كفى حفريات؛ هيّا إلى الحرم ..

athan (1)
حجم الخط

ملّ عالم الآثار مئير بن دوف. إنه يستمع طول الوقت الى السياسيين والاعلاميين وهم يتحدثون عن الحرم والمسجد الاقصى، ويشد ما تبقى من شعره. "الكثير من الكلام الفارغ سمعته في الاشهر الاخيرة. ولا اعرف اذا كان كلامهم ينبع من عدم المعرفة أو من محاولة تشويش الوضع، لكنني اشعر أن موضوع الحرم يأتي من مكان سطحي وضعيف". لا يوجد شخص يعرف الحرم من جميع جوانبه اكثر من بن دوف، حيث عينه في العام 1968 معلمه البروفيسور بنيامين مزار نائبا لمدير الحفريات في حارة اليهود، واستمر في متابعة الأماكن المقدسة في القدس حتى التسعينيات. حدث تاريخي بعد احتلال البلدة القديمة في حرب "الايام الستة"، حيث لم يستوعب معظم علماء الآثار نتائج الحرب، استدعى عالم الاثار القديم، بنيامين مزار، بن دوف الى مكتبه. "كنت أحاول استيضاح ما حدث مع خبراء الآثار الذين تعلموا معي في الجامعة، لكن البروفيسور مزار قال لي إنه يريد الحفر في منطقة حائط البراق، وسألني إذا كنت أوافق على ادارة الحفريات. فوافقت فورا". تذكر بن دوف. أراد مزار ان يبدأ الحفر فورا، لكنه استسلم للضغط السياسي والديني. "خلال عشرة اشهر علق القرار حول بداية الحفر. كانت هذه فترة رفض فيها رئيس الحكومة، ليفي اشكول، والحاخامية الرئيسة الموافقة على الحفر في المنطقة المقدسة. وأعتقد أن هناك ضغطا دوليا ساهم في قرار أشكول". نجح بن دوف في ايجاد الحل. "في أحد الايام وصلت الى الحاخامية في البلدة القديمة، التي كانت مدرسة عربية قبل حرب الايام الستة وطلبت من الحاخام عداس، الذي كان مديرا لدى الحاخام الرئيس اسحق نسيم، أن يرتب لنا غرفة في المؤسسة. قال عداس إنه يأمل ألا يسمحوا لنا بالحفر، وقال إننا سنحصل على غرفة عندما ينمو الشعر على يده". وضحك. عاد بن دوف الى مزار وقال له إنه وجد الحل. "قلت له إن الحاخامية لن تخرج في حربين، من الافضل أن نخرج في حرب من اجل الحصول على غرفة في الحاخامية كي ينسى الجميع حرب الحفر". وضحك. "هذا ما فعلناه، توجهنا الى رئيس البلدية تيدي كوليك الذي كان متحمسا للحفر والى مساعده ميرون بنفنستي وطلبنا منهما غرفة داخل المكان الذي بملكية البلدية، ووعد أن يفعل ذلك ويمنحنا تمويلا بمبلغ 10 آلاف دولار". لم يصل التمويل لكن المفاتيح اعطيت لنا في اليوم التالي. "جندنا 10 عمال وجلسنا في المكتب قبل وصول الحاخامات، وعندما شاهدونا حاول الحاخام نسيم أن يستخدم كل الوسائل لنترك، إلا أننا رفضنا. حصلنا على طلبنا. تحدث الجميع عن المفاتيح، لكن أحداً لم يتحدث عن الحفر. في اليوم التالي أحضرنا 20 شخصاً للحفر في الحرم". فقط بعد مفاوضات مكثفة استمرت سنة ونصفا، حيث أصبحت الحفريات حقيقة واقعة، أعاد مزار وبن دوف المفاتيح. "في هذه اللحظة لم يتحدث احد عن الحفر، وغُطيت اعادة مراسيم المفاتيح في كل وسائل الاعلام وبدأت عمليا الحفريات في الأماكن المقدسة في القدس". هدم القصر في العام 1975 جاء التبرير الأول للحفر. وجد طاقم الحفر لبن دوف اقواساً تؤكد وجود قصور تعود للفترة الإسلامية الاموية. "استلقى بنيامين مزار حينها على سرير المرض، لذلك لم أكن متأكدا من المعطيات التي رأيتها، فقد تعلمنا جميعا أن المسلمين لم يبنوا أي شيء خلال سيطرتهم في القدس، وفجأة