تكفي عملية واحدة تخرج عن السيطرة لإشعال الحريق مجدداً

تنزيل
حجم الخط

لم تتحدث الشخصيات الأمنية البارزة كثيرا في الاسابيع الاخيرة. أجرى القائم باعمال قائد الشرطة مقابلات قصيرة في عدد من الحالات، وقال رئيس هيئة الأركان عدة جمل، لكن التقديرات الكاملة والمفصلة احتفظ بها كل من الجيش و"الشاباك" والشرطة للنقاشات المغلقة. يمكن أن يكون هذا بسبب الانضباط التنظيمي وطبيعة من يلبس البزة الرسمية، ويمكن أن يكون هذا نابعاً من رغبتهم عدم تبييض وجوه السياسيين؛ لكن بناء على فرضية أنه لم تسيطر جماعة غريبة على الاجهزة الامنية في بداية تشرين الاول، فمن الجدير سماع ما لديهم ليقولوه.
باختصار الحديث هو كالتالي: موجة "الارهاب" الحالية في تراجع ليس فوريا، لكن الكبح واضح حتى لو استمر فترة من الوقت. ينبع هذا من حجم القوات وطريقة تشغيلها، ومن منع العمل السياسي حول الحرم، والنجاح في ابقاء اغلبية السكان الفلسطينيين خارج دائرة العنف، وايضا جهد واضح للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الامنية. هذا لا يعني أنه تم ايجاد الجواب لكل منفذ عملية وحيد – الواقع يشير الى العكس تماما – لكن اغراق الميدان بالقوات يضمن أنه في اغلبية الحالات فان الشرطة والجنود هم الذين يتلقون العمليات، لأنهم يتوسطون بين "المخربين" والمدنيين.
الجانب السلبي هو أن كل هذا معقد. حتى لو تم كبح الموجة الحالية قريباً فان الوضع لن يعود بالكامل كما كان في الاول من تشرين الاول (العملية التي قتل فيها الزوجان هنكن، التي هي الموعد الرسمي لبداية هذه الجولة من التصعيد). لقد حدث شرخ في الثقة بين الاسرائيليين والفلسطينيين، ليس فقط على مستوى الشارع بل ايضا على المستويات التنفيذية. صحيح أن "التنسيق الامني" مستمر، لكن الشك عال؛ ومن الصعب الافتراض أنه يكفي ليمتص الطاقة السلبية الموجودة في الميدان.
الأسوأ من ذلك هو حقيقة أن العوامل الاساسية لم تتغير. لا تلك التي أدت الى اندلاع موجة "الارهاب" الحالية – التحريض بخصوص الحرم، مقتل عائلة دوابشة في دوما – ولا تلك الأكثر اساسية، التي أهمها الجمود السياسي والتدفق العميق في المجتمع الفلسطيني في الضفة والقدس الشرقية، حيث الفقر والبطالة واليأس (الى جانب الكراهية الدائمة لإسرائيل). في الجهاز الأمني مقتنعون أن تغيير التوجه هو مصلحة إسرائيلية واضحة: إعطاء الفلسطينيين العمل والاحترام والأمل. لذلك لم يتم فرض الحصار على الضفة الغربية، وتستمر البضائع في الدخول إلى غزة.
من المشكوك فيه أن تقنع هذه الأمور الجمهور الإسرائيلي. وحتى بعض الوزراء وأعضاء الكنيست، الذين يطلعون على المعلومات، مقتنعون بأن الموقف الإسرائيلي مهزوم وضعيف ويشجع على هجمات أخرى. الأجهزة الأمنية رفيعة المستوى تمتنع عن الصدام العلني، لكن من الصعب عدم ملاحظة تحفظهم. "ليس الحديث هنا عن جماعة تخاف من استخدام القوة"، قال مصدر رفيع، هذا الاسبوع، "قيادة الجيش و"الشاباك" والشرطة هم الذين حطموا قبل عقد الانتفاضة الثانية. نحن نعرف العمل جيدا، لكن لا يجب التشويش: مهمتنا ليست قتل العرب من اجل التصفيق لنا بل فرض الهدوء كي يستطيع المستوى السياسي اتخاذ القرارات بدون ضغط".
