إسرائيل: الانقلاب الثاني المستكمل؟

imgid3085
حجم الخط

من الآن، سيقولون في إسرائيل إن رصاصات ييغال عمير في جسد اسحق رابين لم تغيّر، فقط، مسار أوسلو، بل مسار دولة إسرائيل، لأنها غيّرت تركيبة الجيش الإسرائيلي. من قبل رصاصات 4 تشرين الثاني 1995، كان هناك في إسرائيل من قال: لكل دولة جيش، وإسرائيل جيش وله دولة. في الانقلاب الأول العام 1977، وصعود "حيروت ـ بيغن" إلى الحكم، كنتيجة أمنية لحرب أكتوبر 1973، قيل إن الصهيونية التنقيحية استلمت حكم الدولة من الصهيونية العمالية. هذا انقلاب ديمقراطي حزبي ـ سياسي ـ أيديولوجي. لكن، ما علاقته بانقلاب مستكمل في تركيبة الجيش الإسرائيلي، بدأ مع رصاصات 1995؟ كانت مدافع الضابط رابين على السفينة "التالينا"، قد حسمت بين "الهاغاناه" التي ينتمي إليها بن غوريون وضابطه رابين، وبين "الأراغون" التي ينتمي إليها مناحيم بيغن، وتشكّل في نتيجتها جيش الدفاع الإسرائيلي جيشاً للشعب، أو بوتقة لتشكيل شعب إسرائيلي (كل الشعب جيش؛ وكل البلاد جبهة) حسب شعار بن غوريون. كل الوافدين الجدد اليهود يتعلمون العبرية في الجيش، ويخدمون فيه، ويتعلمون كيف يخدمون الدولة فيما بعد بمهارات تعلموها. كانت أيديولوجيا الصهيونية العمالية هي، غالبا، قومية ـ اشتراكية، وكانت أيديولوجيا الصهيونية التنقيحية هي، غالباً، قومية ـ دينية، وكل حكومات إسرائيل، العمالية والليكودية منها، كانت ائتلافية مع الأحزاب الدينية؛ ومرتين فقط كانت حكومات ائتلافية بين جناحي الأحزاب الصهيونية (الليكود والعمل). منذ الانقلاب الحزبي 1977، الذي أنهى حكومات الصهيونية ـ العمالية المنفردة تحت شعار بن غوريون (دون حيروت ـ ماكي) استعادت الأحزاب العمالية الحكم فترتين. حكومة رابين (العمل + ميرتس 1992 ـ 1996) وحكومة ايهود باراك 1999 ـ 2001). لكن حزب "كاديما" بقيادة أريئيل شارون، وهو ليكودي، بل من مؤسسي الليكود والاتحاد مع "حيروت"، كان فاصلة عابرة في حكومات الصهيونية التنقيحية، أو بالذات حكومات زعيم الليكود الأصلي نتنياهو. بعد فوز نتنياهو العام 2014 شكل حكومة دون العماليين بجناحيهم الأصلي واليساري، متحالفاً مع الفاشية القومية (ليبرمان) والفاشية الدينية (بينيت) كما في حكومته 2011، لكن بعد أن "زاود" عليهما وأخذ أصواتاً منهما. إذن؟ أحزاب الصهيونية التنقيحية فازت على أحزاب الصهيونية العمالية، لكن أحزاب الصهيونية الدينية صارت تفوز على الأحزاب الدينية التقليدية، وبخاصة منها الدينية ـ اللاصهيونية، مثل "الحريديم" (الأتقياء) الذين يعارضون الخدمة العسكرية، ويشكلون 12% من الشعب. الدليل، حسب مجلة الجيش (بمحانيه ـ في المعسكر) كان هناك جندي واحد متديّن من بين كل 50 جندياً في الجيش.. والآن، هناك ثلث الجنود ينتمون إلى "الصهيونية ـ الدينية" من لابسي القُبّعات المنسوجة، وإلى هذا التيار ينتمي القاتل ييغال عمير. منذ 1996 ارتفع طلاب الصهيونية ـ الدينية في الكليات الحربية بنسبة 250%، هذا المسار يعني أن جيش الدولة الصهيونية ـ الإسرائيلية، قد يصير أقرب إلى جيش الدولة اليهودية ـ الصهيونية، أو جيش المستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية. في الجيش الإسرائيلي القديم، كان هناك جنود يرفضون الخدمة في "جيش احتلال" وفي الجيش الجديد ـ اليهودي صار هناك من يهدّد بالتمرّد على أي قيادة سياسية تفكر في الانسحاب من الاحتلال. يعني "الحل بدولتين" لم يعد مطروحاً لأسباب واقعية وذرائع سياسة مختلفة، وفكرة الدولة الواحدية ليست عملية لأنها تتعارض مع "يهودية الدولة". حسب معطيات مجلة الجيش، فإن ضباطاً كباراً في الصهيونية الدينية لا يشعرون بالذنب لاغتيال رابين، وحسب القاتل ييغال عمير فإنه "بدون فتوى دينية تجاه رابين كان من الصعب عليّ أن أقتل". أكثرية الشعب الإسرائيلي مع "الحل بدولتين" ونصفهم مع تقسيم القدس، لكن العمالية الصهيونية لا تقدّم خياراً حاسماً حول شروط الانفصال عن الاحتلال. والنتيجة؟ نتنياهو يفشل في الاستطلاعات، وينتصر في الانتخابات حاملاً شعار "الدولة اليهودية" لأن الجيش الصهيوني ـ الإسرائيلي يتهوّد شيئاً فشيئاً. إسرائيل ليست استثناء دول المنطقة وشعوبها عن "الوفاء الديني". المسألة أبعد من الحرم والهيكل، فهي عن القدس، والمسألة أبعد من القدس فهي عن شروط التقسيم الجديد، والمسألة أبعد من التقسيم الجديد لأنها تتعلق بالمسار الإسرائيلي المتداخل مع المصير الفلسطيني، وبالعكس