وجدت أقواسا لا يمكن الخطأ تجاهها". من أجل حل المشكلة توجه بن دوف الى عالم الآثار المعروف يغئال يدين وطلب استشارته. "قال لي إنه يبدو أنه مسجد من العصر الاموي، لكن العباسيين لم يعطوا امتيازات للأمويين، لذلك لم يوضحوا أفعالهم. وبدون الانفعال اقترح عليّ أخذ الجرافة وهدم المبنى". سمع بن دوف اقوال يدين عالم الآثار ورجل الجيش الاقدم منه ولم يصدق ما يسمعه؛ فقرر الاستمرار في الحفر حتى تأكد من فرضيته الاولى. "سربت للراديو في ذلك المساء أننا وجدنا في الحفريات اشياء من الفترة الاسلامية، وتأكدت في تلك اللحظة انني انقذت ما تم اكتشافه". اثبتت خطوة بن دوف نفسها في الساحة الدولية. "مع مرور الوقت وصل الى اسرائيل ممثل الامم المتحدة الذي اراد فحص الادعاء بأننا نحفر فقط من اجل الاشياء اليهودية في المكان. واظهرت له الاشياء الاسلامية واقنعته. في اليوم التالي جاء اليّ يدين وشكرني لأننا لم نهدم القصر". نقاشات مع الاوقاف كان مهماً بالنسبة لبن دوف كمن يعرف العقلية الاسلامية أن تشارك الاوقاف في كل الحفريات في الاماكن المقدسة. "كنت آخذ المفتي الذي كان من الخليل وجذوره من عائلة اعتنقت الاسلام. وفي احد الايام رأيت ايضا انور نسيبة من سكان القدس، الذي كان في حينه وزيرا في الحكومة الاردنية، وطلبت منه مرافقتي حيث كان منجذبا للمكتشفات". في اعقاب الحديث نشأت صداقة بين الاثنين. "قلت لانور نسيبة إنني اعتقد انه من الخطأ ان يتعلم العرب مهنا مثل الحقوق أو الاقتصاد أو الطب، واعترف أن ابنه ايضا يتعلم الاقتصاد في اكسفورد، ووعدني انه عندما يعود ابنه في العطلة سيأتي للعمل معنا، وهذا ما حدث، عمل مدة يومين لان العمل كان صعبا لكنه أخذ انطباعا كافيا عما اكتشفناه". الطالب الذي اصبح بروفيسورا هو سري نسيبة، رئيس جامعة القدس. اثارت الاكتشافات انطباعه لدرجة انه كتب عن اللقاء مع بن دوف في كتابه "لقد كانت بلاد". الطيبي اقتنع لم يكن لدى جميع الممثلين العرب استقامة ثقافية مثل سري نسيبة. حيث وصل ممثلو الاوقاف طول الوقت الى مواقع الحفر، لكن عندما كانوا يعودون الى مكاتبهم كانوا يرددون أن الحفر يهدف الى تدمير الاقصى. "في أحد الايام مللتُ من هذه اللعبة فقمت باستدعاء مراسلة من صوت اسرائيل لتوثق زيارة احد ممثلي الاوقاف في الحفر". وفي لحظة خروج هذا الممثل من المكان سارع بن دوف في الصعود على الهواء وتحدث عن دهشة الزائر من الوقائع. أكدت المراسلة الامر. "بعد فترة التقيت مع ذلك الممثل وسألني لماذا فعلت ذلك. فاقترحت عليه عقد اتفاق" أن لا يهاجم الحفر وأنا لن اتحدث مع الصحافيين عن دهشته". ادعاءات المسلمين أنه لم يكن هناك "هيكل" تجعل بن دوف يسخر. "اتصل معي احمد طيبي في احد الايام لسؤالي اذا كان هناك هيكل. أجبته باختصار انه مدعو الى النظر في اقوال النبي محمد الذي تحدث عن دولة بيت المقدس وان "الهيكل" قد دمر لان اليهود قد اخطؤوا، فيفهم من ذلك انه كان هناك هيكل. واقول في صالح الطيبي انه فهم الرسالة سريعا". حسب ادعاء بن دوف، بعد احتلال الحائط الغربي فورا توجه الحاخام الرئيس للجيش، شلومو غورين الى الجنرال عوزي نركيس الذي كان في حينه قائد المنطقة الوسطى والمسؤول عن الجيش في الضفة الغربية، واشتكى لهما عن خطأين في احتلال البلدة