هذه الأقوال مقبولة على جميع الجهات الأمنية ومنها وزير الدفاع، وفي أغلبيتها على رئيس الحكومة (اضافة الى الجهد للتهدئة ومنع استخدام القوة الزائدة بلا حاجة). وبشكل عام يعتقدون في الأجهزة الامنية أن المنتقدين من اليمين يعرفون المعطيات، وهم ينتقدون ليس لاسباب جوهرية بل لاسباب سياسية. مثلا المطالبة بقتل جميع "المخربين" – الامر الذي يناقض اوامر الجيش الاسرائيلي والشرطة التي تقضي بتحييد الخطر، وعندما يتم تحييد "المخرب" فان الحاق الضرر به محظور حسب القانون والأخلاق – ايضا المطالبة بالقيام بعملية السور الواقي 2، رغم أنه لا يوجد ما يعيق نشاط الجيش الاسرائيلي في الضفة (الدليل: في تشرين الاول اعتقل في الضفة 480 فلسطيني، مقارنة مع 170 في أيلول).

تلخيص مرحلي
خمسة اسابيع منذ بدء موجة "الارهاب" هي وقت كاف للاستنتاجات وفحص الاتجاهات. حتى مساء الاربعاء الماضي حدثت 72 عملية، قتل فيها 10 اسرائيليين (اضافة الى مواطن اريتيري تم تنفيذ الفتك بحقه بعد الاشتباه فيه بأنه "مخرب" من بئر السبع) و71 فلسطينيت (معظمهم "مخربون" نفذوا العمليات). متوسط اعمار "المخربين "هو 20.5 سنة، 94 بالمئة منهم رجال، ومعظمهم لم يكونوا متدينين أو منتمين لتنظيم معين.
جاء 34 بالمئة من "المخربين" من منطقة "يهودا" (الخليل)؛ 22 بالمئة من شرقي القدس؛ 16 بالمئة جاءوا من "غوش عصيون" (بيت لحم)؛ 12 بالمئة من منطقة "بنيامين" (رام الله)؛ 6 بالمئة من "السامرة" (نابلس) و"منشه" (جنين)؛ 4 بالمئة من "المخربين" كانوا من سكان اسرائيل. تشير هذه المعطيات الى ما يمكن لمسه في الميدان: اذا تميز الاسبوعان الاولان بـ "ارهاب" سكان شرقي القدس، فان الاسبوعين الاخيرين يشيران الى انتقال العمليات الى الضفة وخصوصا في الخليل، حيث إن العاصمة هادئة نسبيا بفضل النشاط الامني الكبير في شرقي المدينة.
من تحليل المعطيات يظهر أن معظم "المخربين" عملوا بشكل فردي بدون تنسيق أو شراكة، وأن لدى بعضهم مشاكل شخصية ساعدتهم على اتخاذ القرار للقيام بالعملية. لدى معظمهم كانت تبرز مسألة التقليد: ساروا في اعقاب شيء أو شخص شاهدوه أو سمعوا عنه في الاخبار. معظم "المخربين" من الخليل عملوا على الخط الذي يؤدي الى كريات اربع،  ومعظم "المخربين" من قباطية – على حاجز الجلمة. لذلك تم اغلاق الحاجز في هذا الاسبوع يومين: الأمل هو أنه بعد عدة ايام من الهدوء بدون احداث فان هذا يقلل من الاستعدادية لدى جزء من "المخربين" لعمل شيء.
خلافاً لزيادة عدد "المخربين" الذين خرجوا من "يهودا" و"السامرة"، فقد سجل تراجع في عدد الاحداث التخريبية الشعبية. اذا كانت في الاسبوع الاول لموجة "الارهاب" 144 حادثة رشق حجارة، فقد سجل في الاسبوع الثاني تراجع الى 111 حادثة، والاسبوع الثالث 69 والاسبوع الرابع 65 – هذا لا يختلف كثيرا عن معطيات ايلول الذي سبق هذه الموجة.
