توسيع المستوطنات.. استفزاز لإدارة بايدن في فترة حساسة

حجم الخط

 بقلم: الون بنكاس

 

 


على مدى 36 سنة سيناتوراً و8 سنوات، نائباً للرئيس وثلاثة أسابيع رئيساً للولايات المتحدة، لم يكن جو بايدن بحاجة الى الصندوق القومي لإسرائيل (الكيرن كييمت). ربما أنه وضع في يوم ما قطعة نقد قيمتها 25 سنتا في الصندوق الأزرق في مدرسته في مدينة سكرنتون في بنسلفانيا، حيث تربى هناك؛ وربما قبل سنوات قام بإلقاء خطاب في احتفال ما للصندوق القومي لإسرائيل في الولايات المتحدة، في نيويورك أو في واشنطن، لكنه لم يعتقد في أي يوم بأن قرار الصندوق القومي سيقتضي ردا من إدارته.
يدور الحديث عن اقتراح للصندوق القومي للدفع قدماً بقرار (يحتاج الى مصادقة ستتم مناقشتها)، يسمح له بشراء أراض من أجل توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، لا سيما في محيط «غوش عصيون» وشارع التفافي القدس وجنوب جبل الخليل، لصالح «توطين يهود» وفي اطار «انقاذ الأرض». الحركة الاصلاحية في أميركا ضد، الجناح الليبرالي ليهود الولايات المتحدة ضد، لكن الصندوق القومي مصمم، وجاء هذا في أعقاب مصادقة على البناء منحتها الحكومة استجابة لـ»التكاثر الطبيعي» في المستوطنات.
يبدو أن هذا الأمر يتعلق فقط بالصندوق القومي وليس بحكومة إسرائيل. يبدو أن هذه الخطوة تعتبر استفزازاً غير ضروري يندمج مع قضايا أخرى تبدو غير ذات صلة تماما: الصفقة النووية مع ايران، القرار الاول لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي بتطبيق الولاية القضائية على الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة، ومثلث علاقات إسرائيل – الولايات المتحدة – الصين.
نشر المتحدث بلسان وزارة الخارجية، نيد برايس، بيان تنديد وتحذير: «من الضروري الامتناع عن القيام بخطوات أحادية الجانب تزيد التوتر، وتقوّض محاولة التوصل الى حل الدولتين. يشمل هذا الضم بناء المستوطنات وهدم البيوت ودفع رواتب للارهابيين». من المعروف أن الامر يتعلق ببيان لمتحدث تقريبا هو بيان فني في صياغته، بأسلوب قديم من التسعينيات وحتى 2017. لو أن الادارة الأميركية أرادت، لا سيما وزير الخارجية، انتوني بلينكن، أن يعمل من ذلك قضية لكان سيرد بنفسه من فوق المنصة وبالصيغة التي يريدها، تحذيرا وتذكيرا لإسرائيل.
بعد يوم من ذلك، في يوم الجمعة، سئلت المتحدثة بلسان البيت الابيض، جان ساكي، سؤالا بسيطا جدا: هل إسرائيل والسعودية حليفتان مهمتان؟ خلال سنوات كثيرة كانت الاجابة كليشيه ثابتا، حتى ببغاء مدرب كان يمكنه أن يكرره. كل متدرب تخرج من الكلية وحصل، أمس، على وظيفة جزئية في تصوير المستندات وتحضير القهوة في مكتب المتحدث بلسان البيت الابيض يعرف كيف يدير لسانه دون أن يتلعثم: «إسرائيل (أو السعودية) حليفة مهمة، نحن لدينا مصالح مشتركة، الحرب ومكافحة الارهاب ستستمران من خلال تعاون وثيق، العلاقات وطيدة والتزام أميركا بالدفاع عنها لا يشوبه أي شك».
بدلا من ذلك، ردت ساكي بشكل ضبابي ومتعرج ومحرج: «هناك عمليات متواصلة. في الاسبوع الماضي تمت المصادقة على اجتماع داخلي للحكومة لمناقشة عدة قضايا تتعلق بالشرق الاوسط... يجب اعطاء هذه العمليات الوقت كي تتبلور قبل طرح ما الذي ستكون عليه مقاربتنا للأمن القومي... أفترض أن الرئيس بايدن سيتحدث مع رئيس الحكومة (نتنياهو) في الوقت القريب القادم».
عفوا، يا سيدة ساكي، هل هذه «عمليات متواصلة» بالضبط؟ ما الذي يجب أن «يتبلور»؟ كيف ترتبط هذه العمليات بالسؤال البسيط الذي سئل؟ في نهاية المطاف الخلافات حول السياسات مسموح بها ومقبولة بين الحلفاء، فلماذا هذا التهرب غير اللائق من سؤال أساسي جدّاً؟
مثلما في حالة نيد برايس، يمكن حل هذه الأمور ردّاً غير ملزم حقا من قبل المتحدثة. بعد كل شيء، هي لا تحدد سياسات والاجابات الموثوقة سيعطيها الرئيس ووزير الخارجية. ليس من صلاحية المتحدثة بلسان البيت الابيض أن تقرر وتعلن عن دولة معينة بأنها «حليفة».
