ما زلنا نتذكر ما حدث خلال الأسبوع الأول من شهر آذار من العام المنصرم، أي في عام 2020، حيث تم الإعلان عن اكتشاف أول إصابات كورونا في فلسطين، في أحد الفنادق في مدينة بيت لحم، التي كان قد مكث فيها وفد سياحي مصاب، وفي ذلك الوقت تم فرض الإغلاق المشدد والعزل الصارم للمصابين، وبعد حوالى أسبوعين تم الإعلان عن محاصرة المرض، وبالتالي منع انتشاره في داخل بيت لحم والى خارجها وتم الإعلان عن ذلك كنجاح كبير، والآن، أي في الأسبوع الأول من آذار من عام 2021، أقل ما يمكن وصف الوضع فيما يتعلق بفيروس كورونا، أنه هو الأكثر خطورة والأخطر انتشاراً وشراسة حسب تصريحات المسؤولين الرسميين وعلى رأسهم وزيرة الصحة.
فنحن نشهد انتشاراً مجتمعياً للفيروس في كل الأماكن في جميع المحافظات، أي في الضفة وفي غزة، ونسجل الآلاف من الحالات الجديدة، فقط من تلك التي يتم فحصها يومياً، وهناك اكتظاظ بل عدم وجود قدرة على استيعاب حالات جديدة من الإصابات وبالاخص الحالات الصعبة في غرف العناية المكثفة، في بعض، إن لم يكن جميع المستشفيات، ونشهد عشرات الوفيات اليومية، وبالطبع هناك القلق والخوف من الايام أو من الأسابيع القادمة، عند الناس والمسؤولين، وفي نفس الوقت ما زال التخبط هو سيد الموقف في طبيعة الإجراءات المفترض اتخاذها، وما زال التوازن بين الاقتصاد والصحة هو من يحكم القرارات.
وهذا التصاعد المطرد في الإصابات بفيروس كورونا وفي سرعة تحوره، يدل على أن الغموض ما زال يكتنف هذا الفيروس، وأنه ورغم الدراسات والابحاث والاموال التي تم ويتم إنفاقها من أجل التعرف أكثر عليه إلا أن العلماء والمختصين لم ينجحوا بعد في معرفة آلية وسرعة انتشاره وطبيعة عمله أو تأثيره على الاجسام المختلفة لبني البشر، ومستوى أو تركيز الأجسام المضادة التي يفرزها جسم الشخص المصاب، وبالتالي قوة وفترة المناعة، وكيفية إحداثه الطفرات أو التغيرات التي يقوم بها.
وبعد مرور عام، للاسف لم نبدأ بعد برنامجاً حقيقياً للتطعيم، ولا نعرف متى سوف نحصل على اللقاحات، رغم التصريحات والبيانات المتكررة من مسؤول هنا أو هناك، حيث أضحت برامج التطعيم في العالم هي المعيار الذي يقاس من خلاله مدى النجاح ضد كورونا، ومستوى العودة الى النشاطات الاعتيادية الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما، وبل أصبح الحصول على اللقاحات بل وعلى أكبر عدد منها، وبالأخص تلك التي أنتجتها الشركات العالمية مثل فايزر وموديرنا وأسترازينكا وجونسون أند جونسون وغيرهما، هي المعيار الذي بناء عليه يتم تقييم أداء الحكومات والسياسيين ومدى نجاحهم في إدارة شؤون ناخبيهم، وبالتالي فرصهم في إعادة الانتخاب.
حيث نشاهد المسؤولين في العالم، ومن أعلى المستويات يتباهون بنجاح برامج التطعيم ضد فيروس كورونا، التي بدؤوها في بلادهم، حيث أصبح من الواضح أن عودة النشاطات الاقتصادية من عمل وتجارة وسياحة وطيران وما الى ذلك قد أصبح مرتبطا بمستوى ونوعية برامج التطعيم في ذلك البلد، وبالأخص حين يتم استخدام لقاحات تم اكتشافها وتسويقها من قبل شركات عالمية كبرى، أثبتت فعاليتها بنسبة أكثر من 90% أو اكثر.
