريات نتفيم المنوي اقتلاع البستان الصغير من اجلها، والذي يمس الجدران المعدنية والاسلاك الشائكة للتوسيع الجديد الذي يبنى فيها؟ حقا هي زاوية جميلة. اقرأوا وصدقوا وتعالوا: “كريات نتفيم هي مستوطنة مشتركة دينية في السامرة، يبلغ عدد العائلات الاصلية فيها حوالي 200 عائلة تتمتع بحياة اجتماعية غنية وحيوية. الحي الجديد الذي يبنى في المستوطنة يشكل التوسيع الكبير الاول لها، ومن شأنه أن يجذب للمشروع عائلات شابة كثيرة معنية بتحسين ورفع مستوى حياتها والتمتع بمستوى حياة واسلوب سكن عصري في شقق مصممة ومؤثثة والتي تعرض على الساكنين تجربة سكن غنية ومدللة امام المشهد الطبيعي الجميل في السامرة”، هذا حسب اقوال المقاول الذي يبني هناك. هذا الاعلان مرفق بخارطة واضحة تجعلنا نفهم أنه في هذا المشهد الجميل لا يوجد حتى أي قرية عربية واحدة، وهناك الكثير جدا من المستوطنات اليهودية.

​هكذا يعيدون انتاج النكبة في الضفة الغربية، وليس فقط هنا. من جنوب جبل الخليل وغور الاردن والخليل وبيت لحم وطولكرم وحتى جنين؛ من سوسيا، مفؤوت يريحو، افرات، بيتار عيليت واريئيل وحتى كرنيه شومرون وحينانيت وشيكد: حرية، تطوير وسلطة لليهود فقط. هذه هي الطريقة المحتالة للنكبة الحالية. ليس هناك حاجة الى أن يتم تحميل اللاجئين على الشاحنات وطردهم في قوافل. في الصور الجوية للهيئة التي تسمى الادارة المدنية هي حاضرة جيدا، والمناطق التي تمت مصادرتها من الوجود غير اليهودي محددة فيها بصورة واضحة. وعلى الارض هي تتقدم بخطوات كبيرة قبل تدمير نسيج الحياة لملايين العرب الفلسطينيين الذين يعيشون هنا منذ اجيال.

​ذات مرة كانوا مزارعين، اليوم هم عمال بناء واعمال صيانة في المستوطنات وفي المدن الاسرائيلية، ويعملون في مشاريع صناعية اسرائيلية يهودية بنيت على اراضيهم (أو على اراضي عامة كان من شأنها أن تخدم احتياجاتهم، لكن اسرائيل حولتها الى اراضي “دولة” لليهود فقط). هذا شريطة أن تكون لديهم تصاريح عمل واموال لشراء هذه التصاريح من السماسرة وقوة للخروج من بيوتهم الى الحواجز قبل الفجر والعودة بعد غروب الشمس. ذات يوم كان يمكنهم بناء البيوت لعائلاتهم الممتدة على اراضيهم، الآن حدود البناء لقراهم مرسومة في الخرائط بالضبط على حدود البيوت الاخيرة التي بناها اجدادهم – هذا هو “حدود القرية” التي خصصتها لهم دولة اسرائيل. الاراضي التي تحيط بها في مناطق ج هي معظمها “اراضي دولة”، “اراضي مساحة”، حدود صلاحيات “المجلس الاقليمي” أو “منطقة حدود بلدية” (للمستوطنات)، مناطق نيران ومحميات طبيعية – كلها مناطق تمد يد طويلة وانتفاخ بطن وأوتاد مدببة من اجل الفصل بين القرى الفلسطينية، ويحظر على العرب البناء فيها أو فلاحتها أو غرسها. وممنوع في بعضها أن تطأها اقدامهم.

​في هذا الوضع يجب أن نأمل بأن يقوم بسرعة وبصورة مستعجلة آلاف الاسرائيليين الذين يعرفون جيدا كبر الكارثة ويخشون على مصيرنا هنا، وأن يتكتلوا في مجموعة تدعو من هنا، من داخل المجتمع الاسرائيلي، المواطنين والفنانين ونشطاء حقوق الانسان في دول الغرب من اجل أن يعملوا في بلادهم من اجل تغيير الخطاب ومعه ايضا السياسات بشأن نهج اسرائيل – من اجلنا نحن، اليهود والفلسطينيين، الذين يقفون معا على شفا هاوية، ليس فقط اخلاقية بل جسدية، آلاف يجب عليهم أن يهتفوا بصوت واضح، وأن يطلبوا من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي البدء في عملية تحقيقها بسرعة. صحيح أنه يوجد قضاة في القدس، لكنهم هم الذين شرعنوا وما زالوا يشرعنون كل ذلك.

​هذه الدعوة ليست “لاسامية نقية” حسب تعبير بنيامين نتنياهو، بل هي يهودية نقية، واكثر من ذلك هي انسانية وحكمة سياسية ترى ما سيأتي.