القديمة. الاول، انهم لم يستخدموا المتفجرات لهدم المسجد الاقصى، والثاني انهم لم يستخدموا المتفجرات لتدمير قبة الصخرة. قال نركيس للحاخام غورين إنه اذا سمعه يتحدث هكذا مرة اخرى فسيضعه في السجن العسكري. الحاخام غورين، الذي حافظ على علاقة جيدة مع بن دوف، كان في تلك الفترة من اكبر المناضلين من اجل التواجد اليهودي في الحرم. غورين هو أحد ابطال قضية بوابة فورن – المكان الذي تواجد فيه حسب المصادر تابوت العهد – هذه القضية التي اشعلت الدولة في العام 1981. "كنتُ المسؤول من قبل الوزير يوسف بورغ ورئيس الحكومة مناحيم بيغن عن الحفريات، وحذروني من عدم الوصول الى الحائط الغربي. في احد الايام استدعاني حاخام الحائط يهودا مئير وأراني 10 عمال يعملون لفتح البوابة. قلت له ان هذا سيتسبب بالحرب، لكني لم اتحدث مع احد في ذلك". بعد بضعة ايام سمع بن دوف الحاخام غورين يقول في الراديو انه يعرف أين هو تابوت العهد، لكن لا أحد يسمح له بالوصول الى هناك. ظهر بن دوف على الهواء ووافق على انهم يعرفون أين كان التابوت، واضاف انه موجود في منطقة بوابة فورن. عندما سمعت الاوقاف ذلك اثارت ضجة واغلقت الفتحة بالاسمنت. "بعد ذلك كنت عضواً في لجنة التحقيق التي فحصت الأمر. وقبل كتابة الاستنتاجات طلب مني بورغ أن اكتب أن سبب عمل العمال هناك كان بسبب دلف في المنطقة. منذ ذلك الحين لم اعد اؤمن بلجان التحقيق". لم يتحدث بن دوف عن استخلاصات اللجنة لكن عندما حانت الفرصة قام بتصفية الحساب مع غورين. "ذكر امامي الحاخام غورين مرة اخرى موضوع التابوت وحقيقة ان علماء الآثار يمنعونه من الوصول الى هناك. قلت له ان آخر من حاول الوصول الى التابوت مات هناك. ومنذ ذلك الحين لم يطرح الموضوع". مسجد أم كنيس كان بن دوف في المنطقة ايضا اثناء احداث العنف حيث كان مسؤولا عن الحفر. الامر الذي اعطاه بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة وبتشجيع من رئيس البلدية ايهود اولمرت كان فتح النفق في ايلول 1996 الامر الذي اشعل موجة من المظاهرات والصدامات استمرت ثلاثة ايام قتل فيها 17 جنديا اسرائيليا و100 فلسطيني واصيب العشرات. قضية اخرى تحزن بن دوف هي موضوع المصلى المرواني الذي كان جزءاً من "الهيكل" الثاني وتحول الى مسجد في العام 1996. الاعمال في المكان التي تمت في اعقاب ضيق المكان في المسجد الاقصى حولت المكان التحت ارضي الى مسجد كبير تبلغ مساحته 4 آلاف متر مربع، حيث بادرت الحركة الاسلامية الى هذا المشروع وجندت العمال للعمل سريعا، وفي اطار العمل قامت 400 شاحنة بالقاء التراب في منطقة قدرون، وبقايا فخار من فترة الهيكل الثاني، ودمرت اشياء من بقايا فترات تاريخية يهودية. المكان المشتعل يعرف بن دوف الى أي حد تبلغ حساسية الحرم، ورؤساء الحكومات اليمينية يعرفون ذلك. ويرى بن دوف كيف ان نشطاء اليمين المتطرف ينجحون في السنوات الاخيرة في ايقاظ المعرفة والاهتمام لدى اليهود تجاه الصلاة في الحرم. "من الصعب عليّ رؤية هذا"، قال، "هذا الشهر فقط اطلعت على ما كتبه الحاخام كوك الذي تمنى أن تسامح السماء الوزير موشيه منتغيوري لانه ذهب الى الحرم. الرمبام ايضا الذي يقتبسه نشطاء اليمين رأى الحرم من الفتحة وقال فقط عندما يأتي المسيح سيكون من الممكن الدخول اليه".      عن يديعوت