هاتف بايدن وطوابير الانتظار...!

حجم الخط

 كتب حسن عصفور ا

أن تحتل انتخابات الرئاسة الأمريكية اهتماما دوليا، وعربيا مبالغ به الى حد الهوس السياسي، فتلك مسألة قد تكون مبررة بشكل أو بآخر، نظرا لما سيكون لها من تأثير على بعض المسارات الكونية، أمنا وحربا واقتصاد، وملامح سياسية في مناطق متعددة، خاصة بعد أن منح الرئيس السابق دونالد ترامب النزعة العدوانية التقليدية "روحا جديدة".

ورغم ان الثابت الأمريكي سيبقى ثابتا ما لم يحدث "تغيرا جوهريا" في العلاقات مركزها البعد الاقتصادي وخاصة ما يعرف بـ "مكانة الدولار"، وربط حركة المال بعجلته، ما وضع أمريكا في دور المتحكم المركزي في الحركة المالية العالمية، ومع كل محاولات كسر تلك "الهيمنة"، فهي لم تصل بعد لتصبح خطوة كاسرة، ولعل دعوة الرئيس الروسي بوتين مؤخرا الى تغيير تلك المعادلة محاولة جديدة، مستفيدا من عثرات كبرى أنتجتها الوباء الكوروني.

ولكن، لم يقف الاهتمام العالمي – الإقليمي عند حدود من هو الرئيس الأمريكي القادم، بل ذهب الى مشهد قد يكون "فريدا" في عالم السياسة راهنا، ما يمكن تسميتها بـ "الحركة الانتظارية" لمكالمة الرئيس المنتخب لهذا الزعيم أو ذاك، وذهب البعض لحالة مقارنة غريبة بين "هاتف بايدن" ومن سبقه.

ولأن كان الأمر له بعد "خاص" في دولة الكيان الإسرائيلي، كونها جزء من المنظومة الأمنية الاستراتيجية للولايات المتحدة، والأداة الأبرز لتنفيذ مخططات الهيمنة والغزو متعدد الأشكال، فليس منطقيا أبدا أن يكون ذلك "الهاتف" بتلك الأهمية لأي من حكام العرب، مهما كانت صلة الارتباط بأمريكا.

في دولة الكيان، حاول معارضي نتنياهو استغلال التأخير في "المكالمة الموعودة" سياسيا، وربطها بالعلاقة الخاصة بينه وبين ترامب الخاسر الكبير، وأن بايدن يعاقبه على ذلك السلوك، وخاصة أن ارتبط ذلك بتراجع الإدارة الجديدة عن بعض "خطوات" ترامبية بخصوص فلسطين والأونروا، وهو ما فسرته أطراف معارضي نتنياهو برسالة سياسية من الإدارة الجديدة، دون أن تمس الخطوة الرئيسية في نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان.

ولكن، المستهجن تماما، تلك الحالة الانتظارية التي شهدتها بعض دول عربية لهاتف الرئيس الأمريكي المنتخب، دون أدنى حساب للبعد "السيادي" في العلاقات الدولية، وبعيدا عن التذكير أن أمريكا لم تعد ذاتها للتأثير على مسار الأحداث العالمية – الإقليمية، وتطور علاقات غالبية الدول العربية مع مكونات المنظومة الدولية على مختلف الصعد، خاصة روسيا والصين، وكسرت المحظور المفروض عليها منذ سنوات.

كان الأصل أن يسارع الرئيس المنتخب لمهاتفة القادة العرب، خاصة تلك البلدان التي تملك من القدرة للتأثير على الاقتصاد الأمريكي، وبخطوات مدروسة يمكنها أن تحدث "إرباكا حقيقيا" له، بل وتعيد ترتيب أوليات الاقتصاد العالمي، لو أدركت أن عناصر القوة التي تمتلكها تفوق كثيرا ما لواشنطن من تأثير عليها.

سابقا كانت أمريكا تستغل "الحرب الباردة" لإحكام سيطرتها ونهبها لدول لم تكن "سيادية" في مختلف جوانبها، رغم غياب أي مخاطر فعلية في حينه، ولم تكن إيران "خصما" بل كانت "صديقا" لبلدان الخليج ودول غيرها زمن شاه إيران، ومع ذلك التبعية كانت شبه "مطلقة" لأسباب متعددة.

راهنا، تغيرت المعادلة الكونية، وروسيا والصين باتا العنصر الأكثر تأثيرا في المعادلة العامة، ليس عسكريا فحسب، بل واقتصادا وتجارة دولية، ولعل أمريكا تعيش مرحلة انتقالية قد لا تطول، وبلا شك تطورت علاقات دول عربية بعيدا عن "القطب الأحادي"، لكنها لا تزال تعيش حالة "ارتعاش" مجاني، وكأن الخوف تحول ليصبح عنصر ذاتي

الحديث عن المكالمة الأمريكية المنتظرة تكشف بعضا من "الدونية السياسية"، التي لا زالت حاضرة في التفكير الرسمي لبعض الدول العربية، رغم أن الأصل أن يكون الأمر متعاكسا، ليصبح الانتظار في ساكن البيت الأبيض، فالقيمة العربية مكانا واقتصادا وأثرا يفوق الجانب العكسي، مع تغيير العلاقات القديمة نحو روسيا والصين، وكذلك دول أوروبا.

ليس مفاجأة القول أن أمريكا بحاجة الى الدول العربية بأكثر كثيرا من حاجة العرب اليها، لو أدرك البعض ما لديه وأحسن الاستخدام، وليتهم يدرسون تجارب البعض المحيط، خاصة مع تقليص الدور العسكري في العامل الخارجي مع تضاعف قوى غير أمريكا وحضورها المباشر في المنطقة.

هل يكون التقرير الأمريكي عن مقتل السعودي "خاشقجي" عنصرا محفزا لـ "تصويب" علاقة الاستغلال والابتزاز التي تمارسها الولايات المتحدة على بعض دول عربية...تلك هي المسألة!

ملاحظة: تقرير المبعوث الأممي لعملية السلام النرويجي وينسلاند حول أهمية الانتخابات في فلسطين، قد تصبح قيدا على أي محاولة للتخريب عليها...رسالة واضحة العالم صار بده انتخابات، فبلاش حركات "قرعة" ..مش حتحرب!

تنويه خاص: غريب أن الثقافة الانقسامية تتنامى داخل المشهد الفلسطيني قاعديا وسلوكا، رغم الحكي "الفوقي" عن المصالحة والحرص وكل ما يتعلق حولها من "برم"...للمرة المليار المصالحة مش "تصفيط كلام"...واضحة أم بدكوا مفسراتي!