الاخلال بالنظام من قبل الفلسطينيين تراجع بشكل واضح. في الاسبوع الاول كانت 286 حادثة اخلال بالنظام وفي الاسبوع الثاني 207 وفي الاسبوع الثالث 177 وفي الاسبوع الرابع 121. تفسير ذلك يكمن ليس فقط في اعمال الجيش الاسرائيلي والاجهزة الامنية الفلسطينية (بشكل منفصل أو من خلال التنسيق)، بل بسبب حقيقة أنه رغم مستوى العنف المرتفع لم يسجل الكثير من القتلى في عدد من الاحداث، نتيجة للاستخدام الحكيم للقوة من الجيش الاسرائيلي، الامر الذي منع الجنازات الجماعية وتأجيج المشاعر أكثر فأكثر.
مع ذلك، هذه المعطيات مضللة. عملية واحدة كبيرة أو حدث يخرج عن السيطرة لاشعال الميدان. لذلك ستستمر الشرطة في التواجد بشكل مكثف في القدس والجيش في الضفة بما في ذلك مناطق مخترقة في الخط الاخضر. السؤال هو ماذا سيحدث بعد بضعة اسابيع اذا اخطأت هذه التقديرات ولم يتراجع العنف: ستضطر الشرطة الى تحديث صفوفها، وسيضطر الجيش الى عدم تدريب الوحدات. وهذا يستوجب تغيير خطط العمل وتجنيد الاحتياط مع تكاليف باهظة.
أضاعت وسائل الاعلام، هذا الاسبوع، الدراما حول ميزانية الدفاع: اللجنة المشتركة للاموال والخارجية والامن رفضت، الثلاثاء، الموافقة على طلب وزارة المالية تحديد اطار الميزانية بمبلغ 56.1 مليار شيقل. باستثناء عضو الكنيست اورن حزان، فان جميع اعضاء الكنيست صوتوا مع الامن وضد الميزانية. هذا حدث غير مسبوق يرمز الى التالي؛ اذا لم يحدث تغيير في الميزانية المقترحة فان الكثيرين منهم لن يصوتوا بعد اسبوعين على ميزانية الدولة.
قبل هذا القرار الاستثنائي كانت مجموعة من النقاشات (12 جلسة استمرت بمجملها عشر ساعات)، تم فيها التوضيح أنه بهذه الميزانية لا يستطيع الجيش العمل ليوم واحد لأنه سيبقى لديه 25 مليار شيقل – هذا ما هو مطلوب للبقاء بشكل اعتيادي – وهناك حاجة للتدريب والتسلح واستخدام الاحتياط، وهذا يتطلب على الاقل 31 مليار شيقل في السنة (الفجوة بين ميزانية الجيش وميزانية الدفاع مرصودة لعدة اشياء، من التقاعد حتى التأهيل، ومعظمها غير قابل للتغيير).
قيل لاعضاء الكنيست إن "طريقة الشكشوكة" القائمة ليست سيئة للجيش – في نهاية المطاف يحصل في كل سنة على الزيادة التي تغطي احتياجاته – وهي لا تُمكنه من تخطيط التسلح على المدى البعيد. وقد أعلن رئيس الاركان أنه يفضل اموالاً أقل، لكن يجب اعطاء ضمانات لسنوات كثيرة. بكلمات اخرى: ميزانية لاكثر من سنة متفق عليها، وهذا الامر فقده الجيش منذ فترة طويلة.
المالية ايضا مستعدة لاتفاق كهذا لكن بشرط أن يكون جزءا من صفقة شاملة تشمل ايضا تقليص الخدمة وتغيير صيغة التقاعد للدائمين في الجيش، وحسب الصيغة التي حددتها لجنة لوكر. في الجيش يعارضون ذلك ويطلبون بداية تنفيذ الخطة متعددة السنوات "جدعون" التي بادر اليها آيزنكوت، والتي ستشمل تغييرات بعيدة المدى تتبلور بشكل نهائي في محاضرة تستمر يومين في هيئة الاركان في بداية الأسبوع القادم في قاعدة سلاح الجو في الجنوب.
