قصص الحرب

تقرير: فرحة قيد الانتظار.. تكتمل بعودة ياسر لحضن والدته من جنوب قطاع غزة إلى شماله!

نزوح المواطنين محور نتساريم
حجم الخط

غزّة - خاص وكالة خبر - سها سكر

هي الليلة الأولى التي تغفو فيها عينها ودموع الفرح على خدها بعد أنّ خرج ابنها من قبضة الاحتلال الإسرائيلي، مع عدد من الأسرى الفلسطينيين الذين حجزوا خلال الاقتحام البري الثالث لمجمع الشفاء الطبي.

تروي السيدة حنان سكر "أم محمد" قصة المعاناة التي عايشتها بفقدان ابنها وفلذة كبدها أثناء اقتحام الاحتلال للمجمع، قائلةً: "إنَّ ابنها ياسر -32 عاماً- يعمل داخل مجمع الشفاء منذُ عشر سنوات في طهي الطعام وتقديمه للمرضى"، مضيفةً: "في كل اقتحام للمجمع يكون هناك سبيل لنجاة ابني، لكن هذه المرة وقع ياسر أسيراً خلال الاقتحام البري في الثامن عشر من مارس، قلبي زي النار عليك يما يا ياسر، نفسي أطمن وأعرف أخبارك، بس يحكولي انك عايش".

اخبار غزة واخبار محلية ودولية، من مصادرها الرسمية: المصدر

وقالت "أم محمد" التي دمرت آليات الاحتلال بيتها بالكامل في المناطقة الشرقية لحي الشجاعية خلال العدوان الإسرائيلي عام 2014، والآن تكررت المعاناة بقصف المنزل من جديد: "إنَّ ابنها ياسر حرص منذُ بداية العدوان أنّ لا يتغيب عن عمله في سبيل خدمة أبناء شعبه، وكان يطمئن على عائلته وأطفاله ساعتين كل أسبوع"، مُشيرة ً إلى أنّه في تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وتحديداً في الثامن من رمضان استيقظت مفزوعة من نومها وكأن كابوس يطاردها، وسرعان ما اتصلت بياسر، فرد وصوته يرتجف من شدة الخوف ويقول "اليهود عنا صاروا بساحة المستشفى ادعولي" ومن ثم انقطع الاتصال بشكل كامل".

وهنا بدأت رحلة المعاناة والحسرة، عندما علِمت أم محمد بممارسات الاحتلال داخل المجمع، وتسأل نفسها في كل لحظة ألف سؤال "معقول يما أخدوك اليهود؟ معقول يما عايش ؟ جعان ولا عطشان ؟ بردان ولا دفيان؟"، وفي تلك الفترة سقط مئات الشهداء من مرضى ونازحين وأطباء وأطفال ونساء، لذلك عاشت أم ياسر صراع مرير، وكانت تسأل كل من يعرف ابنها عنه لعلها تطمئن قليلاً.

وأكملت: "حينما تم إعلان انسحاب الاحتلال من المجمع، ذهبت مشياً على الأقدام للبحث عن ياسر، وعندما وصلت إلى المكان صدمت من المشاهد فهنا كثبان رملية ومبنى مدمر وكأنه بقايا هيكل عظمي وهنا جثة متحللة و أم ترثي أبنائها وأخرى تبكي زوجها وآخر يبحث بين الرمال لعله يجد جثة لطفله، وسرعان ما سقطت على الأرض وفقدت الوعي، وبعد لحظات أخذت بالنداء بصوت مرتفع -يما يما ياياسر وينك يما تعال استقبل أمك زي كل مرة كنت أجي على الشفا يما طمني" وعادت مهزومة بكل حسرة، وتتمنى أنّ يكون ابنهاأاسيراً وأنّ لا يكون جثة بين الجثث المتناثرة في ساحة المشفى التي تحولت لصحراء مليئة بالكثبان الرملية وبقايا مباني مهترئة.

فرحة بعد فقدان الأمل

استيقظت أم محمد صباح الثاني من شهر نوفمبر مع ساعات الفجر الأولى، وهي ترتل آيات من سورة البقرة بنية أنّ يجمعها الله بفلذة كبدها، وبعد ثواني معدودة يصل هاتفها اتصال ليخبرها بأنّ ابنهم حي يرزق والآن هو حر طليق كعصفور خرج لتوه من القفص ليتنفس هواء الحرية ويرى النور من جديد.

وتصف أم محمد فرحتها، بالقول: "والله الفرحة ما كانت سيعاني مش مصدقة إني بسمع صوت ابني من تاني بعد ما فقدت الأمل، الحمد الله ربنا اكرمني أسمع صوته وإن شاء الله أرجع أشوفه".

ويقول ياسر وهو يقيم الآن داخل مركز للإيواء في مدينة خانيونس: "عندما اقتحم الاحتلال المجمع ودخلت الدبابات، ذهب الجيش مباشرة إلى غرفة الإدارة حيث مكان مبيتي أنا وأربعة آخرين من زملائي، وقادتهم بعد أن جردتهم من ثيابهم للخارج، حيث البرد الشديد واستخدمتهم كدروع بشرية وألقت بهم على الجبال أثناء الاشتباكات مع المقاومة ومن ثم جمعتهم في شاحنات كبيرة وقادتهم إلى المعتقل".

أما عن حالته النفسية والصحية، قال: "إنّه من الصعب عليَّ نسىان ما عايشته خلال الـ46 يوماً، فقد تعرضت لتعذيب شديد مما أدى لظهور رعشة في يدي ومشاكل في العيون، إضافة إلى ثار التعذيب التي تظهر على جميع آنحاء جسده".

فرحة لم تكتمل بعد 

فرحةُ الحرية لياسر لم تكتمل بعد، بسبب تواجده جنوب قطاع غزة وعائلته بمدينة غزة، حيث فصل الاحتلال الشمال عن الجنوب منذُ بداية الحرب، عندما زعم أنّ مناطق الجنوب هي مناطق آمنة، فلا يستطيع الأسرى الذين تم الإفراج عنهم بالعودة إلى عائلاتهم ومنازلهم بسلام.

وتمنى ياسر أنّ يلتقي بعائلته وأطفاله الثلاثة ويحتضنهم في القريب العاجل لينسى ما شاهده من عذاب داخل المعتقل وأنّ تنتهي هذه الحرب المجنونة التي أكلت الأخضر واليابس ويعود إلى موطنه مدينة غزة ويعيش في خيمة على ركام منزله المدمر.