فوضى عارمة وغموض.. ولكن

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

بقلم: طلال عوكل

لا يملك أحد حتى الآن، المشهد الذي قد تستقر عليه لوحة القوائم الانتخابية ولوحة التحالفات، ولا أظنّ أن حوار القاهرة، المرتقب في آذار سيجيب بالكامل عن هذا السؤال.
عارمة الفوضى فيما يتعلق بهذا السؤال، فثمة من يتحدث عن قائمة مشتركة بين فتح وحماس، وثمة من ينفي ذلك، وهناك من يقترح قائمة وطنية مشتركة بين كافة الفصائل، وحتى شخصيات مستقلة، وأحاديث عن إمكانية تشكيل قائمة بين قوى اليسار، هذا عدا كثرة التكهنات بشأن قوائم يمكن أن تتقدم من قبل شخصيات أو أطراف فتحاوية.
المؤشرات الأولية تفيد بأن أعداداً كثيرة من الشخصيات، والشباب، من الجنسين، وكثير منهم مغمورون، أو محدودو النشاط، قد أخذوا يتحضرون لخوض الانتخابات، بعض هؤلاء المبادرين قد يكونون مدعومين من قبل بعض الفصائل والتيارات، لكن جزءا من هذه المبادرات قد يختفي في حال أثمرت الحوارات في القاهرة عن اتفاق ما بشأن التحالفات.
مبدئياً أعلنت فتح عن نوايا لتشكيل قائمة مشتركة مع خمسة فصائل ممثلة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ما يعكس رغبة لدى فتح في المحافظة على تمثيل لهذه الفصائل سواء في التشريعي أو الوطني.
شخصياً لست أخشى، من أي سيناريو، حتى لو نجحت فكرة تشكيل قائمة وطنية موحدة، من قبل الفصائل بما في ذلك حماس، وحتى أنني لا أخشى من تقديم قائمة أو قوائم من قبل شخصيات فتحاوية أو باسمها.
فتح هي فتح في كل الأحوال مهما اختلفت الآراء والمواقف، فالكل متمسك بفتحاويته، ولا يفرط بمكانتها ودورها، ورغبتها في الاستمرار بقيادة سفينة العمل الوطني.
ولست أخشى على العملية الديمقراطية في حال اتفقت الفصائل على قائمة وطنية مشتركة، لأن ذلك لا يمنع من ترشح قوائم أخرى من قبل مستقلين بصرف النظر عن فئاتهم العمرية، وتجاربهم الشخصية.
في حال تم الاتفاق على قائمة وطنية موحدة، فإن ذلك يعني أن الأمر يتصل، بطبيعة التركيبة السياسية، التي تتسيد المشهد السياسي الفلسطيني، بالرغم من أن ذلك ينطوي على محاصصة.
في الواقع فإن حركة حماس تدرك تماماً أنه ليس بإمكانها أن تحظى بأغلبية، أو تتخطى حركة فتح سواء في التشريعي أو الوطني، خاصة أن هذا الإدراك يقوم على تقييم لمدى قبولها في موقع المقرر من قبل الوضعين العربي والدولي.
خاضت حماس مثل هذه التجربة، حين حصلت على الأغلبية في المجلس التشريعي السابق، ودفعت أثماناً باهظة، نتيجة سيطرتها على قطاع غزة، لأكثر من أربعة عشر عاماً، دون أن تنجح في الحصول على الشرعية العربية والدولية، وحتى الفلسطينية في ضوء الانقسام.
هذا الإدراك يجعل حركة حماس مستعدة لإبداء مرونة واسعة إزاء كيفية ضبط الموازين في المؤسسات الوطنية العامة.
قد تخيف مثل هذه الفكرة أطرافاً وشخصيات كثيرة، حين يتعلق الأمر بسلامة العملية الديمقراطية ونزاهتها، وسيطرة الفصائلية عليها، لكنني أعتقد أن مثل هذه الفكرة، من شأنها إن أصبحت واقعاً، أن توسع هامش فوز قوائم أخرى للمستقلين بمقاعد أكثر من المتوقع.
يعرف الكل وينبغي أن تعرف الفصائل، أنها تتعرض لأزمة ثقة من قبل الجمهور الفلسطيني، ولذلك فإن فئات واسعة، ستتجه نحو معاقبة الفصائل بانتخاب أي قوائم أخرى.
ومن ضمن هذه الفئات ربما أعضاء أو أنصار للفصائل من المعترضين على مثل هذه التحالفات، في ضوء التجربة المرة السابقة، والتي رافقتها عملية تعبئة واستقطاب من الفصائل ضد بعضها البعض.
إذا تجاوزنا هذه الفكرة، وفي حال لم تتوصل الفصائل إلى اتفاق بشأنها فإن إمكانية تشكيل قائمة موحدة من اليسار، تبدو غير واقعية والأرجح أن تخضع للحسابات الفئوية ذاتها التي أدت إلى فشل الكثير من المبادرات لتجميع هذا اليسار بشكل أو بآخر.
مع العلم أن ما يمكن أن تحصل عليه قائمة موحدة لليسار، سيكون أكثر مما يحصل عليه كل فصيل بقائمة منفردة، لأن فكرة التوحد من شأنها أن تستقطب فئات اجتماعية اكتوت بنار الانقسام وهي منحازة لأي صيغة وحدوية.
في الواقع فإن الموقف من هذه القائمة أو تلك ليس فقط محكوماً بالتجربة الشخصية للمواطن، الذي لن يتأثر لا بالبرامج ولا بالدعاية الانتخابية وحتى ولا بالكوبونة، فلقد تشكلت مواقف المواطنين عبر تجربة طويلة لن يغيرها سلوك مؤقت ومفهومه وواقعه.
حين تكون المفاضلة بين انتخابات متفق عليها، وتتصل بالمحاصصة وبين أن تكون هذه الانتخابات ديمقراطية حقيقية، شفافة ونزيهة فإنني شخصياً سأختار المحاصصة، طالما أنها تعكس توجهاً نحو الوحدة الوطنية.
الوحدة الوطنية أكثر أهمية من أي شيء آخر بما في ذلك، البرامج والسياسات، ذلك أنها الأساس في تشكيل القوة الفلسطينية وهي الأساس في إنهاء الانقسام، بما يؤدي إلى تغيير الواقع المأساوي القائم منذ سنوات طويلة.
دون شك فإن حوارات القاهرة المرتقبة، ستحدد الوجهة وستحدد طبيعة التحالفات، وحدود الطموحات والسلوكيات، وهي من شأنها أن تجيب عن الأسئلة المعقدة، وتنهي حالة الشك والقلق التي تسود المشهد القائم، فيما يتعلق بإمكانية إجراء الانتخابات جزئياً أو كلياً، وحتى إمكانية ترشح شخصيات منافسة للرئيس أبو مازن في الانتخابات الرئاسية.