لا توجد بعد نهاية لهذا الصراع، لكنه سيحسم قبل التصويت على الميزانية. وستضطر المالية الى اعطاء اكثر مما خططت له، والجيش سيحصل على أقل مما أراد (62 مليار شيقل)، والمبلغ الذي سيتحدد سيكون قريبا مم اقترحه لوكر (59 مليار). وبعد اغلاق المبالغ سنبقى مع الوجبة الاساسية: الخطة متعددة السنوات. يبدو أن جدعون يتغلب على لوكر، لكن من الافضل للجيش أن يتبنى التقرير ويحاول أن يضع جوهره في خطط العمل.

كم يساوي هذا بالدولارات؟
قبل الموافقة على الميزانية سيصل رئيس الحكومة الى واشنطن للقاء الرئيس اوباما. وعلى جدول الاعمال: ايران، سوريو، والفلسطينيون. والى جانب ذلك – المساعدة الامنية لاسرائيل. خلافا لما ظهر في وسائل الاعلام، فان المساعدة لن تعوض فقط على الاتفاق النووي مع ايران بل سيحدث نقاش موسع حول أغلبية المساعدة الامنية.
اليوم تبلغ المساعدة الامنية الأميركية 30 مليار دولار للسنوات العشر التي ستنتهي في 2018. والنقاش الآن حول العقد الذي سيبدأ في 2019: حول مجموع الاموال وحول المضمون (ما الذي ستشتريه اسرائيل). التعويض عن ايران هو بتقديم النقاش واتخاذ قرارات تُمكن اسرائيل من تخطيط شراء لعدة سنوات وزيادة حقيقية في مبلغ المساعدة، وتوفير امكانية التسلح بوسائل قتالية، رفض الأميركيون في السابق بيعها لاسرائيل، وايضا قروض فورية على حساب المساعدة المستقبلية الامر الذي سيُمكن تسريع التسلح ببعض الاسلحة.
لقاء نتنياهو – اوباما سيعتمد على جولتين لطواقم العمل الاسرائيلية والأميركية ومجموعة من اللقاءات التي اجراها وزير الدفاع يعلون، الاسبوع الماضي، في واشنطن والتي اعطيت فيها ليس فقط تعهدات أميركية واضحة بالحفاظ على التفوق النوعي الاسرائيلي في المنطقة، بل ايضا تم الاتفاق على التعاون في الكثير من القضايا ومنها موضوع السايبر وايجاد الحلول لموضوع الانفاق. اضافة الى ذلك ستطلب اسرائيل التسلح بوسائل حربية من ثلاثة انواع: جوية ليس فقط طائرات اف 35 اضافية بل ايضا طائرات اف 15 متقدمة وفي 22، التسلح مع التأكيد على قنابل دقيقة، وزيادة الاستثمار في الدفاع الجوي (حيتس، شربيط، كساميم والقبة الحديدية).
إلا أن هذه المساعدة الأميركية الستيخية لها طرف آخر: تستوجب استثمارات بأموال كثيرة لصالح البنى التحة والتشغيل والتدريبات. ونقص الاموال أدى في السنة الماضية الى عدم شراء "في 22"، وفي ظل غياب خطة متعددة السنوات للجيش فإن الأمر سيصعب على تنفيذ الخطط الآن. ستكون مهمة نتنياهو ليس فقط الحصول على الاموال من الأميركيين وانما تقديم الضمانات بأنها لن تستخدم لشراء النقانق والاطارات للشاحنات – التي هي أرخص كثيرا في الولايات المتحدة – بل فقط لشراء السلاح. هذا مهم ليس فقط للحفاظ على نوعية الجيش الاسرائيلي بل ايضا للعلاقات مع الأميركيين الذين يدفعون الدولارات من اجل أمننا، ومن حقهم رؤية شواقل تلائم استثماراتهم.

عن "إسرائيل اليوم"