لا شفافية عن اللقاحات فإلى متى الانتظار؟!

عبد الناصر النجار.jpg
حجم الخط

بقلم: عبد الناصر النجار

عندما كانت مراكز البحث الطبية تتنافس للوصول إلى علاج أو لقاح لوباء «كورونا»، كانت بعض الدول المتقدمة والغنية تزاحم لتكون سباقة في الحصول على اللقاح أو العلاج.
دولة الاحتلال كانت من بين الدول التي بدأت اتصالات حثيثة مع الشركات العالمية، خاصة البريطانية والأميركية، وعقدت معها اتفاقات مسبقة لتزويدها بكميات ثبت اليوم أنها فائضة عن حاجتها وتستخدم لأغراض سياسية.
كميات من اللقاح المخزن لدى الإسرائيليين تستخدم لمساومة بعض الدول سياسياً، خاصة الإفريقية منها، من أجل التطبيع مع إسرائيل أو نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة.
بعض الدول تساومها تل أبيب للوقوف إلى جانبها في المحافل الدولية والمنظمات الأممية في مواجهة الحقوق الفلسطينية، وللأسف نجحت إسرائيل في إقناع دول عدة بشروطها مقابل الحصول على كميات من اللقاح.
في المقابل، وحسب القانون الدولي الإنساني، فإن إسرائيل ما زالت مسؤولة عن صحة الشعب الفلسطيني كدولة احتلال، وبذلك هي مجبرة على توفير اللقاحات، لكن يبدو هذا الأمر نظرياً ليس إلا، فدولة الاحتلال تدعي أنها حسب اتفاقات أوسلو نقلت قطاع الصحة بشكل كامل إلى السلطة الفلسطينية، ولذلك فاللقاحات من مسؤولية السلطة.
هنا، السلطة ربما أخطأت منذ البداية في عدم تحميلها إسرائيل المسؤولية الكاملة، ومطالبتها بتوفير اللقاحات، لكن كالعادة لا نلاحظ المشكلة إلا عندما تستفحل.
والآن ماذا عن توفير اللقاحات؟ ومتى سيتم ذلك؟ وما هي الإشكاليات التي تواجه الحكومة في هذا السياق؟ وهل فعلاً قطعنا شوطاً في هذا الاتجاه أم أننا «مكانك سر» وأن ما نسمعه من تصريحات ليس له أساس في الواقع؟
المعلومات شحيحة جداً، فخلال الأيام الماضية كانت هناك محاولات مع جهات عدة للحصول على حقائق لكن دون جدوى، ولا شفافية في هذا الموضوع، ولا مكاشفة صادقة مع الشعب، وكأن القضية سر عسكري.
المعلومات القليلة المتوفرة تؤكد أن لا صحة لتصريحات حكومية سابقة بأنه قبل منتصف آذار ستصل كميات معقولة من اللقاح سواء من روسيا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة.
الإشكالية الأولى في هذا المجال هي اعتماد حكومتنا الرشيدة على تعليمات سابقة لمنظمة الصحة العالمية من خلال آلية طرحت لمساعدة الدول الفقيرة في الحصول مجاناً أو من خلال مساعدات على اللقاحات، وبما أننا دولة فقيرة فقد كنا ننتظر أن تتحقق هذه الآلية، لنفاجأ ببطئها ووجود عقبات كأداء أمامها.
الإشكالية الثانية هي تكلفة هذه اللقاحات، فحسب بيان للبنك الدولي صدر قبل أيام ونشر في وسائل الإعلام الفلسطينية، فإن فلسطين بحاجة إلى ٥٥ مليون دولار، هي ثمن كميات اللقاح للضفة الغربية وقطاع غزة، لم يتوفر من هذا المبلغ لدى السلطة سوى ٢٥ مليون دولار، بمعنى أننا بحاجة إلى تغطية ٣٠ مليون دولار كي نتمكن من الشراء.
من المعلومات التي لم نحصل عليها فلسطينياً للأسف، إعلان الاتحاد الأوروبي في بيان صدر، أول من أمس، عن رصد مبلغ ٢٠ مليون دولار كمساعدة لفلسطين لشراء اللقاح.
الإشكالية الثالثة هي الحجز، بمعنى أن الدول المهتمة حجزت قبل أشهر طويلة، ودفعت لكنها لم تحصل على كل ما تريد لشح إنتاج اللقاح وعدم قدرة الشركات المصنعة على توفير الطلبات، فالمعروض أقل بكثير من الطلب.
المعلومات غير متوفرة، والمواطن بحاجة إلى إجابات صادقة وشفافة من الحكومة، هل هناك اتصال حقيقي مع شركات الإنتاج؟ وأين وصلت هذه الاتصالات؟ أم أن الاتصالات الحقيقية لم تبدأ بعد وأن التصريحات السابقة هي للاستهلاك المحلي ليس إلا؟
الإشكالية الرابعة، هي أنه حتى لو توصلنا إلى اتفاقات مع الشركات، فإننا بحاجة إلى أسابيع حتى تصل الكميات وبحاجة إلى أسابيع أخرى على الأقل لتطعيم نحو ٤،٥ مليون فلسطيني، وبحاجة إلى 40 يوماً لتظهر آثار اللقاحات لأن الجرعة الثانية تأتي بعد ثلاثة أسابيع على تلقي الجرعة الأولى، أما ظهور النتائج فيحتاج إلى أسبوعين على الأقل بعد تلقي الجرعتين.
وبناء عليه، يمكن الاستنتاج أن فلسطين لن تكون قادرة على استكمال التلقيح حتى الخريف المقبل على الأقل، وحتى ظهور نتائج إيجابية على المستوى الوطني.
ما سبق لا يغطي الصورة كاملة لأن اللقاح أيضاً له فترة نجاعة محددة في الأغلب هي ٦ شهور، وقد نحتاج إلى طعم آخر.
ضبابية المشهد، وعدم توفر معلومات ذات صدقية، وغياب الشفافية والوضوح الكامل تنذر مجتمعة بكارثة، خاصة مع دخولنا الموجة الثالثة من «كورونا» المحملة بالطفرات البريطانية والبرازيلية والجنوب إفريقية.. نحن بحاجة إلى مسؤول شجاع وثقة ليشفي صدورنا!!