احتجاج "الأغلبية الصامتة" في أم الفحم

حجم الخط

بقلم: جاكي خوري



في ظهيرة يوم الجمعة، وقف أحد سكان أم الفحم مع ابنه، ابن الخامسة، في الميدان الرئيسي في مدخل القرية. حمل الطفل لافتة صغيرة كتب عليها باللون الأحمر والأسود "الدم العربي ليس مشاعاً". "أعيش قرب الميدان وقد اعتقدت أنه من الصحيح أن آتي مع ابني"، قال الأب. هو لم يذهب الى منتخبي الجمهور السياسيين، الذين وصلوا من اجل المشاركة في التظاهرة الحاشدة التي جرت في المكان. وبدلا من ذلك وقف ببساطة هناك نحو نصف ساعة، وعاد الى البيت.
كان الكثير من المشاركين في التظاهرة يشبهون هذا الأب، أمهات وآباء مع أولادهم، سكان المدينة غير المشاركين في السياسة، والذين جاؤوا للاحتجاج والمطالبة بالحقوق الاساسية جدا، منها الأمن الشخصي واجواء اجتماعية هادئة دون خوف أو وجل. لم يحظوا بالاهتمام الكبير، حتى الميكروفون لم يُعط لهم. هم لا يظهرون مهمين بشكل خاص، لا يوجد بينهم أي أحد مرشح للكنيست أو لأي وظيفة عامة معينة. الكثيرون منهم كانوا هادئين جدا بالنسبة لتظاهرة كهذه. لكن هؤلاء اشخاص يمثلون الأغلبية الصامتة والنازفة في المجتمع العربي.
التظاهرة، التي جرت في ظهيرة يوم الجمعة، كانت في أساسها شيئاً كهذا. شعبية. لا يستطيع أي حزب القول، إن هؤلاء هم قاعدته. لأنهم جميعا كانوا هناك، شباب وبالغون، عائلات واشخاص افراد، متدينون وعلمانيون، نساء محجبات الى جانب فتيات علمانيات، أعضاء في احزاب واشخاص غير سياسيين بشكل واضح. كان هناك ايضا يهود جاؤوا للتعبير عن التضامن والدعم. كان يبدو أن أم الفحم بالنسبة لهم لم تعد مخيفة أو تثير الشك، بالعكس. ايضا في اوساط الجمهور اليهودي بدؤوا يدركون أن المطالبة بالأمن الشخصي هي حق اساسي، يجدر من اجله قطع محور حركة رئيسي مثل شارع 65 دون أن يضعضع هذا الامر استقرار كل الدولة.
كانت هذه التظاهرة الكبرى التي عرفها المجتمع العربي في السنة الأخيرة. صحيح أن الأمر يتعلق بسنة "كورونا" المليئة بالقيود، لكن في الفترة الاخيرة كان يبدو أن معطيات الاصابة تحولت الى امر هامشي ازاء المهمة الكبيرة، وهي المطالبة من شرطة إسرائيل العمل ضد الجريمة، وليس فقط ببناء مركز آخر للشرطة. عدد من المتظاهرين طالبوا بإزالة الشرطة في المدينة، لكن فعليا يبدو أن السكان لن يعارضوا اقتحام منشأة أو بيت تتم تخبئة سلاح فيهما، ولن يعارضوا اعتقال أي شخص من منظمات الجريمة المنظمة، سواء أكان كبيرا أم صغيرا.
في التظاهرة، رفع ايضا عدد من الأعلام الفلسطينية. الشباب الذين رفعوا هذه الاعلام قالوا، إنه لا يوجد أي تناقض. العلم، قالوا، هو طريقة للتعبير عن هويتهم. ولكن المطالبة التي أثارتها هذه التظاهرة هي مطالبة مدنية.

إشارة تحذير
تم توجيه الاحتجاج في الاساس الى الشرطة، لكن فعليا تحدت هذه التظاهرة ايضا الاحزاب العربية ولجنة المتابعة لدى الجمهور العربي. لا يوجد أحد محصن من الانتقاد. الحادث الذي وقع مع عضو الكنيست منصور عباس لم يكن الحادث الابرز في الاحتجاج، رغم أنه تم إبرازه في عناوين وسائل الاعلام. يدلل هذا الحدث دون شك على الاستقطاب والتوتر السائد بين الاحزاب عشية الانتخابات. وقد تحول الى اشارة تحذير للسياسيين؛ لأن الوضع يمكن أن يتدهور اذا لم يستيقظوا.
في عدد غير قليل من القرى العربية، حدثت احداث عنيفة وجرائم في السنة الأخيرة. في بعضها جرت ايضا اعتصامات وتظاهرات. في بداية الشهر الماضي تظاهر جمهور واسع في طمرة بعد قتل طالب التمريض، احمد حجازي، الذي تصادف وجوده في مكان حدث فيه اطلاق نار بين رجال شرطة ومسلحين. تحولت جنازته الى حدث احتجاجي بمشاركة بضعة آلاف من الاشخاص، احتجاج خفت في نهاية المطاف. في أم الفحم الصورة تبدو مختلفة.
التظاهرة في يوم الجمعة، كانت تمثل الاسبوع الثامن على التوالي من الاحتجاج الحالي. في يوم الجمعة الماضي، خرج مئات الاشخاص الى الساحة التي توجد أمام البلدية في المدينة. في الشرطة، قرروا في حينه وقف الاحتجاج بالقوة بدلا من السماح له بالانتهاء بالتدريج. وشاهدوا في هذا الاسبوع بضعة آلاف من المتظاهرين. حتى، الآن، من غير الواضح كيف سيتطور الاحتجاج في الاسابيع القادمة. في "الحراك الشبابي"، الذي يقود الاحتجاج، يعدون بالاستمرار والتظاهر في كل اسبوع وزيادة شدة الرسالة ضد سلوك الشرطة. هؤلاء الشباب ورؤساء القيادات المحلية لا يريدون فقدان الزخم وتعاطف الجمهور الذي كسبوه. هذا هو الوقت الذي مطلوب فيه من قادة الجمهور العربي ومن قادة الدولة بشكل عام الإصغاء وإدراك عمق الأزمة، واحتواء الغضب وعدم تأجيجه، والتذكر بأن المواطن العربي هو مواطن، وأن من حقه العيش بهدوء وأمن.

عن "هآرتس"