ولكن وظيفة المتحدثة بلسان الابيض والمتحدث بلسان وزارة الخارجية الأميركية هي أمور جدية، عملية طويلة من الاعداد والدراسة واختيار الكلمات بحرص ومصادقة ترافق أي رد كهذا مبادر اليه، حتى لو ظهرت كأنها كليشيه ممل لا يتضمن دراما سياسية. واذا تم ضبط المتحدث وهو غير مستعد أو أن حساسية الاجابة عالية، فإن المتحدث/ المتحدثة يصد السؤال أو يشرح بتهذيب: ليس من اجل هذا الامر اجتمعنا هنا اليوم. لكن هذا الأمر لم يحدث في الحالتين.
من ناحية سياسية جوهرية، اجابات المتحدثة بلسان البيت الابيض والمتحدث بلسان وزارة الخارجية تشير الى منحى اكثر أهمية من ذلك: عدم الاهتمام. الشرق الاوسط ليس من اولويات الادارة في هذه المرحلة. واذا لم تحدث احداث تفرض الشرق الاوسط على اجندة السياسة الخارجية الأميركية فهذا الوضع سيستمر ايضا في المستقبل. وعملية شطب الشرق الاوسط من قمة الاولويات والمصالح الأميركية لم تبدأ، أمس، أو مع بايدن، هذه عملية استراتيجية متعددة الابعاد والتفسيرات تتميز بفك الارتباط التدريجي للولايات المتحدة عن المنطقة.
بعد ثلاثة اسابيع على ولاية الادارة الأميركية، في دوائر السياسة الخارجية والاعلام التي تتناول هذه المواضيع، بدأ يسمع انتقاد حول «بطء الإدارة». ازاء السرعة والتصميم والقوة التي تعمل بها الادارة في الساحة الداخلية، فيما يتعلق بوباء «كورونا» والصحة العامة ورزمة الطوارئ للاقتصاد (1.9 تريليون دولار). وبالنظر الى التصميم الذي وقع فيه بايدن على سلسلة من المراسيم حول عدة قضايا مثل البيئة والهجرة وحقوق المثليين، فإن السؤال الذي يطرح هو لماذا هذا التردد في السياسة الخارجية؟ الاتفاق النووي مع ايران، والعلاقات مع الصين ومع روسيا وكوبا – هذا انتقاد مبكر ومزعج. وهو سيتحول الى انتقاد مشروع اذا لم يحدث أي تحرك مهم خلال الشهرين أو الأشهر الثلاثة القادمة. سيكون هناك منتقدون سيقولون إن الاجابات تدل على جمود في التفكير وعدم ابداعية ونص ينبع من القصور الذاتي بدلا من السياسة وعودة الى النماذج السابقة.
نموذج «حل الدولتين»؟ حقا؟ هل قمتم بفحص وضع العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين؟ هل قمتم بتحليل احتمالية تطبيق هذا النموذج؟ امكانية تطبيقه؟ ولكن هذا الانتقاد يضيع الأساس: الشرق الاوسط بشكل عام، علاقات إسرائيل - السعودية، النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، الكيان المستقل المسمى «العملية السياسية»، كل ذلك ليس على رأس سلم اولويات الولايات المتحدة. توجد مواضيع ستشغل الإدارة الأميركية في الاشهر القريبة القادمة وهي الاتفاق النووي مع ايران، والاكثر دقة خطة عودة أميركا الى اطار الاتفاق ودرجة وشكل تدخل الصين في الشرق الاوسط. في حدوده الجيوسياسية الموسعة، من جيبوتي ومرورا بالخليج الفارسي وانتهاء بايران نفسها.
هذه المواضيع تقتضي تدخل أميركا، ويأتي عليها رد أميركي فقط في حالة واحدة، عندما تتحدى إسرائيل الوضع القائم أو تحتك بمصلحة أميركية. هذا ما حدث مع الصندوق القومي ومع البناء في المستوطنات، الذي يقول بنيامين نتنياهو أنه يدفع به قدما، وهذا ما يحدث عندما يحذر رئيس الاركان، الجنرال افيف كوخافي، الولايات المتحدة بأن لا تعود الى الاتفاق النووي أو الى اتفاق محسن يشبه الاتفاق الأصلي. قرار الصندوق القومي لم يكن ليحرك آلية ردود أميركية، على الاكثر ادانة خفيفة لا قيمة فعلية لها. إسرائيل والفلسطينيون يواصلون القيام بخطوات تعقد الواقع وتمنع الحل؟ هنيئا لهم. هم من يتحملون المسؤولية. ولكن قصة الصندوق القومي تندمج مع عدد من بؤر توتر في مواضيع يحتاج الامر فيها الى تعاون أمين وهادئ. محاولة إسرائيلية علنية للتدخل في بلورة سياسة أميركية بالنسبة للاتفاق النووي مع ايران، قرار محكمة الجنايات الدولية بأن التحقيق مع إسرائيل بتهمة «جرائم حرب» في قطاع غزة في عملية «الجرف الصامد»، مسموح حسب الاختصاص القضائي والصلاحيات المعطاة للمحكمة، علاقات إسرائيل – الصين في عدد من المواضيع. فوق كل ذلك يجب أن نضيف ملحمة «المكالمة الهاتفية التي لم تحدث» بين بايدن ونتنياهو.
اذا كان بايدن لم يعرف حتى أول من أمس، ماذا يعني بالضبط «الصندوق القومي»، فإنه وباحتمالية عالية، هذه المنظمة حولت نفسها الى مصدر إزعاج للأجندة الرئاسية.

عن «هآرتس»