بابتسامة تخفي شيئا من الأنفة، وبذراعين مرتعشتين، يأخذ سيف الدين زهرات من ورد التوليب الأحمر ويصففها بطريقة متناغمة قبل أن يضيف إليها زهرات من ورد الليمونيا والقرنفل الوردي وتتخللها أوراق الريحان الفواحة لتتشكل أمامه باقة فواحة وبديعة من الزهور تضفي على ذلك المحل الصغير الكثير من الجمال والروعة.
وما أن ينهي الشاب تشكيل باقة الزهور المزدانة بالألوان والتي تنبعث منها روائح فواحة، حتى يأخذ في لفها في أوراق الهدايا ذات اللون الفضي أو الذهبي الشديد اللمعان أو يضعها في وعاء صنعه للغرض في انتظار أن يتوافد زبناؤه لاقتناء باقات الورد.
ويبدو إعداد باقات الورود وتصفيفها بشكل بديع حتى تنال إعجاب العشاق، مهمة صعبة للشاب المبتور اليدين حتى الذراعين، فهو يمارس مهنة تحتاج إلى استعمال اليدين.
ولكن فقدان أطرافه لم يمنعه من أن يصبح واحدا من أشهر مصففي الزهور في محافظة سوسة والمنستير (وسط تونس)، حيث برع في إعداد تشكيلات رائعة من الباقات التي يزداد التهافت عليها في المناسبات الخاصة مثل عيد الحب الذي يوافق الرابع عشر من فبراير من كل عام.
ولد سيف الدين الجلاصي مبتور اليدين والساقين، إلا أن تلك الإعاقة بعثت في نفسه التحدي والطموح بأن يصنع لنفسه مهنة يشعر بالسعادة وهو يزاولها، فهو يتفنن في إعداد أصناف وأشكال من باقات الزهور بألوان وروائح مختلفة، هي المهنة التي بدأ في تعلمها منذ أن كان عمره 19 عاما.
قصة غرام
ويروي الشاب، البالغ من العمر 30 عاما، قصته مع بيع الزهور وإعداد باقات الورود ليقول: "في البداية لم يكن الأمر بمثابة النشاط اليومي المنظم بل كان يقتصر على مناسبات معدودة مثل حفلات الزفاف حيث أنقل بعض الباقات من الزهور للفضاءات التي تقام فيها تلك الحفلات، بدأ ولعي بالتجارة بشكل عام وبتوزيع الزهور في سنة 2010، ثم نما أكثر عندما فتحت محلا خاصا بتزويق الزهور وبيعها في العام 2018".
ويقول لـ"سكاي نيوز عربية": "إعداد باقات الزهور والتفنن في تشكيلها أصبح نشاطا يتجاوز كونه مهنة أرتزق منها، لقد نما ذلك الولع ليتحول إلى مهنة ثم إلى فن وابتكار وذوق، توطدت العلاقة بيني وبين الورود أكثر بفضل حب الناس لي وإقبالهم على هذا المحل الصغير الذي رسم البسمة على شفاه الكثير من المحبين وبعث الدفء في علاقتهم وجعلني أنسى إعاقتي".
ويرى سيف الدين الذي يلقبه أصدقاؤه بالكينغ (الملك) أن الإعاقة التي يشكو منها لم تمثل يوما مصدر عجز بالنسبة إليه عن المضي في مهنة كبر عشقه لها بمرور الأشهر والسنين.
ويقول: "ولدت بإعاقة خلقية، دون يدين ولا ساقين، تلك مشيئة الله التي أحمده عليها، وخضعت منذ سنوات إلى عملية تركيب ساقين اصطناعيتين مما ساعدني على المشي والتنقل، أستعمل ذراعي الاثنتين في عملي ولا أجد صعوبات في تصفيف الزهور وحمل باقات الورود".
ويعتبر أن إعداد باقات الورود وتصفيفها هو فن بحد ذاته، فلكل مناسبة أنواع الزهور الخاصة بها والألوان التي تميزها، ولكل زبون تصور خاص لنوع الباقة وحجمها وعدد الزهور التي تشكلها.
ورود بالشوكولاتة
يتفنن باعة الورود في تونس في إعداد باقات مختلفة الأشكال والألوان من الزهور في مجال يمر بصعوبات كبيرة على غرار سائر الأنشطة التجارية في تونس، ولكن بضاعتهم تعرف رواجا أكبر بمناسبة عيد الحب أو حفلات الأعراس.
ويقول سيف الدين: "عادة ما أستجيب لكل أذواق الزبناء وطلباتهم ولكني أقترح عليهم أحيانا أصنافا من الباقات بحسب المناسبة، ففي مثل هذه المناسبة أي عيد الحب تعتبر الورود وقطع الشوكولاتة من الهدايا المحبذة لذلك فباقة الورد التي تزدان باللون الأحمر وتتوسطها قطع الشوكولاطة ذات اللون الذهبي هي الأكثر طلبا".
يضيف قائلا: "الورود التي تتوسطها الشوكولاتة، أو خاتم الخطوبة هي من الباقات التي نشرتها بنفسي في مجال إعداد باقات الزهور وذلك بفضل متابعتي لطرق تصفيف وإعداد الورود في العالم وذلك من خلال مواقع الأنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي".
ويظل الهاجس الأكبر لسيف الدين، على غرار الكثير من باعة الورود في تونس، تراجع نشاطهم في السنوات الأخيرة بحكم ضعف الإقبال على اقتناء الزهور إذ يبدو أن ضعف القدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الأساسية دفع كثيرا من التونسيين إلى أن يهجروا اقتناء الورود.
وفي غياب إحصائيات رسمية من وزارة الفلاحة حول إنتاج وتوزيع الورود في تونس، فإن تقارير غير رسمية تشير إلى أنه يوجد في تونس نحو 2000 بائع للزهور أغلبهم في العاصمة تونس والذين يتخذون من شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة محلات قارة لهم يبيعون فيها باقات الورود بأسعار متفاوتة حسب عدد الزهور وطبيعة المناسبة.
المصدر : سكاي ينوز