محكمة لاهاي: ستدفع إسرائيل ثمناً غالياً مقابل الحماية الأميركية

حجم الخط

بقلم: ألون بنكاس


يوجد لإسرائيل ميل، عمره طويل، لتكون محقة جداً وغير حكيمة أبداً في سلوكها الدولي عندما تتم مهاجمتها. من المعروف أن هذا يخالف تماماً صورتنا الذاتية. لذلك فان الردود على قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بشأن فتح تحقيق حول جرائم حرب ارتكبت في "المناطق" كانت متوقعة وفارغة.
بعد ثلاثة اسابيع على قيام المحكمة في لاهاي باتخاذ قرار بأنه يوجد لها صلاحية لمناقشة ما يحدث في "المناطق" أعلنت المدعية العامة، بنسودا، الاربعاء الماضي، بأنها تصادق على فتح التحقيق فيما يتعلق "بالوضع في فلسطين" بعد عملية "الجرف الصامد". قرار فتح التحقيق مثير للغضب حقاً، وأساسه الشرعي مهزوز، وأساس افتراضات المحكمة خاضعة لتفسيرات تاريخية وقانونية. ولكن بعد مرور خمس سنوات على تجاهل تام من قبل إسرائيل بالنسبة لجوهر التحقيق ومحاولة تقويض صلاحية المحكمة، ما الذي كانوا ينتظرونه بالضبط؟
قصف مدفعي من الرثاء والمرارة والغضب المقدس والقاء اللوم على كل العالم، بدأ على الفور. خلال بضع دقائق من إعلان المحكمة بدأ وابل من الشعارات: الجيش الإسرائيلي هو الجيش الاكثر أخلاقية في العالم. دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي يعرفون كيفية إجراء تحقيق ذاتي أفضل من أي جهة اخرى، وهم يفعلون ذلك بشكل دائم. سنقف وراء الضباط والجنود؛ هذه لاسامية؛ إسرائيل تتعرض للهجوم؛ المدعية العامة تحركها كراهية إسرائيل؛ هذا قرار منافق ولا أساس قانونياً له؛ ليذهبوا ويفحصوا سورية وايران قبل ذلك.
جميع هذه الادعاءات محقة وجميلة ومعظمها صحيح، لكنها جميعا غير حكيمة. لا يوجد أي منها مناسب للدفاع القانوني بالنسبة لإسرائيل. يوجد لها، بصعوبة شديدة، أهمية اعلامية. هذه ليست أكثر من ادعاءات بافلوفية تجعلنا نشعر بالراحة مع أنفسنا، مغلفين بالغضب المقدس وغارقين في البِرّ. هكذا لا يبنون دفاعا. ومثلما لا يجب المبالغة بصورة هستيرية فانه من المحظور أيضا على إسرائيل التقليل والاستخفاف بالمحكمة الدولية. من جهة سيستغرق التحقيق زمنا غير قصير، وفي حزيران سيحل مكان بنسودا مدع عام جديد، رجل القانون البريطاني، كريم خان. ليس واضحا كم من الوقت والموارد سيخصصها خان لهذا التحقيق مقارنة مع تحقيقات اخرى، ربما تكون ضمن سلم أولويات أعلى في مكتبه. الصور البائسة للتحقيقات أو أوامر الاعتقال ضد رؤساء الوزراء ووزراء الدفاع ورؤساء الاركان والجنرالات ورؤساء اقسام في جهاز الامن وجنود خدموا في غزة – ما زالت بعيدة. ويوجد لإسرائيل حلفاء وادعاءات دفاع لا بأس بها.
من جهة اخرى، إذا واصلت إسرائيل ازدراء المحكمة، والاحتجاج على صلاحيتها والامتناع عن التعاون معها، مثلما فعل نتنياهو بصورة متحدية في السنوات الخمس الماضية، فان الضرر المحتمل سيكون ليس فقط قانونيا تجاه هذا الجنرال أو ذاك الملازم أو ذاك العضو في "الشاباك"، بل أيضا سيكون هناك ضرر سياسي. صحيح أن التحقيق يتركز على حزيران 2014، لكن نطاق القضاء يمكن توسيعه الى جميع "المناطق الفلسطينية". هذا بالضبط ما يعتبر "تدويل النزاع" من خلال المحكمة في لاهاي، والطريق من هناك الى الأمم المتحدة غير بعيدة.
يوجد لسياسة الدفاع الإسرائيلية ثلاثة جوانب، الجانب القضائي، والجانب الدبلوماسي الجماهيري، والجانب السياسي.
قانونياً بعد سنوات على تجاهل التحقيق، ستضطر إسرائيل الى فحص بلورة استراتيجية وخط دفاع كرد على صلاحية المحكمة وميثاق روما، الذي تم التوقيع عليه في العام 1998. بقوة هذا الميثاق تم تشكيل محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. وقد دخل الميثاق حيز التنفيذ في العام 2002 وفسر وظائف المحكمة وصلاحياتها وسريان ولايتها القضائية وتركيبتها. حدد الميثاق أربع "جرائم أساسية": إبادة شعب؛ جرائم ضد الانسانية؛ جرائم حرب؛ جرائم عدوان. انضمت إسرائيل رسميا الى الميثاق في 31 كانون الاول 2000. ولكنها لم تصادق على هذا الانضمام. في رسالة انضمامها أضافت إسرائيل تحذيرا وتحفظا: هناك خوف من تسييس قرارات المحكمة، وخوف جوهري ومعقول من استخدام سياسي ومن دوافع سياسية واضحة ومرفوضة لدول بتقديمها دعاوى للمحكمة. خوف آخر هو أن تتحول المحكمة الى ساحة صدامات سياسية وليس هيئة قضائية نقية وخالية من الاعتبارات الغريبة. يبدو أن كل التحذيرات الإسرائيلية تم التعبير عنها في قرار فتح التحقيق.
الجانب الثاني هو الدبلوماسية الجماهيرية. حتى الآن اختارت إسرائيل طريق الهجوم ومحاولة الاحتجاج على صلاحية المحكمة. هذه سياسة شرعية، لكن لا يوجد لها برنامج بديل إذا لم تنجح.
في لاهاي قرؤوا كيف أن الوزراء يشهرون ويهددون المحكمة العليا بتقليص صلاحياتها، وتشريع استقوائي ضد أحكامها. إضافة الى ذلك، بقي لإسرائيل المسار السياسي. يوجد لإسرائيل حلفاء مهمون هم أعضاء في ميثاق روما ودول صديقة وتتعامل بود مع ادعاءاتها وانتقادها. ولكن في نهاية المطاف يوجد الاساس في الولايات المتحدة. فهي ليست عضواً في ميثاق روما، لكن تأثيرها في منتديات ومؤسسات دولية هو تأثير حاسم. أول من أمس وقف وزير الخارجية الأميركي، انتوني بلينكن، من وراء إسرائيل، واحتج على صلاحية المحكمة.
ولكن استمرار التحقيق سيحتاج الى استمرار الدعم السياسي الأميركي، وهذا مرهون ومتعلق بمواضيع أخرى تتطلع فيها الولايات المتحدة الى تعاون إسرائيل: الاتفاق النووي مع إيران، علاقات الولايات المتحدة المتضعضعة مع السعودية، وفي المستقبل القريب، ضغط أميركي على مسائل مختلفة داخل مثلث العلاقات إسرائيل – الصين – الولايات المتحدة. ومن أجل ضمان استمرار الدعم السياسي والعملي للولايات المتحدة في موضوع التحقيق سيطلب من إسرائيل تأييد الولايات المتحدة في هذه المواضيع.

عن "هآرتس"