سيتصرف الجميع مثل الحريديم إلى أن تفنى إسرائيل !

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع

 

 


من السهل اتهام الحريديم بما وقع في مطار بن غوريون، كما كشف يوم الجمعة الماضي، في ملحق السبت من هذه الصحيفة وفي تقرير في القناة 12.
وبلغت التقارير عن فقدان السيطرة في إعطاء الأذون للمواطنين الإسرائيليين ممن يطلبون العودة إلى البلاد: من كان يستحق حسب المعايير لم يُستجب له، ومن لا يستحق دخل دون صعوبة. وفي جمهور الوافدين برز الحريديم؛ روى بعضهم أنهم تلقوا الأذن بعد أن توجهوا إلى وسيط. والوسيط هو وكيل سفر في الوسط الحريدي أو مساعد نائب حريدي.
وكان الوافدون مطالبين أحيانا بأن يشتروا ببضعة دولارات شهادة زائفة للخلو من المرض؛ وأحيانا كان يكفي أن يتوجه أحد ما من جانبهم إلى مكتب نائب ما.
يد تغسل يدا، وميري ريغف لم ترَ، لم تسمع، ولم تفهم.
قال حكماؤنا الثقب يستدعي السارق. والثقب، بكلمة أخرى، الدولة، هو ما ينبغي أن يقلقنا. فالحريديم يتصرفون مثلما تصرفوا دوما. هم لم يتغيروا. وفي سنة «كورونا» فهمنا كم تغيرت الدولة، كم تغير الحق.
في سلوك الحريديم تجاه الدولة يوجد منطق، يوجد فكر، ويوجد تقليد. يقول المنطق: إذا كانت هناك فرصة فاستغلها، لا تكن إمَّعة؛ هكذا يتصرف الجميع.
يقول الفكر: الدولة الصهيونية هي عدو تاريخي، أو للأسف جسم غريب، قوانينه ليست قوانيننا، ومؤسساته ليس مؤسساتنا. وهي غير جديرة بالثقة. ويقول التقليد: هكذا تصرف آباؤنا، وهكذا نتصرف نحن أيضا. التقليد هو قيمة مقدسة عندنا.
الحريديم، يقال في صالحهم، هم أقلية تعرف كيف تدافع عن نفسها. عندما تكون للفرد مشكلة فقهية يتوجه إلى حاخام، وعندما تكون له مشكلة اقتصادية يتوجه إلى الاقتراض، وعندما تكون له مشكلة مع الحكم يتوجه إلى وسيط. والوسيط يمكنه أن يرتب كل شيء، من إلغاء غرامة على مخالفة بناء وحتى عطاء حكومي بعشرات الملايين.
والوزراء والنواب من الكتل الحريدية هم وسطاء في خدمة جماهيرهم: هذه مهنتهم. وهم محوطون بوسطاء فرعيين يعملون باسمهم، وبموظفين حكوميين هذه مهمتهم، في وظيفة كاملة.
لا غرو أن منصور عباس، رئيس القائمة الإسلامية، يرى فيهم مثالاً وقدوة: النجاح يتحدث من تلقاء نفسه.
الحريديم تعالج أمورهم، أما الآخرون فأقل: هذا هو الواقع. ما يجعل الفجوة لا تطاق هو «كورونا».
فقد عادت الدولة للتحكم بحياتنا اليومية، وقررت من يسمح لنا أن نلتقي معه ومن لا يُسمح، متى يمكن الخروج من البيت وإلى أي مسافة، من يتلقى التعليم ومن لا، من يسمح له بالسفر ومن يسمح له بالعودة.
والتعلق بنزوات الدولة يذكرنا بأنظمة شيوعية في شرق أوروبا، وكذا التعلق بخاوة وزير أو موظف، وكذا تنكر رؤساء الحكم لاحترام القواعد التي أملوها على الآخرين، وكذا، ربما الأساس، الحرية التي أخذها لنفسه الحكم لإغراق الجمهور بالأكاذيب، لأن ينسب لنفسه إنجازات الآخرين وطمس المشاكل.
هكذا تصرفوا في الاتحاد السوفياتي: الدولة كذبت وكذبت إلى أن ذابت.
دفعت سنة «كورونا» المجتمع الإسرائيلي للتراجع إلى الوراء في عدة مجالات مركزية.
بسبب قرار مغلوط، متسرع، لوزير المالية، انتقل مئات آلاف العاملين للعمل بالأسود؛ وهم لن يسارعوا للعودة للعمل حسب القانون.
ما حصل في مجال التشغيل هو مجرد طرف الجبل الجليدي. الثقة الأساس للمواطن بمؤسسات الحكم، بحكمتها، باستقامتها، بنواياها الطيبة، تعرضت لهزة شديدة.
هذا ليس موضوعاً سياسياً – نعم بيبي، لا بيبي. حتى أولئك الذين سيصوتون لبيبي لا يصدقون أي كلمة تخرج من فمه. فقد أقنعوا أنفسهم بأن الكل يكذب، وهو الكذاب الأكثر نجاعة.
أزمة الثقة هذه، ربما أزمة الثقة الأكثر حدة منذ تقصير «يوم الغفران»، تتجاوز الحريديم.
فقد أعفوا أنفسهم من تصديق الدولة منذ البداية. والسلوك من تحت الطاولة، من تحت القانون ومن فوقه، الأحابيل والتحايلات.
من المريح لسياسييهم ومن المقبول على ناخبيهم ذلك. فهم يشعرون في البيت تماماً.
السؤال هو ما يحصل للآخرين، لأولئك الإسرائيليين الذين تُعتبر الدولة جزءاً من حاضرهم، من عزتهم، وهويتهم: إسرائيليين صهاينة. عندي صديق تولى في الماضي منصبا رفيعا في إحدى أذرع الأمن. قال لي ذات مرة بقلب منكسر: يوجد إسرائيليون هاجروا من البلاد وتركوها؛ يوجد إسرائيليون هاجروا من البلاد وبقوا فيها. أنا، قال، اخترت أن أبقى.
ثمة من يتبنى نهج الحريديم: يأخذ من الدولة ما يمكنه أن يأخذ منها، ويستهتر بكل ما يتبقى. وثمة من يقول حتى هنا: حان الوقت لنعيد صهيون إلى الصهاينة، وإسرائيل إلى الإسرائيليين.

عن «يديعوت»