وفي ظل بارقة الأمل التي انتجتها اللقاحات في العالم، بات هناك تخوف حقيقي من مدى انتشار وخطورة الطفرات المتواصلة من الفيروس، حيث أصبحت وبغض النظر عن منشأ أو مكان اكتشافها هي السائدة في العديد من بقاع العالم، وما زال هناك تخوف حقيقي بأن ينجح الفيروس في التحور الى طفرة لا تنفع معها اللقاحات الحالية، وبالأخص أننا نسمع هذه الأيام عن بعض الطفرات التي تصيب مجدداً من أصيبوا بالفيروس أو ممن تم تطعيمهم، أي أن الأجسام المضادة التي تم إفرازها لا تقاوم الفيروس، وهذا من المؤشرات الخطيرة والمقلقة على ما يمكن أن يخبئه المستقبل.
وبعد مرور عام، فإن الصراع غير المتكافئ مع الفيروس قد قلب ما اعتدنا عليه في مجرى حياتنا، فالتعليم سواء أكان تعليماً عالياً أو في المدارس تغير تماماً، سواء من حيث الشكل أو المستوى، ولن يعود الى ما كان عليه في المستقبل القريب، وأولويات الصحة، وبالأخص التعامل مع أمراض مزمنة من سكري وقلب وسرطان قد تغيرت، وأصبح الشغل الشاغل لدوائر الصحة في العالم ومنهم نحن هو كورونا وتبعاته، ومن الواضح أن الوضع لن يعود الى ما هو عليه قريباً، واستطاع هذا الفيروس أن يحطم السياحة ويغلق المطارات ويفرغ الفنادق من القادمين والمقيمين، ومن الواضح أن هذا الأمر سيستمر وبالأخص مع العينات المتحورة من الفيروس، التي أصبحت تنتشر في بقاع العالم ومن ضمنها بلادنا.
ورغم ذلك ما زال هناك البعض يحجم أو يمتنع عن القيام بفحوصات كورونا، أو لا يلتزم بالعزل والابتعاد في حالة الإصابة، وهذا يتطلب ذلك القيام بحملات توعوية وإجراءات عمليه توفر الحماية الاقتصادية والاجتماعية للمصابين أو المتوقع إصابتهم، لأن هذا الفيروس الذي أدى الى إغلاق دول كبرى في العالم، والى شل النظام الصحي في دول اخرى، لقادر على أحداث أسوأ الأضرار في مجتمع مثل مجتمعنا يملك القليل من الإمكانيات التي تملكها تلك الدول.
وبدون مبالغة أو جدال، بعد مرور عام على أول إصابات كورونا في بلادنا، يبدو الوضع الآن أكثر قتامة، والامور أكثر غموضاً، ونعيش حالة من التخبط بين توصيات الإغلاق الشامل أو غيره من الإجراءات وبين تصريحات أو توقعات الحصول على اللقاحات، ورغم الجهود الكبيرة المقدرة التي تبذلها الطواقم الصحية المختلفة، من فحوصات وعناية وعلاج، الا أن الانتشار المجتمعي للفيروس هو في أوجه، ورغم المناشدات باتباع الإجراءات الوقائية كأحد المعايير الأساسية للحد من انتشار الفيروس، ما زالت الأفراح والتجمعات وبيوت العزاء يتم فتحها.
وبالتالي وبعد مرور عام على الوصول الى هذا الوضع الأكثر خطورة عندنا، فإن من يتحمل المسؤولية، ببساطة هي الجهات الرسمية التي وبغض النظر عن الأسباب أو الظروف لم تحصل على اللقاحات بعد، ولم تقم بحملات إعلامية حقيقية للوقاية ولم تعمل على توقع الأسوأ بقدرة استيعاب المرضى في المستشفيات وبالأخص في غرف العناية المشددة، وكذلك فإن من يتحمل مسؤولية هذا الوضع هو المواطن الذي ما زال يكابر ويغض النظر ويتبجح بعدم ارتداء الكمامة أو بالالتزام بالتباعد، أو ممن ما زال يعرض حياة الناس للخطر من خلال إقامة التجمعات بأنواعها المختلفة.
2024 عام الكارثة والبطولة.. 2025 عام الحسم
31 ديسمبر 2024